عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 08-06-2006, 04:11 PM
الغرباء الغرباء غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
الإقامة: دولة الخلافه الاسلاميه
المشاركات: 2,050
إفتراضي

في ذلك الصيف قادتني مهنة المتاعب إلى سجن سواقة - حيث يوجد الزرقاوي - اثر مقالات صحفية كتبتها منتقدا السياسية الداخلية لرئيس الوزراء الأردني حينذاك عبد الكريم الكباريتي ، خاصة لجهة الحريات العامة وسياسته الاقتصادية التي أدت إلى رفع سعر الخبز ، وهو المادة الغذائية الأساسية لعامة الأردنيين ، مما أدى إلى اندلاع احتجاجات عنيفة في مختلف أنحاء الأردن ، كانت حملة الاعتقالات في ذلك الصيف واسعة ، شملت معظم ألوان الطيف السياسي الأردني من الماركسيين في أقصى اليسار إلى الإسلاميين في أقصى اليمين ، وطوال اكثر من شهرين قضيتها بالسجن قبل أن يفرج عني بتدخل ملكي ، لم يلفت أبو مصعب نظري داخل السجن سوى مرات محدودة ، خلاف معلمه وأبيه الروحي أبو محمد المقدسي الذي كان يحتل كامل المشهد .



كان أول من استقبلني لدى وصولي سجن سواقة ، النائب ليث شبيلات الذي تربطني به علاقة شخصية قوية ، ومنذ اللحظة الأولى نبهني إلى ضرورة تجنب زيارة غرفة الزرقاوي وجماعته ، وقال لي : أنا نائب طروحاتي ومنطلقاتي إسلامية ولا يقبلونني ، فكيف ستكون نظرتهم إليك وأنت لست إسلاميا ، لكن حين أحس بفضولي الصحفي في التعرف إليهم ، قال ناصحا : إذا كنت لا تريد الأخذ بنصيحتي ، فكن حذرا في كلامك معهم ، فان ضيفوك كوبا من الشاي ، فهذا مدعاة اطمئنان ، وإلا فأحسن الخروج من عندهم بسرعة كما أحسنت الدخول ، فزاد هذا الحديث من فضولي الصحفي ، فتوجهت منذ اليوم الأول إلى غرفتهم ، كان يجلس في صدرها أبو محمد المقدسي ، والزرقاوي ، وبعد إلقاء التحية عليهما قدمت نفسي لهما قائلا : أنا صحفي متابع للقضايا السياسية ، ولا أنتمي لأي من الجماعات الإسلامية ، لكن لدي الرغبة في التعرف على تفاصيل قضيتكم التي تابعتها عبر وسائل الإعلام ، فهل أنتم على استعداد لتحدثوني عنها بالتفصيل ، وأعدكم بنشر روايتكم بوسائل الإعلام ، رحبوا فيَ أجمل ترحيب ، ووضع الزرقاوي أمامي كوبا من الشاي ، مما أثلج صدري ، وأشعرني بالراحة والطمأنينة ، ودامت الجلسة أكثر من ساعتين . كان النقاش خلالها محصورا مع المقدسي حول التطورات السياسية بالمنطقة ، ولم يتدخل الزرقاوي بالنقاش إلا مرة واحدة حين سألني عن المعاملة التي لقيتها أثناء فترة التحقيق قبل ترحيلي إلى سجن سواقة ، بعد أن استمع إلى إجابتي ، حدثني بما جرى معه خلال اعتقال بزنزانة انفرادية على مدى ثمانية أشهر ونصف ، وقال أنه فقد أظافر قدميه نتيجة التقرحات التي أصابتهما جراء التعذيب الشديد . أدركت حينها أنه إذا ما تسنى للزرقاوي الخروج من السجن فسيغادر الأردن فورا ، بلا عودة !



بعد أسبوع من وصولي إلى سجن سواقة ، وضعت إدارة السجن الزرقاوي في زنزانة انفرادية عقوبة له على تلاسنه مع أحد الحراس ، لكسر شوكته بين مجموعته كونه أميرهم ، حاول المقدسي ورفاقه مفاوضة إدارة السجن لاعادته إليهم ، لكن انقضى أسبوع من المماطلة والتسويف ، فقررت مجموعة الزرقاوي العصيان داخل السجن ، وطلبوا منا نحن المعتقلين السياسيين أن نتضامن معهم ، ففعلنا ، فتأزم الموقف وازدادت حدة التوتر بين الإدارة من جهة وبقية كامل المعتقلين من جهة ثانية ، ولما وصلت الأمور إلى حافة الصدام ، اقترح المعتقلون السياسيون أن أفاوض باسم الجميع إدارة السجن لاعادة الزرقاوي ، وافق المقدسي على المقترح ، فأبلغت الضابط المناوب بضرورة التفاوض لإيجاد مخرج للازمة ، قبل أن تتفاقم الأمور وتصل إلى ما لا يحمد عقباه ، رافقني للتفاوض أبو المنتصر من مجموعة الزرقاوي ، فالتقينا مع مدير السجن حينذاك إبراهيم خشاشنة ، لكنه لم يبد مرونة ، فتصاعد الموقف ، وبلغ العصيان أوجه ، أغلق المعتقلون كاميرات المراقبة ، وجعلوا من الأَََسرة أدوات حادة استعدادا للنزال ، أغلقوا الأبواب الرئيسة للقسم مانعين رجال الأمن العام من الاقتراب للمكان ، فعلم بالأمر مدير السجون الشريف أبو عصام ، وصل إلينا قرابة الفجر . تفاوضت معه نيابة عن المساجين لاخراج الزرقاوي من الزنزانة الانفرادية ، فوافق على أن يتم التنفيذ في اليوم التالي ، حفظا لماء وجه مدير السجن . وحين عاد الزرقاوي في اليوم التالي إلى الجناح السادس ، عاد لممارسة إمارته على رفاقه ، وعاد المقدسي الذي تولى الإمارة أثناء غياب الزرقاوي إلى البحث والتأليف .



كان الزرقاوي داخل السجن إنسانا بسيطا هادئا ، كثير الصمت ، إذا كلمته يتكلم ، وإذا لم تكلمه لا يتكلم ، يقضي أوقات فراغه بحفظ القرآن والقراءات الدينية الأخرى ، ويهتم كثيرا بالصلاة وقيام الليل وكل ما له علاقة بتغذية البعد الروحي ، أما القراءات الأدبية أو السياسية أو أية قراءات بعيدة عن المواضيع الدينية ، فلا مكان لها عنده ، وبعيدا عن القراءة كان الزرقاوي يهتم بممارسة التمارين الرياضية ، إذ كان شديد الحرص على بنيته الجسدية ، وفي فترات الصباح كان يقوم بزيارات للمعتقلين على قضايا مدنية أو جنائية ، كان يسعى لتمتين علاقاته الشخصية معهم ، بهدف إقناعهم بأفكاره تمهيدا لضمهم إلى تنظيمه ، وقد حقق نجاحا مذهلا في هذا الجانب . وبات معروفا على نطاق واسع أن المئات من أصحاب السوابق الجرمية في مدينتي الزرقاء والسلط في الأردن باتوا الآن هم أكثر الشبان تشددا بدينهم ، وكثيرون منهم قتلوا في معارك جرت بأفغانستان والعراق .



كان الزرقاوي داخل السجن يتعامل بشخصيتين ، الأولى تلك التي يتعامل بها مع جماعته ، كان لهم بمثابة الأب الحاني الكريم الودود اللطيف ، يحرم نفسه من النقود القليلة التي هو بأمس الحاجة إليها ، ويعطيها لأي من رفاقه يشعر أنه بحاجة إليها أكثر منه ، يخلع ثيابه ويهديها لأي من رفاقه ، إذا ما أحس أن أحدهم أبدى إعجابه بها ، في ذات الوقت أوامره نافذة على مجموعته دون نقاش، ويصل الأمر أحيانا إلى إنزال العقاب في أي شخص من أعضاء مجموعته إذا ما خالف الأوامر أو خرج عن رأي الجماعة . فالزرقاوي يتمتع بصفات قيادية أهلته لاحقا لبناء شبكة هي الأقوى في منطقة الشرق الأوسط .


الشخصية الأخرى للزرقاوي ، تلك التي يتعامل بها مع الجهات الرسمية داخل السجن ، فهو جدي في غاية الجلافة ، مهيب الجانب ، يحصر التعامل معهم في أضيق الحدود الرسمية ، لا يسمح لادارة السجن أن تتعامل مع أحد من مجموعته إلا من خلاله . مع أنه كان يميل إلى الانطواء والعزلة لدرجة أنه كان يلقب بالغريب ، كان يحب هذا اللقب ويحب أن يناديه الآخرون به ، ويوقع به رسائله وبطاقاته لذويه .



علاقته بوالدته



كانت والدته وهي الضلع الثاني في تشكيل شخصيته ، كانت الأب والام في أن معا ، أثرت كثيرا في تنشئته ، فقد ربته تربية محافظة في ظل ظروف اقتصادية غير مريحة لأسرة كبيرة تضم ثلاثة أولاد وسبع بنات .


كان الزرقاوي في السجن ، يترقب بشوق زيارات والدته إليه لحظة بلحظة ، فلم يكن العالم المحيط به بالسجن من رفاق وامارة ، كاف لإشباع الجانب العاطفي من شخصيته ، فكان اليوم المقرر لزيارة والدته إليه ، يوما استثنائيا ، إذ كان يلب
يتبع
ان شاء الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

__________________