عرض مشاركة مفردة
  #14  
قديم 17-03-2006, 01:13 AM
قناص بغداد قناص بغداد غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2005
المشاركات: 740
إفتراضي

والله سبحانه وتعالى اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ليقاتلوا في سبيله. (قال ابن عيينة معنى الآية: اشترى منهم أنفسهم ألاّ يُعمِلوها إلاّ في طاعة الله، وأموالهم ألاّ ينفقوها إلاّ في سبيل الله). (تفسير المحرر الوجيز لابن عطية الأندلسي، 7/50).

ومن يقوم بعملية استشهادية لا شكّ أنه في طاعة الله بل هو في أعلى مقامات الطاعة ألا وهي الجهاد في سبيل الله، فهو داخل - إن شاء الله تعالى - في معنى هذه الآية.

وقد قرأ حمزة والكسائي وخلف والنخعي وابن وثّاب وطلحة (فَيُقْتَلُوْنَ) على البناء للمفعول (وَيَقْتُلُوْنَ) على البناء للفاعل ووافقهم الحسن والأعمش؛ والباقون وهم ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وأبو عمرو والحسن وقتادة وأبو رجاء وغيرهم قرأوا بعكس ذلك.

فعلى قراءة (فَيُقْتَلُوْنَ وَيَقْتُلُوْنَ) يمكن توجيهها على أنّ المقاتل في سبيل الله يُقْتَلُ ليَقْتُلَ، كالانغماس في العدوّ الكثير أو اقتحام الرجل في الحرب وحمله على العدوّ الكثير وحده مع غلبة ظنه بالهلاك وتلف النفس، وهكذا في العمليات الإستشهادية أيضاً يُقْتَلُ ليَقْتُلَ ولا فرق بين الحالتين، حال اقتحامه صف العدوّ وحمله على العدوّ الكثير وحده وانغماسه فيهم، وحال قيامه بعملية استشهادية، لأنه في كلا الحالتين يكون موت المجاهد محققاً أو يغلب على ظنه موته في سبيل الله وأنّ الكفار يقتلونه ويريقون دمه. فإن قيل: إنه في الحالة الأولى يكون احتمال نجاته وارداً بخلاف الحالة الثانية فإن موته محقق لا محالة. فيقال: احتمال نجاة القائم بالعمليات الإستشهادية أيضاً قائمة، فكم من مجاهد في سبيل الله يقوم بعملية استشهادية فيَقْتُلُ ولاَ يُقْتَلُ؛ وقد حصلت عشرات الحوادث من هذا النوع في أفغانستان والشيشان وفي البوسنة والهرسك وغيرها، بل إنّ أحد الذين قاموا بتفجير سفارتي أمريكا في نيروبي ودار السلام نفذ العملية بنجاح ولم يمت ولم تتلف نفسه وخرج من المبنى المهدم سالماً.

ثم يقال: ماذا يضر المجاهد في سبيل الله إن تلفت نفسه في ذات الله وهو يسعى إلى تمكين الإسلام في الأرض وإعزاز الدين في أرجاء المعمورة، وإثخان الجراح في الكافرين وإضعاف شوكة اليهود والصليبيين والمشركين، أليس هذا مقام يمتدح فيه الإنسان وهو يعرض نفسه للهلاك والتلف لجعل كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.

ومن المعلوم أنّ من أهمّ مقاصد الدين حفظ الدين، ولما كان حفظ الدين لا يتأتى إلاّ بالجهاد في سبيل الله مع أنّ فيه تلف النفس وإزهاقها وتعريضها للهلاك شرع الجهاد بالنفس والمال، لأن بقاء الدين أهمّ من بقاء النفس والعقل والنسل (العرض) والمال، فمقاصد الشرع تنحصر في حفظ هذه الكليات الخمس وهي الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وحفظ الدين مقَدّم على الكل لأنه أول مقاصد الشرع وهكذا الذي يقوم بالعمليات الإستشهادية هدفه الرئيس إعزاز الدين وإهلاك الكفر والكافرين فضحّى بنفسه إبقاءً للدين وحفاظاً عليه من كيد الكافرين إذ من المعلوم شرعاً (أنّ مصلحة الدين أساس للمصالح الأخرى ومقَدّمة عليها، فيجب التضحية بما سواها مما قد يعارضها من المصالح الأخرى إبقاءً لها وحفاظاً عليها). (انظر: ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية، ص 55، د/ محمد سعيد رمضان البوطي).

وإنّ مما قرره الشرع أنّ المحافظة على منافع الخلق وفق مراد الشرع مصلحة، والشرع إنما (قصد بالتشريع إقامة المصالح الأخروية والدنيوية وذلك على وجه لا يختلّ لها به نظام لا بحسب الكل ولا بحسب الجزء، وسواء في ذلك ما كان من قبيل الضروريات أو الحاجيات أو التحسينيات. فإنها لو كانت موضوعةً بحيث يمكن أن يختلّ نظامها أو تختلّ أحكامها، لم يكن التشريع موضوعاً لها، إذ ليس كونها مصالح إذ ذاك بأولى من كونها مفاسد. لكنّ الشارع قاصد بها أن تكون مصالح على الإطلاق، فلا بد أن يكون وضعها على ذلك الوجه أبدياً وكلياً وعاماً في جميع أنواع التكليف والمكلفين وجميع الأحوال. وكذلك وجدنا الأمر فيها والحمد لله). (الموافقات للشاطبي، 2/37)، وهذا المعنى بعينه موجود في العمليات الإستشهادية، لأن القيام بها دفع لمضرة استيلاء الكفار على بلاد المسلمين ومن المعلوم أنّ دفع المضرة مصلحة، وأي مضرة هي أعظم من استيلاء الكفار على بلاد المسلمين واستباحتهم لبيضة الإسلام، وقد قضت الشريعة بوجوب إحراز مرتبة حفظ الدين وجعلها في أول سلم الكليات الخمس حتى وإن قضت الضرورة بالتضحية ببقية الكليات والتي هي دون حفظ الدين (فيجب المحافظة على مصلحة الدين وتقويم شرعته حتى وإن استلزم ذلك فوات ما دونها وهو مصلحة المحافظة على النفس، ومن أجل ذلك شرع الجهاد). (ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية، ص 57)، فإذا كان الحفاظ على نفس المجاهد وعدم تعريضه للتلف والهلاك مصلحة، فإن الحفاظ على الإسلام أعظم مصلحة من الحفاظ على أرواح أفراد من مجموع الأمّة، فعند الموازنة بين المصلحتين نجد أنّ مصلحة الإسلام والأمّة كلها أولى من مصلحة فرد أو عدّة أفراد من مجموع الأمّة، فالضرورة قد تحمل المسلمين على القيام بالعمليات الإستشهادية للتضحية بمصلحة القائمين بهذه العمليات الإستشهادية في سبيل بقاء الدين وإنقاذ المسلمين. وهذا الذي عناه الأصوليون بحقيقة الضرورة فهم يقولون إنّ (نظرية الضرورة في حقيقتها تئول إلى توارد مصلحتين ومفسدتين على أمر واحد، وبين هاتين المصلحتين وهاتين المفسدتين تعارض، فنرجح أكبر المصلحتين فنحصلها، وأشد المفسدتين فندفعها). (انظر: نظرية الضرورة الشرعية حدودها وضوابطها للأستاذ/جميل محمد بن مبارك، ص 204).
يتبع
__________________




لله در الفضيل بن عياض حيث يقول : لا تستوحش من الحق لقلة السالكين ، ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين . وأحسن منه قوله تعالى : ( ولقد صــدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً مـن المؤمنين)