عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 05-02-2004, 01:24 PM
صلاح الدين القاسمي صلاح الدين القاسمي غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: May 2003
الإقامة: افريقية - TUNISIA
المشاركات: 2,158
Lightbulb نواصل على بركة الله .

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم .
الحَمْدُ لِلَّهِ َربِّ العَالمِين وَلاَ عُدوَان إلاَّ على الظَّالمِين والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِدِنَا مُُحَمَّدٍ سَيِّدِ المُرْسَلِين وإمام المُتَّقِين وَ عَلَى آلِهِ وَ صَحْبِهِ أجْمَعِين.
_____


الفصل الأول
في محبة الله تعالى


قال الله تعالى :{ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } - المائدة : 54 .

فالله تعالى يحبهم بحسب العناية الأولى ، لا لعلة بل لذواتهم ، و المحبون يحبونه لذاته لا لصفة من صفاته ، فإن محبة الصفات تتغير بإختلاف تجلياتها .

فمَن أحب "اللطيف " لم تبقَ محبته إذا تجلَّى له بصفة القهر ، و مَن أحب " المنعم " زالت محبته إذاتجلى له بصفة المنتقم .

و أما محبة الذات فهي باقية لا تتغير باختلاف التجليات فيشكر صاحب تلك المحبة عند البلاء بل يصبر .

و من هذا قال (( يحيى بن معاذ )) : << حقيقة المحبة لا تزيد بالبر ،
و لا تنقص بالجفوة
>> .

و يقال : إن لمحبة العباد ثلاث درجات :

الأولى : محبة العوام، و هي تنشأ من مطالعة المنَّة ، و رؤية الإحسان ، و صاحبه يرجو الثواب و يخاف النيران .

و الثانية : محبة الخواص ، و هي تنشأ من مطالعة شواهد الكمال ، فحبُّه على جهة التعظيم
و الإجلال .

كما قيل :

سأعبد الله لا أرجو مثوبته *** لكن تعبد إعظام و إجلال


فصاحب هذه المحبة يضطر إلى طرح غير الله تعالى عن قلبه متعلقا بين النظر إلى جماله مرة ، و إلى جلاله أخرى .

و الثالثة : محبة أخص الخواص ، و هي الغاية القصوى للعبد ، و هي محبة خاطفة تنشا من جذبات الحق الناشئة من المحبة القديمة في سرِّ :
{ كنت كنزا مخفيًّا فأحببت أن اُعرف فخلقت الخلق لأُعرف }.

بخلاف المحبتين الأوليين ، فإن الأولى منهما من باب الأفعال ، و الثانية من باب الصفات .

و أما أهل الدرجة الثالثة ، أعني : أخص الخواص فهم المستعدون بكمال المعرفة لسبق العناية الأزلية .

كما قال الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى } - الأنبياء : 101 .

فأخبر عن المحبة الأزلية ، و اشار إلى أنهم ما أحبُّوه حتى أحبَّهم هو أولا بمحض عنايته .

قال (( عبيد الله بن الحسن )) : << كانت لي جارية رومية ، و كانت في بعض الليالي نائمة عندي فانتبهت فلم أجدها ، قمت أطلبها فإذا هي ساجدة و هي تقول : اللهم بحبك لي إلا غفرتَ لي .

فقلتُ لها : لا تقولي هكذا ، بل قولي : بحبي لك ,

فقالت : يا مولاي ! بحبه أخرجني من الشرك إلى الإسلام و بحبه أيقظني ، و كثير من الناس نيام .
>>

فمحبة الله تعالى كانت لهم في الأزل بلا علَّة ، فلما استخرجهم من ظهر(( آدم عليه السلام )) تجلَّت محبته على قلوبهم فجذبتهم و أفنتهم عن أنفسهم ، فدخلوا الدنيا على تلك الصفة .