عرض مشاركة مفردة
  #28  
قديم 14-10-2005, 06:32 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

أي شكل للحكم ممكن أن يعبر بالعرب الى واقع أفضل ؟


( 1 )



العربي بحكم تاريخه القديم و لغته و بيئته ذات الطابع الصحراوي ، الباعثة للتأمل و الفقيرة ، له ضمير متوجس يخشى المشاركة في الاقتصاد والسياسة ، ويكره الانضباط و يتوق للحرية ، فهو ميال لترك المكان الذي يتوجس منه ما يبعث على قلقه ويحد من حريته ..

ولم تكن ممالك العرب القديمة الا أشكالا أميبية تتغير بالمساحة والشكل والتكوين السكاني ، من ممالك جنوب الجزيرة العربية ، حتى ممالك بادية الشام ، وان كانت إنجازات حضارات مصر والعراق القديمتين قد غطت على تلك الخصلة وجعلتهما كاستثناء ، فان من يغوص بالتاريخ أكثر فانه سيجد ما نرمي اليه من عدم ثبات الشكل العام في حدود الدولة .

ولما جاء الاسلام أوجد وازعا دينيا قويا لربط محور النظرة العام لإدارة المجتمع بالالتزام بشرع الله .. ولكن بقي ذلك الوازع يواجه ذبذبات تبتعد بعض الشيء عن المحور الجديد ، ليطفو مكانها عنعنة عشائرية هنا وهناك ، أو عرقية .. وكانت تخفت عندما يعلو صوت المعتدين .. حتى آلت الأوضاع لما وصلت اليه في نهاية حكم المتوكل ..

أما في العصر الحديث ، فقد أضيف لحالة التموج في معرفة فقه السلطة وطرائق إدارتها ، عوامل جديدة ، وهذه العوامل تتمثل بما يلي :

1 ـ ظهور النفط في المنطقة .. وما تبعه من تركيز عالمي استراتيجي على تلك المنطقة مما جعل القائمين على تثبيت أركان الحكم أو حتى إنشاؤه لا يستطيعون إسقاط هذا العامل من حساباتهم ..

2 ـ تشكلت الدول القومية في أوروبا ، على هامش استقلالها من الإمبراطورية العثمانية كما في حالة هنغاريا و بلغاريا و غيرها من الدول التي كانت تحت الحكم العثماني ، أو بعد نضال وحدوي كما حدث في ألمانيا وفرنسا .. حيث امتزج الفكر القومي مع الفكر الذي يتعلق بعلاقات الانتاج ، على هامش الثورة الصناعية ..

في حين خرج الشعب العربي من احتلال عثماني ، وان كان الكثير من النخب الفكرية في مطلع القرن العشرين ، يترحمون على أيامه . خرج العرب منهكين من الضعف والجهل والفقر .. فقد كانوا على جفاء مع خبرات الحكم منذ ما يقرب من ألف عام .. ليجدوا أنفسهم في أحضان استعمار جديد قوي ، ثبت في وطنهم التجزئة ، كما ثبت نخب ترتبط به ثقافيا ومصلحيا ، لا زالت مصانعها تنتج نتاج يعلن الولاء لتلك الدول لحد الآن .

3 ـ كان على النخب المتطلعة للخلاص أن تواجه كل تلك العوامل مجتمعة وفي آن واحد وبإمكانيات غير كافية لإنجاز انتصارات حاسمة . والمهام التي كان على تلك القوى أخذها بعين الاعتبار هي :
أ ـ تعبئة جماهيرية عامة ، لرفع مستوى الاستعداد لدى الشعب العربي لمواجهة كل الأعداء .. وبنفس الوقت يكونوا حالة من الجهوزية لاستلام الحكم . وقد كان يعيق تلك القوى في مطلبها هذا ، انتباه الأجنبي لهذا الحراك الذي لم يكتمل لحد الآن .. وتقوم الدول ( المستقلة اسما) بتنفيذ رؤى الأجنبي

ب ـ التطلع الى عقد تحالفات مع قوى عالمية ، للمساعدة في إنجاز مهام التغيير المحلي ، لكن مع إبقاء جوانب ناقصة في صيغ التحالف مما أو جد حالة من بقاء اليد العليا لتلك القوى الأجنبية مستمرة ، وبنفس الوقت يفتح لها ثغرات في جبهات التغيير القادمة ، يمكنها من مسك خيوط اللعبة السياسية بعد التغيير أو جزءا منها على الأقل للتكيف مستقبلا مع أي تطورات قد لا تكون من صالح تلك القوى الغربية ..

4 ـ عدم حسم النظم المعرفية التي تؤسس لفقه الدولة ما بعد التحرر ، ففي حين تتبنى بعض القوى شعارات قومية ، تفتح معها حالات استعداء أيديولوجية مع تيارات دينية و تيارات إثنية قومية ، وتيارات ليبرالية قطرية ، وتيارات ذات منشأ ماركسي .. أو اختيار أي من النظم المعرفية التي تخدم مصلحة فقه من الأنواع الأخرى .. مما يبقي الجدل أزليا في تفريخ خلافات على هامش النظم المعرفية تلك ..

5 ـ لغياب الاحتراف السياسي المعد مسبقا في إدارة الدولة .. تبقى الشعارات التي طرحت في الخطاب السياسي ، مجرد شعارات ، لا ترتقي لأي برنامج إجرائي .. وقد رأينا في أواسط الستينات ، حكومات عربية في ست دول ، تشابهت الطروحات القومية فيها ( الجزائر ، مصر ، العراق ، سوريا ، السودان ، اليمن ) .. وهي دول تشكل 80% من مجموع سكان الوطن العربي ..

وبالرغم من مناداتها بالقومية كأرضية فقهية للتشريع الإداري لدولها ، فانها لم تستطع الارتقاء بالحالة الوحدوية قيد أنملة ، ولم تستطع تطوير الاتفاقات الاقتصادية التي كانت تتم على هامش نشاط جامعة الدول .. كالسوق العربية المشتركة ، و اتفاقات المشاريع الاقتصادية التي كتب عنها ملايين الصفحات .

لا بل تراجعت تلك الدول الى الانكفاء القطري ، و أخذت تتلاسن فيما بينها ، فقد كانت معظم الخلافات العربية تتم بين تلك الدول ، لا بين غيرها من الدول التي لم تنادي بالقومية أو تنشد الوحدة بخطابها السياسي ..

لم تستطع تلك الدول استغلال حالة تضميد جراح الدول التي خرجت من الحرب العالمية الثانية ، وبقيت في حالة شد فيما بينها بالإضافة الى الانتباه الى داخلها للوقوف من جديد . فلو انتبهت تلك الدول العربية التي كانت تنادي بالقومية لطورت حالتها التضامنية التعاونية التي تهيئ للنهوض بالتوجه نحو الوحدة . هذا بالاضافة لحالة التوازن الدولية التي كان يعبر عنها من خلال الحرب الباردة.

لذا فان حركة التغيير التي يحتاجها الوطن العربي اليوم ، سيكون أمامها مهاما إضافية ، فهي بالاضافة لما ذكرنا أولا ، سيكون عليها وضع كل التغيرات العالمية بالحسبان . وهذا يتطلب إعادة صياغة الخطاب السياسي بما يبقي على طابعه الوجداني القديم ، مع إضافة فنون التحول التنظيمي والسياسي المرافق له، كما سيحتاج الى كوادر تستطيع فهم تلك الصياغات الجديدة ، ونقلها للجماهير من أجل تعبئتها و رصفها رصفا يتلاءم مع حجم تلك التغيرات ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس