عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 13-12-2004, 07:07 AM
أبو إيهاب أبو إيهاب غير متصل
مشرف
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2004
المشاركات: 1,234
إفتراضي

الحلقة الثانية


لا يعنى شئ مما سبق أنى كنت غير متدين أو منحرفا روحيا عما كنت فى السابق . كنت أصلى بانتظام ، واعتقادى بإله أعلى ، ظل صلبا وآمن ، وكانت أخلاقى الشخصية مستقيمة وملتزمة بالقواعد التى كنت أعلمها فى مدارس الأحد . ببساطة كنت أفضل من أن أبيع عقائد ومقالات الوعظ عن الإيمان التى تنظمها الكتيسة ، والتى كانت محملة بالتأثيرات الوثنية ، وبأفكار المشركين ، والإعتبارات السياسية عبر القرون الغابرة ,
وبمرور السنين كنت قلقا بشدة من فقدان التدين فى المجتمع الأمريكى على سعته . عدم التدين ، هو ما يتعلق بالحياة ، وهو أن ألا يتنفس المرء الروحانيات ومبادئ الأخلاق ، ولا يجب خلطه مع عدم التدين ، الذى هو عدم التمسك بالمناسك والطقوس ومذاهب بعض الكيانات المنظمة ، كالكنائس المختلفة . الثقافة الأمريكية قد انحرفت بوصلتها عن الدين . فاثنتين من ثلاثة زيجات يتم فيها الطلاق ، العنف أصبح ظاهرة فى المدارس والشوارع ، تلاشت المسئولية الشخصية ، انطمر النظام الشخصى تحت أخلاقية " #1605;ما تجده حسنا فافعله " ، كثير من القادة النصارى والمعلمين غرقوا فى الفضائح المالية والجنسية ، وأصبحت الغرائز تبرر السلوك ... شئ فى الحقيقة مقزز . أفلست الثقافة الأمريكية أدبيا ، ولذلك كنت أشعر بالوحدة فى سهادى الدينى .
فى هذا المنعطف ، بدأت صلتى بالمجتمع الإسلامى . فقد كنت وزوجتى لبضع سنين خلت نقوم بدراسة عن الحصان العربى . ولنقوم ببعض الترجمة للمستندات باللغة العربية ، فقد أدى ذلك إلى الإتصال ببعض المسلمين الأمريكان من أصل عربى . أولى هذه القاءات كانت مع " جمال " فى عام 1991 .
بعد مكالمة تليفونية ، قبل جمال أن يزورنا ليساعدنا ويقوم ببعض الترجمات عن الحصان العربى وتاريخه فى الشرق الأوسط ، وقبل مغادرتنا استأذن جمال فى أن يستخدم دورة المياه لدينا ليقوم بالإغتسال قبل أداء الصلاة التى يقوم بها المسلمون ، واستعار إحدى الصحف ليجعلها بديلا عن السجادة للصلاة عليها ، ولكى يمكن من تلاوة صلاته قبل أن يتركنا . بالطبع رحبنا بذلك ، وتمنينا لو أعطيناه شيئا آخر غير الصحيفة ليصلى عليها . لقد قام بما لم ندركه وقتئذ ، بأدعية جميلة ( فيها عظة وتوعية ) . لم يعلق على أننا لسنا مسلمين ، ولم يناقشنا فيما يعتقده ونعتقده . فقط أعطانا المثل ، وفتح لنا الباب لمن أراد أن يعلم .
استمرت اللقاءات مع جمال خلال الستة عشر شهرا التالية ، حتى أصبحت متكررة ، ثم أصبحت كل أسبوعين ثم أسبوعية . وخلال هذه اللقاءات لم يسألنا جمال عن ديننا أو معتقداتنا مطلقا ، ولم يطلب منا أن نكون مسلمين . وعلى كل حال فقد بدأت معرفة الكثير ، أولا ... الأخلاق الفاضلة لجمال ، ومحافظته على صلواته الخمس المكتوبة ، ثانيا ... المثال الأخلاقى والقيمى الذى يتركه جمال فى حياته اليومية وعمله ومجتمعه ، ثالثا ... المعاملة الحسنة التى يعامل بها جمال ولديه ، ولزوجتى فقد أعطت زوجته هذا المثال الحسن
فى المعاملة . رابعا ... من خلال مساعدتى للإحاطة بالمعلومات عن الحصان العربى وتاريخه فى الشرق الأوسط ، بدأ جمال يشاركنى الحديث عن :::
1)___قصص عن التاريخ ا الإسلامى .
2)___ أحاديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
3)___ مقاطع من القرآن الكريم وشرح لمعانيها .
فى الحقيقة أصبحت كل زيارة الآن تتخللها نصف ساعة على الأقل مناقشة فى بعض مفاهيم الإسلام ، ولكنها فى نطاق الإحاطة بما يعكسه ذلك على تاريخ الحصان العربى . لم أسمع منه قط " أن هذا هو ما تجب عليه الأشياء " ، بل كان يقول " هذا هو مايعتقده المسلمون " . ولما كانت المناقشات لا تعنى لى ولم يقصد بها جمال التبشير ، فقد اعتبرتها مناقشات ثقافية ذهنية .
أخذ جمال بالتدريج يقدمنا إلى أسر عربية أخرى من المجتمع الإسلامى ، كان هناك وائل وعائلته ، خالد وعائلته ، وبعض العائلات القليلة الأخرى . ومن وقت لآخر كنت ألاحظ تمسك الأفراد والعائلات بالمبادئ الأخلاقية بعكس المجتمع الأمريكى الذى نعيش كلنا فيه . ترى هل هناك شئ فى الإسلام وممارساته لم أطلع عليها أثناء دراساتى الأكاديمية السابقة للأديان ؟؟؟
بدأت أسائل نفسى اعتبار من ديسمبر 1992 ، أسئلة مصيرية ، من كنت ، وماذا الذى كنت أعمله ؟؟؟ وكانت هذه الأسئلة نابعة من هذه الإعتبارات :::
1 – خلال فترة الستة عشر شهرا الماضية ، تبلورت حياتنا الإجتماعية حول اندماجنا بالمجتمع العربى المسلم ، وبحلول ديسمبر فقد أصبح 75% من وقتنا تقضى مع المجتمع العربى .
2 – بفضل دراساتى وتدريباتى السابقة كنت أعلم كيف أن الكتاب المقدس ( التوراة ، والإنجيل ) قد أصابهما الخلل ( وفى غالب الأحيان أعرف بالضبط .. متى .. أين .. ولماذا ) ، لا أعتقد مطلقا فى ربوبية التثليث ، وليس لدى اعتقاد مطلقا فى بنوة سيدنا عيسى عليه السلام وأعتبر الإشارة إليها فى الكتاب المقدس بأنها من المجاز ، وليست حرفية المعنى ! ، باختصار كنت أؤمن بوجود إله ، وكنت موحدا كما هو حال اصدقائى المسلمين .
3 – كان شعورى وراحتى النفسية وقيمى الأخلاقية ، أكثر توافقا مع أصدقائى المسلمين عنها مع المجتمع النصرانى الذى يحيط من حولى . وكانت الأمثلة والقدوة أمامى ممثلة فى جمال ، خالد ، ووائل وعلائلاتهم ... بمعنى أنى كنت أحن وأتوق وأفضل أن يكون المجتمع الذى نشأت فيه ، مثل هذا المجتمع المسلم . المجتمع الأمريكى قد أفلس ، ولكن هذا المجتمع الجديد بالنسبة لى ، لم يفلس . الزواج مستقر ، الترابط الأسرى قائم ، الأمانة ، التكافل ، المسئولية الشخصية ، القيم الأسرية مؤكدة . حاولت أنا زوجتى أن نعيش حياتنا بنفس هذه الطريقة ، ولكنى لعدة سنوات ، شعرت أننا نقوم بذلك فى إطار خواء أخلاقى . فالمجتمع الإسلامى مختلف تماما فى نوعية ترابطه وقيمه .
تجمعت خيوط النسيج بعضها إلى البعض لتشكل الثوب الجديد ! الحصان العربى .. نشأتى فى الطفولة .. انغماسى فى سلك القساوسة .. دراستى لمعلوماتى النصرانية .. حنينى وشوقى للمجتمع الأخلاقى .. احتكاكى بالمجتمع المسلم عن قرب ..... كل هذه الخيوط ترابطت لتنشئ الثوب الجديد . تساؤلاتى النفسية برزت حينما سألت نفسى بالضبط ، ماهو الذى يفصل بينك وبين معتقدات أصدقائك المسلمين ؟؟؟ من المفترض أنى كنت أثير هذه التساؤلات مع جمال أو خالد ، ولكنى لم أكن على استعداد لذلك !!! لم أناقش معتقداتى مطلقا معهم ، ولم أكن أفكر فى أن أدخل مثل هذه الموضوعات فى صداقتنا ! لهذا فقد لجأت إلى مكتبتى وأنتزعت منها الكتب عن الإسلام التى هجرتها ، والتى كنت قد جمعتها أثناء دراساتى ! على كل حال ... فقد كانت جل معتقداتى القديمة نابعة من الوضع التقليدى للكنيسة ، وبالرغم من أنى كنت نادرا ما أذهب للكنيسة ، إلا أنى كنت أعتبر نفسى نصرانيا ، وفى هذا الوضع ، أخذت أقلب فى الكتب التى كتبها نصارى !!! فى هذا الشهر ديسمبر قرأت حوالى نصف دستة من الكتب من تحرير هؤلاء النصارى ، ومنها كتاب عن سيرة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، وزيادة على ذلك أخذت فى قراءة ترجمتين مختلفتين باللغة الإنجليزية عن معانى القرآن الكريم , لم أناقش أحدا من أصدقائى المسلمين عن هذا التطور الذاتى لاكتشاف النفس !!! لم أذكر لهم أى شئ عن هذه الكتب التى أقرأها ، غير أنى أحيانا أمرر بسرعة سؤالا عابرا لأحدهم .
وبالرغم من أنى لم أتفوه بكلمة لأصدقائى المسلمين ، إلا أنى أنا وزوجتى كنا نتبادل الحوار حول ما كنت أقرأه . وفى آخر أسبوع من شهر ديسمبر ، ألفيتنى مضطرا للإعتراف لنفسى بأنه لاتوجد أية مساحة كبيرة بين ما أعتقد وبين المعتقدات العامة للمسلمين . كما أنى على استعداد للتسليم بأن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام نبى مرسل من الله ( يتكلم بوحى منه سبحانه وتعالى ) ، وأنه لا إله آخر مع الله سبحانه وتعالى ، ولكنى ما زلت مترددا لاتخاذ أى قرار بعد !!! أصبحت مؤهلا للإعتراف لنفسى ، بأن اعتقادى أكثر قربا للإسلام ومبادئه منها للنصرانية التقليدية ، ونظام الكنيسة . أستطيع فقط بأن أؤكد وبكل الإطمئنان ، ... بما تعلمته فيما سبق ... صدق ما جاء بالقرآن الكريم عن النصرانية ، الكتب المقدسة ، سيدنا عيسى عليه السلام . إلا أنى ما زلت مترددا !!! وكنت أبرر ترددى بأنى لا زلت لا أعلم التفاصيل الدقيقة للإسلام !!! وأن مساحة التوافق معه هى فى المفاهيم العامة . ولهذا استمريت فى البحث والقراءة .
وأصبح يتملكنى الإحساس ... من هو الواحد الأحد ؟؟؟ ،.. هو صاحب القوة المطلقة فى الكون ... فى تجاربى المهنية ، من وقت لآخر كنت استدعى للتعامل مع بعض حالات الإضطرابات نتيجة للإدمان ، ابتداء من التدخين ، إلى الكحول ، إلى سوء تعاطى المخدرات . وكطبيب ممارس للمهنة كنت أعلم أن أسس التغلب على الإدمان الطبيعى تبدأ بالإمتناع عن التعاطى !!! وكان ذلك هو أسهل الأجزاء فى العلاج ، وكما قال " مارك توين " ، " ترك التدخين فى منتهى السهولة !!! فقد تركته مئات المرات " !!! ولذلك أعلم أن الإحتفاظ بالإمتناع عن التعاطى مع مضى الوقت يتوقف على التغلب على نفسية المريض ، وعلى الجذور المترسبة داخله ، وأن يقتنع بأنه مدخن ، أو سكير ، .... الخ . سلوك الإدمان قد أصبح جزأ لا يتجزأ من شخصية المريض ونفسيته ، وتغيير هذا الإحساس هو حاسم فى العلاج ، وهذا هو الجزء الصعب فى العلاج . تغيير الشعور الأساسى للإنسان هو أصعب مرحلة !!! الإنسان يألف ما تعود عليه فى الماضى ، ويعتبر ذلك أكثر راحة له وأكثر أمنا ، من أى وضع جديد لم يألفه .