عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 15-04-2005, 06:23 PM
فارس ترجل فارس ترجل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
المشاركات: 563
إفتراضي قصة واقعية من ارض الكنانة

هذه قصة واقعية حدثت مؤخراً في مصر

قام الكاتب بقليل من التصرف في أحداثها من وجهة أدبية بحتة ، مع التعتيم عن اسماء الشخصيات الحقيقية لضروريات لا تخفى على أحد


و قد لفتت نظري لما تحتويه من تشخيص لواقع مؤسف يعيشه مسلمو مصر ، بصرف النظر عن توجهات الكاتب التي لا تخلو من علمانية تفوح من بين الاسطر


اترككم مع القصة:




كالمعتاد أيقظته الآلام المبرحة في ظهره فانتفض قاعداً ، تمتم بمرارة : آه يا صهيوني يا ابن الـ .. ، اعتدلت زوجته من نومها ، وأدركت ما يحدث ، فجلست إلى جانبه تخفف عنه حتى قام إلى عمله .

في الشركة التي يعمل عضوا ًبمجلس إدارتها جلس يحتسي قهوة الصباح وآثار
الألم المبرح لم تفارقه بعد ، يسترجع صورة الضابط الصهيوني في مخيلته كل يوم . فتح درج مكتبه ، أخرج بطاقة هوية عبرية تحمل اسم الضابط الصهيوني ، ديفيد اليعازر ، أمعن النظر في الصورة القديمة .

عام 1973 ، اليوم الثاني للعبور ، كان عبد الرحمن يجول بين دشم إحدى النقاط الحصينة في خط بارليف للتأكد من تطهيرها حين فوجئ بصوت يأمره بعربية ركيكة بالتوقف ، حاول أن يستدير ولكن صاحب الصوت صاح به أن تجمد في مكانك ، ثم امتدت يد بحركة سريعة فدفعت الخوذة من على رأسه ، ثم تلقى ضربة على مؤخرة رأسه جعلت البرودة تسري في عنقه وترتفع بشكل سريع مباغت إلى رأسه ، ثم غامت الصور من حوله.

فتح عينيه ، فإذا هو ملقى على الأرض داخل غرفة ذات إضاءة باهتة يبدو أنها داخل دشمة صغيرة وقد قيدت يداه من الخلف :
- حمدا لله على السلامة يا عبده .
- ... .
- فوق وكلمني (مد ديفيد يده ورفع رأس عبد الرحمن من ذقنه بحركة فيها استهزاء ممزوج بالغيظ المكتوم) .
نظر إليه عبد الرحمن ومازالت آثار الدوار آخذة برأسه ووجد أمامه شخصين ، ديفيد وجندي آخر ، وكلاهما ممسك بسلاحه في يده .
- ماذا تريد (سأل عبد الرحمن في ذهول) .
- أريدك طيباً يا عبد الرحمن .. أنت جواز خروجنا من هنا .. قف ..
حاول عبد الرحمن الوقوف ، ولم يستطع ، فسحبه ديفيه من ملابسه أعلى الكتف بأسلوب صفيق ، وأوقفه على قدميه ، دفعه تجاه بالحائط ، ونظر في عينيه بمقت :
- تظنون أن الأمر انتهى على هذا النحو .. لستم إلا مجموعة رعاع .. عرب رعاع .. فاهم .. الحرب مازالت طويلة..
- وأنت تنوي إنهاءها هنا بيني وبينك ..
- ...
- إذا أردت قتلي فاقتلني .. إياك أن تظن أنني أخشاك ..
- إخرس يا كلب (رد ديفيد بحنق شديد) .
أشار الجندي إلى ديفيد بضرورة التحرك بسرعة .. فطلب إليه ديفيد أن يخرج ليستطلع الأوضاع في الخارج ، خرج الجندي وعاد مسرعاً وتحدث مع ديفيد بالعبرية ، فهم عبد الرحمن أن الأحوال في الخارج غير مهيأة للخروج ، قرر ديفيد المبيت للصباح ، وركل عبد الرحمن في بطنه بقوة شديدة وكأنه يركل كرة. مال عبد الرحمن للأمام ولم يستطع أن يصدر صوتاً من شدة الضربة ، أحس بأنفاسه تغيب عميقاً في بطنه ، حاول أن يستنشق بعض الهواء ولم يستطع ، وجه ديفيد حديثه لجنديه بالعبرية ، فهم عبد الرحمن أنه يتفق معه على المبيت للصباح ويأمره بحراسة الدشمة من الخارج ، امتثل الجندي وخرج . جر ديفيد مقعداً حديدياً ووضعه في منتصف الدشمة ، ثم توجه ناحية عبد الرحمن الذي كان ملقى على الأرض يتلوي من أثر الركلة ، سحبه ديفيه من أعلى ملابسه في استهزاء وهو يضحك ، حتى أدناه من المقعد الحديدي ، جلس على المقعد ووضع قدمه اليمنى فوق رأس عبد الرحمن وأخرج زمزميته وشرب بعض الماء ، شعر عبد الرحمن بتضاريس الحذاء فوق خده الأيمن ورقبته ، وسقط بعض التراب الرطب من الحذاء في فمه وأنفه ، حاول أن يتحرك ليحرر رأسه ولكن ديفيد عاجله بركلة أخرى من قدمه اليسرى في أعلى معدته ، فصاح عبد الرحمن صيحة مكتومة . أخذ ديفيد يكرر الركل بيسراه عدة مرات حتى شعر عبد الرحمن بشيئ ساخن يندفع من معدته ، ثم خرج الدم من فمه ، وعلى ما يبدو أن مشهد الدم أثار الضابط الإسرائيلي ، فجذب عبد الرحمن وأوقفه على قدميه ، وأخذ يحدثه بالعبرية ، ويكيل له اللكمات في بطنه ، حتى سقط عبد الرحمن مغشياً عليه .

أثناء غيبوبته ، رأى عبد الرحمن نفسه يجوب شوارع القاهرة ، وبالتحديد الشارع الذي يقطن فيه وهو يحمل آثار الضرب المبرح والدم يسيل من فيه ، وقد اقتاده ديفيد من رقبته بينما أخذ عبد الرحمن يستجير بالناس ، وكانت المفاجأة أن الكل كان ينظر إليه دون أن يعقب ، أصحاب المحال ، المارة ، الجيران من شرفات منازلهم ، رأى بعض الجيران يحملون الخبز ويسيرون في طابور إلى منازلهم دون أن يلتفتوا إليه ، شاهد زوجته وأولاده يدخلون مسرعين ويغلقون الشرفة ، أخذ يصرخ فيهم ، ولكنهم كانوا يشيرون إلى بعضهم البعض بالصمت وعدم الرد عليه .

أفاق عبد الرحمن من غيبوبته فأبصر أرضية الغرفة أمام عينه وشعر ببرودة الأسمنت على خده الملتصق بالأرض ، شاهد ديفيد عند باب الدشمة وهو يتحدث مع الجندي ، حاول أن يفهم شيئاً ، ولكنه لم يستطع ، عاد إليه ديفيد ، أوقفه ، اقتاده خارج الدشمة بينما سبقهما الجندي حاملاً سلاحه ، وسار الثلاثة في الظلام مسافة طويلة لم يستطع عبد الرحمن تقديرها ، وبعد فترة وجدوا عربة عليها علامة الصهيونية مقبلة من بعيد ، أخذ ديفيد والجندي يشيران إليها حتى توجهت نحوهما ، وحين وصلت عندهما تبادل ديفيد وسائق السيارة بعض الكلمات ، وعاد ديفيد إلى عبد الرحمن ، وقال له :
- يمكنني أن أقتلك كأي حشرة ، ولكن هذا خيار تافه بالنسبة لي .. بل سأدعك تعيش ، على أن توصل هذه البصقة إلى كل عربي حقير ، ثم بصق على وجه عبد الرحمن ..

شعر عبد الرحمن برغبة شديدة في البكاء ولكنه تمالك نفسه ، ثم فوجئ بألم حاد رهيب يخترق أسفل ظهره ، كان ديفيد قد أغمد خنجره في أسفل ظهر عبد الرحمن ثم قام بلفه بحركة خبير جعلت صراخ عبد الرحمن يمزق صمت المكان ، ركب ديفيد والجندي السيارة ، وتركوا عبد الرحمن ملقى على الأرض فاقداً الوعي .

أعاد عبد الرحمن بطاقة الهوية إلى مكانها ، وبطرف أصابعه مسح دموعاً كانت قد عبرت من أعلى خديه إلى أسفلهما دون أن يعترضها عائق ، وفي تلك اللحظات دق جرس هاتفه وتحدث عبد الرحمن لدقائق ، ثم أخذ يصيح في الطرف الآخر :
- يا فوزي هذا غير ممكن ..
- ....
- سأحارب هذا الأمر بكل ما أوتيت من قوة ..

وضع السماعة ، وأخذ يروح ويجيئ في غرفته ، ثم دخل إليه شخص تبدو عليه سيماء الوجاهة :
- يا عبد الرحمن انس ما مضى ، كل وقت وله أذان .
- وهل هذا هو أذان وقتنا يا فوزي؟ أن نضع أيدينا في أيدي هؤلاء؟ أي مناطق مؤهلة وأ
وأي تجارة وأي هراء يتحدثون عنه؟ هل جاء اليوم الذي نتقاسم فيه والصهاينة لقمة عيش واحدة؟
- يا عبد الرحمن أنت تعلم أن الأمر ليس بأيدينا ، نحن لم نتخذ القرار ، هذا قرار سياسي ..
- (عبد الرحمن صائحاً بأعلى صوته) فلنرفض ..
- لا نستطيع يا عبد الرحمن وإلا أصبحنا مهددين في أقواتنا ، بل وفي أمور أخطر .
- ملعونة أقواتنا وملعون عيشنا إن وافقنا على هذا .. (وقف في مواجهة صديق السلاح القديم ، وسدد لعينيه نظرة ثاقبة ، واغرورقت عيناه بدمع غزير) ماذا دهاك يا فوزي ، هل نسيت كلامك عن الصلاة في المسجد الأقصى ، أهذا هو السبيل الذي تتبعه لتنفيذ أمنيتك تلك؟ أبعد أن كنا نحارب لطرد الصهاينة من بلادنا وإعادة القدس والأرض المحتلة إلى أهلها ، نصبح نحن اليوم جسراً للتواطئ والخيانة؟
- يا عبد الرحمن ، لم يعد هناك مجال لتلك الشعارات الآن ..
- شعارات (صاح عبد الرحمن وهو ينتفض من الغضب) شعارات يا فوزي ، مبادؤنا وثوابتنا تحولت في نظرك إلى شعارات؟ وماذا أيضاً ..
لم يجبه فوزي ، ولكنه ظل صامتاً في مواجهته كالتمثال ، ثم هز رأسه وخرج من الغرفة في خطوات يائسة .

ترك عبد الرحمن المكتب وخرج إلى الشارع ففوجئ بعدد غفير من رجال الأمن يحيط بمظاهرة لا يتعدى قوامها الألف شخص ، حاول الاقتراب من مركز المظاهرة قدر الإمكان ، شاهد المتظاهرين وقد وضعوا كمامات على أفواههم كتب عليها (كفاية) سأل أحد المارة وكان شاباً لم يكمل الثلاثين ، فأجابه أنها مظاهرة صامتة ، حاول عبد الرحمن أن ينضم إلى المطاهرة ، دفعه الجنود بأسلوب مهين ، ثارت ثائرة عبد الرحمن ، وعاد ليكرر المحاولة مرة أخرى ، ولكن الجنود دفعوه مرة أخرى ، وحين حاول العودة اشتبك معه أحد الجنود ، واجتمع عليه أكثر من جندي وبدأوا في ضربه ، تجمع الناس يشاهدون الأمر في صمت ، وعبد الرحمن يصيح : لا تضربوني أنا .. لا تضربوني أنا .. لست أنا من يستحق الضرب .. خرج من بين جموع الجنود ضابط ذو رتبة متوسطة ، وأشار للجنود بسرعة حمل عبد الرحمن إلى سيارة الشرطة ، وجد عبد الرحمن نفسه وقد حُمِل حملاً بعد أن وضعت القيود البلاستيكية في يديه وألقي في سيارة صغيرة تحركت على الفور .

سارت السيارة مسافة من الوقت وأثناء ذلك تم وضع عصابة سوداء على عينيه ، شعر عبد الرحمن بالقلق من هذا التصرف ، أبطأت السيارة من سرعتها ، وسمع صوت بوابة تفتح ، ثم سارت السيارة قليلاً وتوقفت ، وأنزل منها عبد الرحمن ، اقتيد إلى إحدى الغرف ، وبعد وقت قصير ، سمع صوت باب الغرفة يفتح ، ووقع أقدام ، ثم سمع صوتاً يأمر برفع العصابة من على عينيه ، ألفى نفسه في مكتب فسيح غاية في الفخامة ، ووجد أمامه شخصاً بملابس مدنية يبدو كأحد كبار رجال الأمن ، أو كمسؤول رفيع حيث تدل ملابسه وهيئته على ذلك ، وجه الرجل حديثه إلى عبد الرحمن :
- إيه يا عبد الرحمن .. المفروض أنك رجل محترم .. ما هذا الذي تفعله بنفسك ..
__________________
إن هذه الكلمات ينبغي لها أن تخاطب القلوب قبل العقول .. والقلوب تنفر من مثل هذا الكلام .. إنما الدعوة بالحكمة ، والأمر أعظم من انتصار شخصي ونظرة قاصرة !! الأمر أمر دين الله عز وجل .. فيجب على من انبرى لمناصرة المجاهدين أن يجعل هذا نصب عينيه لكي لا يضر الجهاد من حيث لا يشعر .. ولا تكفي النية الخالصة المتجرّدة إن لم تكن وفق منهج رباني سليم ..
وفقنا الله وإياكم لكل خير ، وجعلنا وإياكم من جنده ، وألهمنا التوفيق والسداد.
كتبه
حسين بن محمود
29 ربيع الأول 1425 هـ



اخوكم
فــــــــــارس تـــــــــــرجّلَ