عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 24-10-2001, 11:39 AM
SAID622 SAID622 غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2001
المشاركات: 54
Post مـلـفـــات الـنـســيـــان

مـلـفـــات الـنـســيـــان

د. بـاســم خـفــاجـي* www.khafagi.com

"إن أكثر الحروب عدلاً على وجه الأرض هي الحرب ضد المتوحشين البدائيين. إن المستعمر القاسي الفخور الذي يطرد الهمجيين منأراضيهم يستحق العرفان بالجميل من قبل كل المتحضرين[!]. إن العالم لم يكن له أن ينجز أي تقدم لولا نفي وسحق الشعوب البدائية والبربرية بواسطة مستعمرين مسلحين من جنس أولئك الذين يقبضون على مصير القرون القادمة بأيديهم" كلمات صدرت من ثيودور روزفلت، ونقلت في المجلد الرابع من ملفات محكمة نورمبرج من النسخة الانجليزية. هذه هي حقوق الإنسان الأمريكية كما يعبر عنها روزفلت منذ أكثر من 50 عاما.

واليوم تعبث أمريكا في أفغانستان وإسرائيل في عالمنا العربي، وتنطلق القذائف الصاروخية ليلاً ونهارا .. مستعمر قاس .. كما ذكر روزفلت .. حرب عادلة كما ادعى .. وعرفان بخدمات اليهود كما أكد.. وإقرار بضرورة السحق لأبناء أمتنا.. أليست أمريكا اليوم تىنفذ كلمات روزفلت في أفغانستان .. وإسرائيل تقدم أيضاً خدماتها للغرب طبقاً لأفكار العنصرية الهمجية التي تحدث عنها الرئيس الأمريكي من قبل. هل تغيرت أمريكا اليوم .. أم تغيرت فقط العبارات الرنانة عن جدوى السلام ووقف العنف.

إن الآذان المقطوعة للأسرى اليابانيين في أمريكا في الحرب العالمية الثانية تكفي لنتعرف حقيقة على حقوق الإنسان البدائي –كما يدعون- الذي يجرؤ على المطالبة بحقه في المقاومة في عالم القرن الحادي والعشرين. وبعد نصف قرن لم يتغير في النظرة الأمريكية شيء ولنتابع ما يحدث في الشرق الأوسط اليوم، من قتل لأبناء أفغانستان بأيادي أمريكية ومباركة عالمية .. وكذلك من قتل لإرادة الشعب الفلسطيني بيد قذرة صهيونية ونفوس خائنة عربية، ومباركة أمريكية للطرفين على حساب أبناء القدس والأقصى.

لقد كتب الصحفي الإسرائيلي آري شافيت بعد مذبحة قانا معبراً عن هذه الروح الجديدة التي تسري في عالم حقوق الإنسان الأمريكية في هذا القرن: كتب قائلاً عن قتلى قانا: "لقد قتلنا 170 شخصاً بعضهم كانوا من النساء والشيوخ، وكان من ضمنهم طفل عمره عامين.. لقد حرصنا على قتلهم عن بعد.. لقد قنلناهم لأن هناك فجوة تفصل بين سمة القداسة التي نضفيها على حياتنا أكثر فأكثر .. وننكرها على الآخرين أكثر فأكثر". ولننظر اليوم إلى حياة الإنسان في أفغانستان وفلسطين اليوم .. الإنسان يقتل كل يوم .. من أصبح يهتم لهذه الأرواح البريئة ..

من أصبح يبكي قتلانا .. دع عنك مجرد التفكير في الثأر لهم.. برامج الفضائيات تعج بالراقصات والمسابقات والابتسامات أكثر من أي وقت مضى .. صحفنا مليئة بالاستقبالات والتوديعات والسخافات .. حياتنا وسباقنا من أجل الدنيا والمال يتزايد ويستعر لأن القضية لم تعد تهمنا واقعاً.

نعم منا من يسترق من حياته دقائق من هنا وهناك لكي يتألم قليلاً من أجل كل فلسطين وكل أفغانستان.. ولكن هذا الألم لا يعدو وخزة إبرة مخدر ترتفع بنا عن عالم الواقع لنحيا قليلا في عالم النسيان. حتى محمد الدرة الذي بكيناه ذات يوم توارى في ملفات الخزي لكل منا .. ذهب محمد إلى ملفات النسيان .. وما أضخم هذه الملفات اليوم في حياة كل عربي ومسلم.

إن المطلوب عالميا منا أن نتكيف مع ما يحدث لنا .. أن نخضع للرغبات العالمية في سلام على جماجم أبناء الأمة .. لا نتكلم عن قتلى العراق لنحيى في سلام .. لا نفكر فيما يحدث للقدس وأبناء القدس لنتقدم في سلم الحضارة .. نتنازل على البقية الباقية من الكرامة .. القليل الباقي من العادات والثقافات المحلية .. وأهم من كل ذلك أن نتخلى عن كل دين سوى الدين الأمريكي الجديد .. دين الأطماع والشهوات .. الدين الذي تذبح له اليوم قرابين من أبناء الأمة كل صباح في أفغانستان وفلسطين وكل فلسطين.

المطلوب منا يا سادة أن نقبل بانحرافات عالم فقد الإنسان .. وإنسان فقد الغاية والكرامة .. وأن يتحول كل منا ليس فقط إلى هذا الإنسان .. بل إلى داعية إلى المزيد من هذا النوع من البشر الذي لا يعبد إلا الدين الأمريكي الجديد.

لقد كتب كريستوفر كولمبس رسالة إلى ملك أسبانيا يحدثه عن الدين الجيد .. دين الذهب والشهوة والمال .. فقال له وهو على أعتاب القارة الجديدة صاحبة الدين الجديد: "الذهب هو أثمن الخيرات.. ومن يمتلكه يمتلك كل ما يحتاج إليه في هذا العالم .. وهو كذلك وسيلة خلاص النفوس من الدرن .. وسبيل انتقالها يوماً ما إلى الجنة". أليس ذلك أصدق تعبير عن الدين الأمريكي الجديد.

لقد بدأ أتباع الدين الجديد منذ ذلك الزمان في سرقة واستلاب العالم كله من أجل أن يقدم قربانا لجنة الأهواء .. ودفع العالم كله ثمن ذلك .. لقد كان في القارة الأمريكية أكثر من 57 مليون من الهنود الحمر .. أين هم الآن؟ هل نقبل أن يكتب عنا بعد أجيال أننا كنا أيضاً ملايين، ولكننا انخدعنا كما انخدع الهنود الحمر، وقدمنا أرضنا وديننا وبلادنا من أجل حلم الدين الجديد.

لقد كانت بلادنا ولا تزال أرض الذهب .. وأرض الخيرات، ولذلك ستبقى دائماً مطمع أصحاب الدين الجديد .. وسينادي دعاة هذا الدين الجديد بـ"نهاية العالم" كما كتب فوكوياما، "وصراع الحضارات" كما يدعي هانتجتون، وغيرهم كثير. فإذا كنا نريد أن نوقف مسيرة هذا الدين الجديد، فليس لنا إلا خيار المقاومة، وليس لنا إلا أن نتمسك بمفهوم المواجهة، فبدون ذلك سننضم إلى قوافل الشعوب التي أصبحت تملأ ملفات النسيان. فهل تقبلون؟

* رئيس مجلس إدارة المجموعة الإعلامية الدولية - واشنطن الولايات المتحدة* www.khafagi.com