عرض مشاركة مفردة
  #27  
قديم 19-01-2006, 06:24 AM
أحمد ياسين أحمد ياسين غير متصل
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2005
الإقامة: فرنسا
المشاركات: 6,264
إفتراضي

مشاهد التغيير.. مصر وتونس نموذجا

إقتباس:
موضوع لاحد المفكرين المسلمين في تونس وربما يعتبره البعض ايضا من الخوارج


كما أن للساعة أماراتها وللموت أماراته فإن لصعود الدول وأفولها أماراتهما. والراصد لاتجاهات التطور في معظم الأنظمة العربية يرى بجلاء تضافر مؤشرات دالة بقدر غير قليل من اليقين على أنها تمر بنهايات الخريف وبدايات الأفول، وذلك بصرف النظر عن كيفيات مشاهد النهاية وهل ستكون من داخلها أم من خارجها.

من داخلها بافتراض امتلاك القائمين عليها الوعي الضروري باستحالة تواصل الأمر على ما هو عليه، باعتبار ذلك انتحارا، فيقدمون في شجاعة على قيادة التحول الديمقراطي الضروري، من قبيل بيدي لا بيد عمرو.

ولو كان الأمر بالتمني لآثرنا هذا المشهد لأنه الأدنى كلفة، إلا أنه رغم وجود محاولات هنا وهناك: في المغرب والأردن والبحرين فإنها تبدو بعيدة عن أن ترقي لمستوى النهوض الجاد بمقتضيات التحول الديمقراطي التي تنقل الأوطان التي يحكمونها من كونها ملكا شخصيا لهم وأسرهم وحاشيتهم إلى كونهم موظفين عند شعوبهم.

وقد يتخذ التحول من داخل النظام شكل الانقلاب، رغم أن هذا النوع من التغيير لم يعد كما كان سابقا مقبولا في الثقافة السياسية السائدة في العصر المتمحورة حول ازدياد الطلب وتمركزه على النموذج الديمقراطي أي انبثاق الشرعية من صناديق الاقتراع بما يحقق التحول السلمي في ظل حقوق للمواطنين متساوية، وهو ما يجعل السبيل الوحيد لحصول الانقلاب المعاصر على بطاقة الشرعية الداخلية والخارجية هو الوعد القاطع بالتنازل عن السلطة في أمد محدود وتسليمها لممثلي الشعب عبر انتخابات ديمقراطية صادقة.

وتمثل موريتانيا نموذجا لهذا النوع المعاصر من الانقلابات على طريق الديمقراطية، ولم يقدم العالم العربي حتى الآن إلا هذا "النموذج " الذي لا يزال تحت الاختبار الأول بينما قدمت أنظمة كثيرة في شرق أوروبا وأفريقيا وأميركا اللاتينية نماذج عن تحول ديمقراطي من هذا القبيل.

أما التحول الديمقراطي من خارج السلطة القائمة فيمكن أن يأتي في أشكال كثيرة، منها الانقلاب ولا يخرج عن نفس مآل الانقلاب من داخل المنظومة.

"
من نماذج التغيير التدخل الخارجي الذي يأتي عادة عقب حرب خسرها النظام القائم كما حصل عقب الحرب العالمية الثانية في ألمانيا واليابان, وكما برر الأميركان بأن سبب اجتياحهم للعراق وأفغانستان هو لمنح شعوبهما الديمقراطية والمساواة ولربما يجتاحون سوريا غدا, وهو سبيل محفوف بالأخطار الجسام
"

ومنها الانتفاضة الشعبية وبالخصوص إذا واتتها أوضاع دولية وإقليمية مناسبة أو داعمة كما حصل في معظم التحولات التي أطاحت بديكتاتوريات عاتية في بلاد عديدة خلال العشرية الأخيرة، وآخرها قرغيزيا وجورجيا وأوكرانيا وعلى نحو ما لبنان.

ومن مقتضيات نجاح هذا النموذج توفر صف معارض عريض يقود مشروعا واضحا للتغيير على رأسه زعامة مقبولة وذلك في مناخ من استفحال الأزمة الاجتماعية وانسداد الآفاق السياسية. وكثيرا ما يوفر النظام القائم بارتكابه الخطأ القاتل الذي يمثل صاعق التفجير والإعلان عن بداية النهاية كالتورط في تزييف سافر للانتخاب أو في جريمة فاضحة كاغتيال شخصية أو التورط في فضيحة سافرة..الخ.

من نماذج التغيير التدخل الخارجي الذي يأتي عادة عقب حرب خسرها النظام القائم كما حصل عقب الحرب العالمية الثانية في ألمانيا واليابان, وكما برر الأميركان بأن اجتياحهم للعراق وأفغانستان هو لمنح شعوبهما الديمقراطية والمساواة ولربما يجتاحون سوريا غدا, وهو سبيل محفوف بالأخطار الجسام.

وبصرف النظر عن نموذج التغيير الديمقراطي فإن الثابت أن ظواهر الهرم في النظام العربي القائم آخذة في الاستفحال، وأن الهرم إذا حل بالدولة كما يقول العلامة ابن خلدون لا يرتفع. غير أنه قد يطول لا بسبب منعة ذاتية وإنما لانعدام الطالب حسب قوله.

ومن الواضح اليوم أن النظام العربي في عمومه قد تداعت شرعيته بتداعي العقد الاجتماعي بينه وبين المحكومين سواء أكان ذلك بالنسبة للأنظمة التي استمدت شرعيتها من قضية تحرير فلسطين وقيادة مشروع الوحدة ورد العدوان الدولي على الأمة -بينما شيء من ذلك لم يتحقق إلا النقيض له من كل وجه، فيستباح شعب فلسطين والعراق ولا رد غير التهافت على استرضاء الاحتلال والتطبيع معه- أم كان -بالنسبة لجميع الأنظمة تقريبا- بالقياس إلى عدم الوفاء بالوعود التي قطعتها على نفسها بتحقيق التنمية السياسية والاقتصادية وذلك بعد نصف قرن من الخطب الرنانة، تحولت خلالها الأوطان إلى حدائق خاصة للأسر الحاكمة بما يشبه حكم عصابات المافيا فتفقامت المديونيات والفوارق الطبقية وكاد ينحصر تداول الثروة في أهل الحكم، كما تفاقمت البطالة حتى بين المثقفين فيتقدم خمسون ألف مجاز (حامل لشهادة عليا) في تونس للتنافس على بضع مئات من المقاعد في التعليم.

وحتى على الصعيد الاجتماعي لم ينجح النظام العربي في رفع الأمية عن أكثر من نصف السكان رغم ضخامة الثروات، بما جعل البلاد العربية في ذيل دول العالم بمقاييس التنمية.

ولا يحتاج الراصد لجهد كبير حتى يقف على واقع الانسداد الذي يعيشه أكثر من نظام عربي لم يبق له من الشرعية غير الاعتماد المتفاقم على وسائل القمع، معززة بدعم دولي يبذل في الحصول عليه وضمانه وتجنب ضغوطه ما تبقى من سيادة البلاد وثرواتها، مقابل التغاضي عن مطالب الداخل.

لقد مثلت الانتخابات المصرية توليفة ومزيجا بين ضغوط الخارج والطبيعة الأمنية لنظام استهلك عمره الطبيعي وما تبقى من شرعية. لقد كان إفلاس "الحزب الحاكم" سافرا من خلال اضطراره للجوء إلى مزيج من العنف والبلطجة والعنف البوليسي واستخدام المال لشراء الذمم.

"
لولا لجوء الحزب الحاكم في مصر إلى مزيج من العنف والبلطجة والعنف البوليسي واستخدام المال لشراء الذمم, لفاز الإخوان بما يقارب النسبة التي فازت بها جبهة الإنقاذ سنة 1992 والنهضة سنة 1989 (حوالي 80%)
"

ولولا ذلك لفاز الإخوان ليس فقط بثلثي الأصوات في الدوائر التي ترشحوا فيها وإنما لفازوا في كل الدوائر بما يقارب النسبة التي فازت بها جبهة الإنقاذ سنة 1992 والنهضة سنة 1989 حوالي 80%، وهذا الأمر يدل دلالة واضحة على إفلاس هذه الأنظمة من الشرعية وقوة الرغبة الشعبية في التغيير وفي الوقت ذاته رغبتها في معاقبة الأنظمة المفلسة ومكافأة الإسلاميين على ما تعرضوا له من حملات إقصاء وتنكيل وتهميش مع أنهم الأقرب إلى قلوب الناس بسبب ضخامة المشترك الديني، وتواضع هؤلاء وقربهم من الناس وما قدموا لهم من خدمات كلما توفرت لهم الفرصة.

.