عرض مشاركة مفردة
  #26  
قديم 09-09-2001, 05:04 PM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

والآن عودة إلى المسائل المتعلقة بموضوع النقاش :

وأول ما أبدأ بمناقشته تفصيليا هو فهمك المغلوط للاسلام لا سيما الفهم المنحرف المتعلق بالتشريع.

في بداية طرحك للموضوع بتاريخ 1\9\2001 قلت : ( فالقرآن والسنة النبوية لم يتعرضا الى تفاصيل الدولة وأساليب حكمها وانما اقتصرا على تحديد الأسس الثابتة والمبادئ العامة . ومن هنا تكمن عظمة هذا الدين كدين يصلح لكل زمان ومكان بحيث ترك الباب مفتوحا لتطور الأنظمة والأفكار بما يتواكب مع العصر ).

وفي ردك عليّ بتاريخ 2\9\2001 قلت : ( نحن المسلمون لدينا عدة ثقافات وهي . ان ناخذ مما نستفيد منه من الغرب ونترك ماعداه . وهذا مانريده . اوناخذ كل شي النافع كان ام الضار . او نعيش بمعزل عن العلم الخارجي ولانستفيد من غيرنا . ارجوا الا تكون من صاحب هذا الاتجاه لانه اتجاه مظلم .وشكرا لك).

وقلت أيضا : ( لقد نسيت نقطة احببت الرجوع اليها وهي انك ذكرت ان الاسلام منحصر بالتشريعات الالهية ولاوجود فيه للمشاركة الشعبية , ولكني ذكرت في الموضوع ان الاسلام حدد اثوابت الاساسية وترك الباب مفتوحا لتطور الافكار . فحاليا توجد تشريعات او انظمة بالاصح نتيجة قوانين وضعية كنظام العمل والعمال )

وفي تعقيبك قبل الأخير بتاريخ 6\9\2001 قلت : ( فانا لااتذكر اني قلت بان لنا الحق بالتشريع بدلا من الله سبحانه وتعالى ولكن اتذكر اني قلت ان هناك تشريعات او تنظيمات على الاصح على الاصح على الاصح وضعية كنظام العمل والعمال نظرا لان الاسلام قد حدد لنا الثوابت الاساسية وترك لنا الباب مفتوحا لتطور الافكار. فان كنت متشددا لحد التجمد فهذا من شانك ولكنه مما ليس من شانك ان تجمد معك احكام الشريعة ).

وفي أحدث تعقيب لك بتاريخ 8\9\2001 قلت : ( فما ادري وش اللي يخليك مصمم على انك تلفق كلامي,فانا قلت ان المسلمين لديهم عدة ثقافات مو عدة تشريعات يعني يابابا بالعربي المكسر لازم ناخذ منهم الثقافات اللي تخلفنا عنها احسن مما نقعد متخلفين طول عمرنا ).

يفهم من هذه النصوص أنك ترى أن الاسلام قد جاء فقط بأسس ثابتة ومبادىء عامة، أما التفاصيل فيصح أن نأخذه من التشريعات الوضعية – أي التشريع الذي يضعه البشر - ويفهم منها أيضا أنك تقصد بعملية تطور الأفكار والأنظمة بما يتواكب مع العصر، أو مرونة الشريعة هو أن نأخذ بعض الأفكار والأنظمة الوضعية كنظام العمل والعمال. وأيضا أنت دعوت بشكل صريح إلى أخذ ما يفيدنا من الغرب، وفي تعقيبك الأخير فسرت هذه الدعوة بأنها دعوة لأخذ ما يفيدنا من الثقافة الغربية وليس من التشريعات الغربية، مع أنك أبحت أخذ التشريعات الوضعية ، والتشريع الغربي وضعي فلماذا تستثني التشريع الغربي ؟! وأيضا التشريع والأفكار والأنظمة كل ذلك يدخل في مفهوم الثقافة، والثقافة غير العلم، والمثقف غير المتعلم، العلم عالمي لكن الثقافة خاصة، فكل أمة من الأمم لها ثقافتها الخاصة، فالدعوة إلى أخذ الثقافة الغربية معناه الدعوة لأخذ أفكار الغرب وتشريعاته ومفاهيمه عن الحياة لأن كل ذلك يعتبر ثقافة، ولا يعني أخذ العلوم الطبيعية ، لأن العلم غير الثقافة.

والعجيب الغريب في أمرك انك تعتبر أن عدم الأخذ بالتشريعات الوضعية يعني تجميد الشريعة، وتعتبر ان من لا يأخذ من ثقافة هذا الغرب يكون من أصحاب الاتجاه المظلم ، وتعتبر أن سبب بقاؤنا متخلفين هو أننا لم نأخذ من هذه الثقافة الغربية !!!!

ومن الجدير بالملاحظة هو أنك أنت نفسك أسميت ما تريد أن نأخذه من غير الاسلام تشريعا وأسميته أيضا وضعيا، فقلت تشريعات وضعية، ( فحاليا توجد تشريعات او انظمة بالاصح نتيجة قوانين وضعية كنظام العمل والعمال ) ( ولكن اتذكر اني قلت ان هناك تشريعات او تنظيمات على الاصح على الاصح على الاصح وضعية كنظام العمل والعمال)، أي أنت نفسك تقول أنه تشريع من وضع البشر وتدعونا في نفس الوقت لأخذه وتسمي ذلك تطورا في الفكر والأنظمة، أو عدم جمود في الشريعة، فأنت وإن لم تقل بأن حق التشريع للانسان بدلا من الله سبحانه وتعالى إلا أنك جعلت الانسان شريكا لله تعالى في التشريع ، لكن في الفروع لا في الأسس الثابتة أو المبادىء العامة. وهذا الذي قلت يصطدم مع نصوص الكتاب والسنة أي يتناقض تناقضا صارخا مع نصوص الاسلام . وأما بيان ذلك تفصيليا فكما يلي :


الاسلام هو ما جاء وحيا من الله سبحانه تعالى ، أي ما جاء بالكتاب والسنة وما أرشد إليه الكتاب والسنة من أدلة، هذا وحده هو الاسلام وما سواه كفر، لذلك عرف " بضم العين وتشديد الراء " الاسلام بأنه ( الدين الذي أنزله الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بتنظيم علاقة الانسان بخالقه، وبنفسه، وبغيره من بني الانسان. وعلاقة الانسان بخالقه تشمل العقائد والعبادات، وعلاقته بنفسه تشمل الأخلاق والمطعومات والملبوسات، وعلاقته بغيره من بني الانسان تشمل المعاملات والعقوبات ).

وقد دلت النصوص الشرعية دلالة قاطعة على وجوب أن يأخذ المسلم جميع معالجات أفعاله من الدين الذي انزله الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أي من شريعة الاسلام فقط لا غير، ودلت أيضا دلالة قاطعة على تحريم أخذ أي تشريع من غير شريعة الاسلام بغض النظر عن مصدر هذا التشريع .
وأما بيان ذلك فعلى النحو الآتي :


1- إن الله تعالى أمرنا أن نأخذ ما يأمر به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأن ننتهي عما نهانا عنه، وأمرنا أن نحتكم إلى رسول الله ، أي إلى ما جاء به رسول الله ، قال تعالى : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب } ، فالله تعالى أمر المسلمين بأن يأخذوا ما آتاهم به رسول الله مما فرضه الله عليهم أو أباحه لهم، وأمرهم أن ينتهوا عما نهاهم عنه مما حرمه عليهم أو كرهه لهم، فكل طلب جاء به الرسول من عند الله وجب التقيد به، ولذلك كان فرضا على كل مسلم أن يأخذ الحكم الشرعي المستنبط من الكتاب والسنة وأن يتقيد به. وقد أكد القرآن هذا المعنى بشكل جازم في نفيه الايمان عمن يحكم غير الرسول أي غير شريعة الاسلام باعتبارها رسالة الرسول، فقال : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما }. ولم يكتف القرآن بهذا التأكيد بل نعى على الذين يريدون أن يتحاكموا إلى غير ما جاء به الرسول من شريعة الاسلام وجعل احتكامهم لغيره احتكاما للطاغوت وذمهم على ذلك. قال تعالى : { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا ، وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا }.
وأيضا نصت الأحاديث الشريفة بشكل صريح على أن الكتاب والسنة هما مصدر الأحكام الشرعية، قال صلى الله عليه وسلم : ( تركت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وسنتي ).
وعليه فجميع هذه النصوص تدل دلالة قاطعة على وجوب تقيد المسلم بالأحكام الشرعية المستنبطة من الأدلة الشرعية ليس غير.


2- نهانا الرسول صلى الله عليه وسلما نهيا صريحا عن أن نأخذ من غير ما جاء به ، فقد روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ومن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )، وفي رواية أخرى عنها : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ). ففي الرواية الأولى يقول صلى الله عليه وسلم " ما ليس منه " وما للعموم فكل ما ليس من الاسلام أي من الكتاب والسنة فهو " رد " وفي الرواية الثانية يقول " من عمل عملا " أي كل عمل ليس من الاسلام فهو " رد " .
وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بالقرون قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع، فقيل : يا رسول الله ، كفارس والروم ؟ فقال : ومن من الناس إلا أولئك ؟! ) وروى البخاري أيضا عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم : قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال فمن ؟! ). فجميع هذه النصوص صريحة في النهي عن الأخذ من غيرنا سواء من الغرب أم من غيره.
وقد بينت الأحاديث أن كل حكم يؤخذ من غير الكتاب والسنة بدعة أي ضلالة، روى مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته : ( أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ).


3- إن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو رسول كان إذا سئل عن حكم لم ينزل فيه الوحي لم يُجب وينتظر حتى ينزل الله هذا الحكم . فقد روى البخاري عن ابن مسعود : ( سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح فسكت حتى نزلت الآية ). وروى البخاري أيضا عن جابر بن عبد الله قال : مرضت فجاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأبو بكر وهما ماشيان ، فأتاني وقد أغمي عليّ، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صبَّ وضوءه عليّ فأفقت فقلت : يا رسول الله ، وربما قال سفيان، فقلت : أي رسول الله، كيف أقضي في مالي ؟ كيف أصنع في مالي ؟ فما أجابني بشيء حتى نزلت آية الميراث ). مما يدل على أنه لا يجوز أن يؤخذ من غير ما جاء به الوحي. فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يبين رأيا حتى يأتيه الوحي فهو دليل على أنه لايجوز أن يؤخذ شيء إلا مما جاء به الوحي .


4- القول بوجود حاجة إلى الأخذ بتشريعات غيرنا أو ببعضها مقتضاه القول بنقصان الشريعة الاسلامية، وهذا يتناقض تناقضا صريحا مع قطعي القرآن الكريم، قال تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا }، وقال : { ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين }. فلا يحق لمسلم بعد أن يقرأ هاتين الآيتين أن يعتقد بوجود نقص تشريعي في الاسلام، كما لا يحق لأحد من المسلمين أن يذهب إلى أن يكون بعض الوقائع خاليا من الحكم الشرعي، على معنى أن الشريعة أهملته إهمالا مطلقا، بحيث لم تنصب دليلا من نص الكتاب والسنة، أو تضع أمارة من علة شرعية جاء بها النص صراحة أو دلالة أو استنباطا أو قياسا، تنبه الشريعة بهذا الدليل أو تلك الأمارة إلى حكم هذا البعض من الوقائع ، هل هو الإيجاب ، أو الندب، أو الحرمة، أو الكراهة، أو الاباحة. لا يحق لأحد من المسلمين أن يذهب إلى ذلك ، لأنه بهذا يطعن في الشريعة بأنها ناقصة، ويبيح تحكيم غير الشرع، مخالفا بذلك قوله تعالى : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم }.


هذه هي بعض الأدلة التي تدل بشكل قاطع على وجوب حصر التشريع بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. والتشريع معناه معالجات أفعال الانسان في جميع شؤون الحياة. فمعالجات أفعال الانسان يجب أن تؤخذ من الاسلام، ولا يوجد مشكلة أو شأن من شؤون الحياة إلا ويوجد لها معالجة او حكم في الاسلام. فنظام الحكم مثلا وهو النظام الذي يحدد قواعد الحكم ، وشكل الدولة ، واجهزتها، وكل ما يتعلق بها مثل الشروط الذي يجب تحققها في الخليفة وكيفية تنصيبه وصلاحياته، وكذلك النظام الاجتماعي الذي يحد شكل العلاقة بين الرجل والمرأة أو بين المرأة والرجل ، والنظام الاقتصادي الذي يحدد كيفية أخذ المال وكيفية توزيعه، والعقوبات على ترك الواجبات أو على ارتكاب المحرمات، والبينات المعتبرة في القضاء ، كل ذلك إنما يؤخذ من الدين الذي انزله الله سبحانه وتعالى على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليس غير. ولا يحق لمسلم أن يقول بان الاسلام لم يبين معالجات هذه الأمور ، ولا أن يتخذ من هذا القول الباطل مسوغا للدعوة إلى أخذ التشريعات الوضعية، لأنه بذلك يطعن في الشريعة بأنها ناقصة، ولأنه يكون قد احتكم إلى الطاغوت، قال تعالى : { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا ، وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا }.
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله