عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 13-07-2005, 11:04 PM
الجلاد10 الجلاد10 غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2005
الإقامة: بلاد الله
المشاركات: 498
إفتراضي

وبلغت خسائر إبراهيم ثلاثة آلاف وخمسمائة شخص. وأغلبهم بسبب الأمراض. فالحصار في أوج الصيف، مما زاد في الصعوبات أمام جيش إبراهيم. ولكنه كان يتمتع بمزايا المدفعية ومختلف آلات الحصار والقيادة الماهرة. والأمر الأهم أنه استلم إمدادات. فأن عبد الله لم يتمكن من قطع طرق التموين. وكان للذهب المصري الذي وزعه إبراهيم بسخاء ولإلغاء الزكاة على البدو أثر كبير بهذا الخصوص.

وفي تشرين الأول (أكتوبر) استلمت الرس بشروط مشرفة. والتحقت حامية الوهابيين المتبقية حاملة أسلحتها بقوات عبد الله(54). وحسبما يقوله ج. سالير كان مصير الرس يختلف بعض الشيء. فالمدينة لم تستسلم، بل وعدتا بالاستسلام للمصريين بعد أن يحتلوا عنيزة(55).

كان يقود الدفاع عن عنيزة أشخاص من أقرباء أمام الدرعية. وكانت حامية الوهابيين مزودة بالمؤن والذخيرة بصورة جيدة. ولكن المدينة احتلت بعد عدة أيام من الحصار، واستسلمت حاميتها بشروط مشرفة. والتحق المحاربون الوهابيون حاملين السلاح بعبد الله(56).

ولم يحاول أمام الوهابيين إبداء مقاومة أكثر لجيش إبراهيم في سوح مكشوفة. فأن احتياطات مصر تحمي ظهر إبراهيم. وكان هجومه بطيئاً، ولكنه لا مرد له. وبعد عنيزة استسلمت بريدة، وفي أواخر عام 1817 أعلنت القصيم كلها عن خضوعها لإبراهيم(57). وكتب إبراهيم باشا لأبيه أن كل سكان المنطقة يكرهون حجيلان أمير بريدة العجوز وكذلك عبد الله(58).

في البداية انسحب عبد الله إلى شقراء حيث كان يجري على جناح السرعة بناء المنشآت الدفاعية، وبعد ذلك انسحب إلى الدرعية.

ظل إبراهيم في بريدة حولي الشهرين لاستلام الامدادات. ثم تحرك نحو شقراء. وذكر منجين أن عدد قوات إبراهيم قليل جداً _ ألف جندي. ويبدو أن هذا الرقم أقل مما في الواقع. وبعد ذلك ذكر منجين الرقم 4500 جندي دون أن يوضح ما إذا كان البدو بضمنهم أم لا. ولكن الحقيقة هي أن إبراهيم تمكن من قهر نجد بقوات قليلة نسبياً. إلا أن حملته على شقراء شارك فيها بدو مطير وحرب وعتيبة وبنو خالد. وكان أولئك من البدو الذين كانوا آخر من خضع للوهابيين وأول من قلب لهم ظهر المجن. وكتب أبن بشر بمرارة يقول أنه سار مع إبراهيم كثير من زعما القبائل ووجهاء الواحات في نجد بأمل الغنيمة والاستقلال المرتقب، ولكن آمالهم خابت بعد سقوط الدرعية أشد خيبة(59). فعندما ترك إبراهيم المدن التي أحتلها كان يدمر في البداية كل التحصينات ويأخذ رهائن معه(60).

وفي كانون الثاني (يناير) وصل إبراهيم إلى ضواحي شقراء. وبعد القصف المدفعي بدأ اقتحام المدينة. وسقطت شقراء بعد عدة أيام. وأطلق سراح حاميتها بعد أن جرد أفرادها من السلاح ووعدوا بأنهم لن يشاركوا في الحرب. واستولى إبراهيم على الوشم كلها(61). ثم احتل سدير والمجمعة بلا قتال في الواقع، وأعلنت حريملا والمحمل عن خضوعهما(62).

وتحرك إبراهيم من شقراء إلى ضرمى التي كان يدافع عنها محاربون أشداء من الخرج. ورغم القصف المدفعي واستخدام تكنيك الحصار لم يتمكن إبراهيم باشا من إرغام الحامية على الاستسلام. إلا أن القوى لم تكن متعادلة. واقتحم جنود إبراهيم المدينة ونكلوا بأهلها جزاء لهم على المقاومة، وقطعوا آذان القتلى، كما هي العادة، وأرسلوها إلى القاهرة. ونهبوا المدينة عن آخرها. وجرى ذلك في شباط (فبراير) _ آذار (مارس) 1818(63). وبذلك فتح الطريق نحو الدرعية.

سقوط الدرعية. في نيسان (إبريل) جرى المشهد الأخير من فاجعة الدولة السعودية الأولى. فقد بدأت معركة الدرعية. ومع أن واحات ومدن نجد سقطت الواحدة تلو الأخرى في يد الغازي المصري، إلا أنه كان في كل منها وهابيون راسخوا العقيدة رفضوا حتى فكرة التعايش سلمياً مع "المشركين" وظلوا مخلصين حتى النهاية لآل سعود. وتقاطروا على الدرعية للمشاركة في المعركة الأخيرة.

وواجهت القوات المصرية فصائل من العاصمة والواحات الأخرى في وسط الجزيرة. وقاد هذه الفصائل ثلاثة من أشقاء عبد الله، وهم فيصل وإبراهيم وفهد. وكانت في الدرعية قوات من منفوحة بقيادة العقيد الشجاع عبد الله بن مزروع وكذلك فصائل من حريق و سدير. وكان كهول من سكان العاصمة يدافعون عن مراكز الإسناد الصغيرة. وكانت هناك مفارز تحت قيادة أبناء آل سعود وأفراد عائلة آل معمر وغيرهم من القادة البارزين(64).

وكان تحت امرأة إبراهيم باشا حوالي ألفين من الخيالة و4300 من الجند الألبان والأتراك و1300 من الخيالة المغاربة و150 من المدفعيين ومعهم خمسة عشر مدفعاً وكذلك 20 من المختصين بالبنادق و11 من المختصين بالقذائف(65).

كانت واحة الدرعية تمتد لعدة كيلومترات بشكل خط على طول وادي حنيفة. وتتكون المدينة نفسها والواحة من عدة نزل متلاصقة. وتطل على المنطقة قلعة الطريف ومسجدها ومختلف المباني التابعة لها. وهي محمية بصخرة جبلية عالية من جهة وقناة من الجهة الأخرى.

بدأ إبراهيم هجومه ببطء على طول الوادي. وبعد المناوشات الأولى مع العدو ترك المترددون عبد الله وانتقلوا إلى إبراهيم وزودوه بمعلومات عن الوضع في المدينة.وكان تفوق المصريين في المدفعية قد مكنهم من تدمير تحصينات الوهابيين، وكان المهاجمون يحمون أنفسهم من الهجمات المباغتة ببناء الطوابي على النمط الأوروبي هنا كما فعلوا في السابق. ومرت لحظة خيل فيها الوهابيين أنهم سينتزعون النصر. فقد أنفجر مستودع البارود الرئيسي عند إبراهيم وتوجه الوهابيون في هجوم سريع ولكنه أخفق.

كان توارد الأغذية وذخيرة والإمدادات على إبراهيم طول الوقت قد أمن النجاح لزحفه البطيء. وكان المرضى والجرحى من قوات إبراهيم ينقلون إلى مستشفى أنشئ في شقراء. وكانوا يتماثلون إلى الشفاء هناك أحياناً ويعودون إلى صف المقاتلين. وأرغم إبراهيم الأمراء الذي التحقوا به على أن يرسلوا إلى الدرعية محاربين يقاتلون تحت ألويته. وكان جنود جدد يحتلون مواقع الجنود القتلى من أفراد قوات إبراهيم في حين كانت صفوف المدافعين عن الدرعية تتضاءل. وكان من أسباب ذلك نقص الأغذية في الواحة(66).

وغدت حالة الوهابيين ميئوساً منها. وتكررت حالات الفرار. وفي مطلع أيلول (سبتمبر)بدأ الهجوم العام على المدينة. واحتمى عبد الله وقسم من أقربائه في قلعة الطريف. وفي 9 أيلول، أقدم عبد الله على المفاوضات بعد أن أدرك أن كل شيء قد ضاع. وتوجه إلى معسكر المصريين عمه عبد الله بن عبد العزيز وعلي أبن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وكذلك محمد بن مشاري بن معمر. وطالبهم إبراهيم باشا بالاستسلام. وأتفق مبعوثو عبد الله معه على الاستسلام بشروط مشرفة لسكان واحة الدرعية الذين كانوا ما يوالون يقاومون. وقاتل عبد الله ومحاربوه المرابطون في القلعة قتالاً باسلاً يومين آخرين. وأوصل إبراهيم إلى منطقة القلعة كل مدفعيته، وفي 11 أيلول استسلم عبد الله.

وانتهت ستة أشهر من المعارك الطاحنة(67). وفقد السعوديون أثناء تلك المعارك زهاء عشرين من أقرباء الإمام بمن فيهم ثلاثة من إخوانه. وقدر أبن بشر الخسائر العامة للوهابيين برقم صغير يُثير التساؤلات، وهو 1300 شخص، بينما يقول أن خسائر إبراهيم في معركة الدرعية حوالي 10 آلاف(68). وأفاد إبراهيم في رسالته إلى القاهرة والأستانة بأن الوهابيين خسروا 14 ألفاً من القتلى و6آلاف من الأسرى، ومن بين الغنائم 60 مدفعاً(69).

وبمناسبة احتلال الدرعية جرت في القاهرة في تشرين الأول (أكتوبر) 1818 احتفالات بهيجة أطلقت فيها نيران المدافع وأجريت الألعاب النارية وكان الناس يسرحون ويمرحون(70). وعلى أثر ذلك أعرب السلطان عن ارتياحه العميق عندما بلغه نبأ هزيمة "أعداء الإسلام"(71). وأعرب شاه إيران في رسالة إلى محمد علي باشا عن تثمينه لدحر الوهابيين(72).

نقل عبد الله عن طريق القاهرة إلى الأستانة بصحبة أثنين من المقربين أليه في مطلع كانون الأول (ديسمبر). وأفادت السفارة الروسية من الأستانة: "في الأسبوع الماضي قطعت رؤوس زعيم الوهابيين ووزيره وإمامه الذين أسروا في الدرعية ونقلوا إلى العاصمة مؤخراً. وبغية إضفاء المزيد من الفخفة على الانتصار على ألد أعداء المدينتين اللتين تعتبران مهد الإسلام أمر السلطان في هذا اليوم بعقد المجلس في القصر القديم في العاصمة. وأحضروا إلى القصر الأسرى الثلاثة مقيدين بسلاسل ثقيلة ومحاطين بجمهور من المتفرجين. وبعد المراسيم أمر السلطان بإعدامهم. قطعت رقبة الزعيم أمام البوابة الرئيسية للقديسة صوفيا، وقطعت رقبة الوزير أمام مدخل السراي وقطعت رقبة الثالث في أحد الأسواق الرئيسية في العاصمة. وعرضت جثثهم ورؤوسها تحت الإبط… وبعد ثلاثة أيام ألقوا بها إلى البحر.

وأمر صاحب الجلالة بأداء صلاة عمومية شكراً لله على انتصار سلاح السلطان وعلى إبادة الطائفة التي خربت مكة والمدينة ونشرت الذعر في قلوب الحجاج المسلمين وعرضتهم للخطر(73).

الوهابية خارج الجزيرة العربية: إن تعاليم محمد بن عبد الوهاب التي بدت وكأنها ظاهرة خاصة بالجزيرة العربية وحدها قد وجدت لها بغتة أنصاراً في بلدان أخرى تبعد عن الجزيرة آلاف الكيلومترات. لقد نشرها الحجاج الذين كانوا في مكة في مطلع القرن التاسع عشر. فقد وجد شجب الوثنية ورفض عبادة الأولياء ومكافحة البدع ونشر الجهاد ضد "الكفرة" و "المشركين" والجمع بين الشعارات الطبقية والتعادلية _ معتقدات وممارسات الوهابيين _ تربة صالحة في بلدان ذات أنظمة اجتماعية وسياسية متباينة بعد تكيف وتعديل مناسب. ووصلت الوهابية إلى الهند وإندونيسيا وأفريقيا.

وكان لتعاليم محمد بن عبد الوهاب تأثير كبير في الهند. فقد استخدم بعض أحكامه المصلح الإسلامي والسياسي الهندي سيد أحمد بارلوي، وهو من أتباع المفكر الإسلامي المعروف ولي الله شاه. وكان سيد أحمد قد باشر بدعوته في مطلع القرن التاسع عشر. وفي العشرينات حج إلى مكة وأطلع هناك على تعاليم محمد بن عبد الوهاب وتبناها. وعندما عاد إلى الهند اتخذ من باتنا مقراً له وأخذت تتوارد عليه جموع الأنصار.

وفي عام 1824، أعلن سيد أحمد الجهاد ضد الكفار، ثم، في عام 1826، اجتاحت قواته البنجاب وأخذت تفتك بالسيك. وفي عام 1830، أحتل الوهابيون بيشاور وأسسوا دولة لهم حتى أنهم بدئوا بصك قطع نقدية تحمل أسم احمد. ولكن أمام الوهابيين قُتل في العام التالي. ونشط أتباعه أعمالهم في المناطق الإسلامية من الهند، وخصوصاً في الشمال وفي البنغال الشرقية وأعلنوا الجهاد ضد المستعمرين الإنجليز.

وكتب مؤلف إنجليزي بمرارة في القرن التاسع عشر "كان المبشرون المتمردون الذين وعدوا المؤمنين بالخلاص أو الجنة قد أججوا الحقد على الإنجليز والذي كان يضمره بعض المسلمين الهنود. وكانت كل صلاة يؤدونها مفعمة بهذا الحقد"(74). كان نضال الوهابيين ضد السيطرة البريطانية قسطاً في حركة الشعب الهندي ضد الاستعمار. واستمر هذا النضال عدة عقود حيث كان يشتد تارة ويخفت تارة أخرى. ومعروف جيداً دور الوهابيين الكبير في انتفاضة 1857 _ 1859 الشعبية ضد السيطرة البريطانية(75).

وعلى الحدود الشمالية، في سيتان، صمد المركز الوهابي في وجه حوالي عشرين حملة من القوات الاستعمارية. ولم يندحر إلا في عام 1863. إلا أن نشاط الوهابيين استمر بعد ذلك. وكانت السلطات البريطانية، كما يقول المؤرخ الإنجليزي و. هنتر، تعتبرهم "جماعة… تشكل، في رأي جميع الحكومات التي حلت محل بعضها بعضاً، مصدراً لخطر دائم على الإمبراطورية الهندية"(076).

ودفعت الوهابية بعض الحجاج الإندونيسيين الذين أمّوا مكة في العقد الأول من القرن التاسع عشر إلى ممارسة النشاط الإصلاحي. ففي سومطرة بدأت حركة دينية سياسية استخدمت عدداً من الشعارات الوهابية. وكانت في البداية موجهة ضد السكان المحليين غير المسلمين، ثم اكتسبت طابعاً مناوئاً للهولنديين. وطوال حوالي خمسة عشر عاماً، اعتباراً من عام 1821، خاض المستعمرون الهولنديون الحرب ضد وهابيّي سومطرة.

ويرى بعض الباحثين أن الوهابية مارست تأثيراً معيناً على حركة عثمان دان فوديو في غرب أفريقيا في مطلع القرن التاسع عشر والتي أدت إلى تأسيس دولة سوكوتو الشاسعة هناك، وكذلك على السنوسيين في ليبيا(77).