شيء من الحق
نحن و''انفصام الشخصية'' .. مرة أخرى!
د. خالد محمد باطرفي
عندما كتبت عن حالة ''انفصام الشخصية'' التي تعاني منها فئات من مجتمعنا أعطيت أول مثال على ذلك ما يحدث لنا عند السفر إلى خارج البلاد، وكيف نتصرف في بيئات مختلفة بطريقة مختلفة. فبمجرد أن يركب بعضنا الطائرة يدخل في رداء شخصية أخرى، فتتخلى النساء عن حشمتهن والرجال عن وقارهم ونصبح أناساً مختلفين. وقد تلقيت تعقيبات مختلفة من النساء خصوصا حول هذه الملاحظة بالذات، فقالت قارئة غاضبة: ألا يكفي أنكم تطاردوننا بالتقاليد والعادات التي ما أنزل الله بها من سلطان في بلدنا، لكي تحاصروا حرياتنا في الخارج! وفي المقابل كان لأخريات، ومنهن الوالدة سلمها الله وسلمهن، رأي مخالف، إذ لم يعجبهن ما نقلته عن المذاهب والمدارس الفقهية الأخرى من جواز كشف الوجه وارتداء الحجاب الساتر دون شرطية العباءة السوداء. فرغم قناعتهن بأن الشرع لا يشترط غطاء الوجه والكفين أو لبس السواد، فإن ''الخصوصية السعودية'' تفرض ذلك! والحقيقة أن كل ما أردت أن أقوله هو ضرورة ''توفيق'' قناعاتنا وتصرفاتنا ومواقفنا، داخل البيت وخارجه، في البلاد وخارجها. فالدين هنا وهناك، والشرع يلزمنا في بلاد الإسلام وفي غيرها. فلا يجوز أن يصلي بعضنا الفروض الخمسة في بلده فإذا سافر نسي حتى صلاة الجمعة، ولا يصح أن ''نغطي'' كل أصبع في قدم المرأة ويدها هنا، ثم نكشف كل شيء هناك. وليس من الطبيعي أن تختلط أسرنا في لندن وتقيم الحواجز في جدة. أو أن تقود نساؤنا السيارة في البحرين ثم نمنعهن في الدمام. أو أن نبعث ببناتنا للدراسة في دبي وعمان وبوسطن، في كل التخصصات، وفي بيئات مختلطة، وبعيدة عن أسرهن، ثم نبالغ في تحديد وتقليص التخصصات ونمنعهن حتى من مواجهة أساتذتهن في جامعاتنا. وإذا كان هذا هو المقصود بـ''الخصوصية''، فإنني أطالب بتصحيحها لتتوافق مع عمومية الإسلام وشموليته. أيها السادة والسيدات، نحن بحاجة لأن نتفق أولا على ما هو مقبول ومسموح به في ديننا، وما هو محرم أو مكروه. ولذا فعلى علمائنا، من كل المذاهب، وفي كل البلدان، أن يجتمعوا من خلال المجمع الفقهي الإسلامي في مكة المكرمة ليناقشوا كل هذه الشئون ويوضحوا لنا البدائل والخيارات المتاحة، بنفس القدر الذي يبينون لنا به ما حلل لنا، وما حرم علينا وما استكره. ثم إن علينا أن نطلع على ما انتهى اليه العلماء فنقرر أسرا وأفرادا ما نختار بين البدائل، لينعكس على أعمالنا ومعاملاتنا ونلتزم به في تصرفاتنا وأخلاقنا في كل مكان وبنفس القدر من الالتزام. ولا يصح بعد ذلك أن يقر شرعنا إدارة المرأة لأعمالها وأموالها، وتمثيل نفسها في المحاكم والدوائر العامة والخاصة، وقيادة مركبتها، وممارسة الرياضة، ودراسة جميع العلوم النظرية والعلمية، ومشاركتها في الحوار الوطني والإدارة والشأن العام والدراسة والعمل والاختلاط المحتشم في الأماكن العامة، دون خلوة، ثم نمنعها ذلك الحق في بلدها ونسمح لها به في الخارج. وفي المقابل لا يحق لها إن حرّم عليها الشرع السفر دون محرم، أو تزويج نفسها دون ولي أمر، أو كشف جسدها، أو صداقة الرجل، أو الخلوة غير الشرعية به أن تفعل ذلك لا في بيتها وبلدها ولا خارج الحدود. وباختصار، نحن بحاجة إلى أن نكون صادقين مع أنفسنا، ملتزمين بديننا، محافظين على أخلاقنا وقيمنا بغض النظر عن المكان والزمان.
______________________
جريدة المدينة المنورة , يوم الاحد 5/6/1424 الموافق 3/8/2003
www.al-madina.com
إقتباس:
|
ولذا فعلى علمائنا، من كل المذاهب، وفي كل البلدان، أن يجتمعوا من خلال المجمع الفقهي الإسلامي في مكة المكرمة ليناقشوا كل هذه الشئون ويوضحوا لنا البدائل والخيارات المتاحة، بنفس القدر الذي يبينون لنا به ما حلل لنا، وما حرم علينا وما استكره. ثم إن علينا أن نطلع على ما انتهى اليه العلماء فنقرر أسرا وأفرادا ما نختار بين البدائل، لينعكس على أعمالنا ومعاملاتنا ونلتزم به في تصرفاتنا وأخلاقنا في كل مكان وبنفس القدر من الالتزام. ولا يصح بعد ذلك أن يقر شرعنا إدارة المرأة لأعمالها وأموالها، وتمثيل نفسها في المحاكم والدوائر العامة والخاصة، وقيادة مركبتها، وممارسة الرياضة، ودراسة جميع العلوم النظرية والعلمية، ومشاركتها في الحوار الوطني والإدارة والشأن العام والدراسة والعمل والاختلاط المحتشم في الأماكن العامة، دون خلوة، ثم نمنعها ذلك الحق في بلدها ونسمح لها به في الخارج. وفي المقابل لا يحق لها إن حرّم عليها الشرع السفر دون محرم، أو تزويج نفسها دون ولي أمر، أو كشف جسدها، أو صداقة الرجل، أو الخلوة غير الشرعية به أن تفعل ذلك لا في بيتها وبلدها ولا خارج الحدود. وباختصار، نحن بحاجة إلى أن نكون صادقين مع أنفسنا، ملتزمين بديننا، محافظين على أخلاقنا وقيمنا بغض النظر عن المكان والزمان.
|
لقد وضعت يدك علي جرح عميق , ومعالجة ناجعة
سلمت يمينك اخي الدكتور باطرفي