الموضوع: طوق الحمامة ....
عرض مشاركة مفردة
  #32  
قديم 12-04-2006, 11:58 PM
على رسلك على رسلك غير متصل
سـحـابة ظــــل
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2005
المشاركات: 6,053
إفتراضي



كانت الأسباب السابقة من الاسباب الموجبة للسلو اصلها من المحب

ثم منها أربعـة أسبـــــــــاب هن من قبـــــــــل المحبــــوب وأصلها عنده
,


.منها الهجر؛
والهجر إذا تطاول ،وكثر العتاب،واتصلت المفارقة،يكون

بابا إلى السلو،وليس من وصلك ثم قطعك لغيرك،من باب الهجر في شئ،

لأنه الغدر الصحيح.ولا من مال إلى غيرك دون أن يتقدم لك معه صلة.

من الهجر أيضا في شئ ، لكن الهجر ممن وصلك ثم قطعك لتنقيل واش،

اولذنب واقع ،أو لشئ قام في النفس ،ولم يمل إلى سواك ولا قام أحد غيرك

مقامك .والناسي في هذا من المحبين ،ملوم دون سائر الأسباب الواقعة من

المحبوب ،لأنه تقع حالة تقيم العذر في نسيانه وإنما هوراغب عن التذكر

ويوجب عهد الألفة ،ولكن السالي على جهة التصبر والتجلد هنا معذور

إذا رأى الهجر متماديا. ولم يرى للوصال علامة ،ولا للمراجعة دلالة..

وقد استجاز كثير من الناس أن يسمو هذا المعنى عذرا، إذ ظاهرهما واحد

ولكن علتيهما مختلفتان .فلذالك فرقنا بينهما في الحقيقة ..واقول في ذالك شعرا



ألالله دهـــــــــر كـنــــــــــــت فــــــيـه ... أعــز عــلـــى مـــن روحــــــــي وأهلـــي
فــمــــــا بـرحـــت يـد الهجــران حتى ... طواك بـــنــا نــــهـــا طي الــســـــجـــــل
ســـقـــانــي الـــصـبـر هجركم كما قد ... ســقـا نــي الــحب وصـلـكم بــســــجــــل
وجــدت الـوصــل أصـل الوجد حـقا ... وطــول الـــهـــــجـــــر أصــلا للتـســـلـي




ثم الاسباب الثلاثة الباقية التي هي من قبل المحبوب فالمتصبر فيها من الناس

غير مذموم .فمنها نفار يكون في المحبوب ،وانـــــزواء قـاطع للأطـــــمـــــــاع .


.

ومنها جفاء يكون من المحبوب، فإذا أفرط فيه وأسرف ،وصادف من المحب

نفسا لها بعض الأنفة والعزة تسلى.وإذا كان الجفاء يسيرا متقطعا .أو دائما

أو كبيرا منقطعا، احتمل وأغضى عليه ،حتى إذا كثر ودام ،فلا بقاء عليه ...

ولا يلام النـــــــــاســـي لـــــــمـــــــــــــــــــــــن يــــــحـــــــــب في مثل هذا




.ومنها الغدر ،، وهو الذي لا يحتمله أحد ، ولا يغضي عليه كريم ،وهو

المسلاة حقا ، ولا يلام السالي عنه على أي وجه كان ناسيا أو متصبرا،

بل اللائمة لاحقة من صبر عليه.ولولا أن القلوب بيد مقلبها، لا إله إلا هو

ولا يكلف المرء صرف قلبه ولا إحــاطــــة اســـتـــــحـــســـــــــــــانه لقلت:

إن المـــــــتــــــصــــــبـــــــر فـــي ســــلـــــــــــــــــــــــوة مــــــــــــع ذالــــــك


[COLOR="navy"].ومنها سبب لا هو من المحب ولا من المحبوب ولكنه من الله تعالى ..


وهو اليأس وفروعه ثلاثه [SIZE="2"]:إما موت ،وإما بين لا يرجى ،وإما عارض

يدخل على المتحابين بعلة المحب التي من أجلها وثق المحبوب فيغيرها.

وكل هذه الوجوه من أسباب السلو والتصبر .وعلى المحب الناسي في هذا

الوجه المنقسم إلى هذه الاقسام الثلاثة من الغضاضة والذم واستحقاق اسم

اللوم والغدر،غير قليل ،وإن لليأس لعملا في النفوس عجيبا .وثلجا لحر الأكباد

كبيرا.وكل هذه الوجوه المذكورة اولا وآخرا، فالتأني فيها واجب ،والتربص

على أهلها حسن،فيما يمكن فيه التأني ،ويصح لديه التربص .فإذا انقطعت

الأطماع ،وانــــحـــــســـمـــت الآمــــــــــــــــال فحيـــنئـــذ يــــــقـــــوم العــــذر
[/color]
[/size]



ابن حزم الأندلسي
__________________
الرد مع إقتباس