عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 29-06-2003, 08:57 PM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي



حزب الدعوة


ولئن كان المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق، هو التنظيم المعارض الاكثر شهرة واطلالة على الاعلام، فانه ليس الاعرق في ميدان التنظيمات السياسية المعارضة، اذ ان حزب الدعوة الاسلامية، يُعد الاكثر عراقة، والاوسع خبرة في مجال مقارعة الانظمة في العراق، منذ اكثر من 45 عاما، اضافة الى كونه يمتلك نظرية سياسية وفقهية متكاملة المعالم، وضعت اصلا لتكون على مستوى العالم الاسلامي كله، وشارك في تأسيسه ومراحل انطلاقته الاولى جمع من علماء الشيعة وطلاب حوزة النجف من دول عدة. وعموما يعد هذا التنظيم، على الاقل في مراحله الاولى، ارقى ما توصل اليه العقل السياسي والديني الشيعي في حركته الرامية الى تثبيت اطروحة ان الاسلام خلق للدين والدنيا، وبمعنى آخر هو المحاولة الشيعية الاكثر نضوجا لمحاكاة تنظيم الاخوان المسلمين، السني، الذي اسس ليكون تنظيما عالميا.

يحوط نوع من الغموض ظروف تأسيس هذا الحزب، ولكن شبه الثابت ان انطلاقته الرسمية كإطار كانت عام ،1957 وان النجف بالذات هي رحم هذه الانطلاقة، وان مرجعيتها العلمية هي الراعية والحاضنة به، لذا فهو حزب اسلامي بامتياز غايته كما تظهر ادبياته الاولى "اعادة الاسلام الى حياة المسلمين، وتحكيم الشريعة السمحاء في الوطن الاسلامي الكبير، واقامة حكومة الله على الارض، كهدف نهائي ويسعى الى تغيير النظام الجاهلي المتحكم في المجتمع الاسلامي في مجالات السياسة والاقتصاد والحرب، واحلال النظام الاسلامي مكانه"، وفق ما يقول الباحث علي المؤمن في كتاب "سنوات الجمر". وبالطبع تحت هذه العناوين العريضة ثمة تفاصيل تتصل بالاهداف المرحلية للحزب على كل الصعد، كأن يهدف الحزب على صعيد الفرد "الى تجديد بناء الشخصية الاسلامية والاسرة المسلمة بكل مقوماتها، من تربية وثقافة وسلوك.

وانطلاقا من كل ذلك، كان للحزب الذي ابتدأ سريا، بنى تنظيمية تحاكي الاحزاب التقليدية، وتستعير بالاخص التسلل التنظيمي المتبع في الاحزاب الشيوعية، ويقول احد المشاركين في تأسيسه الشيخ علي كوراني (انشق عنه لاحقا) ان حزب الدعوة حاول في بداياته امتلاك فكر الاخوان المسلمين، وعمل حزب التحرير الاسلامي، واداء الحزب الشيوعي. وايا يكن، فإن هذا الحزب ولد تحت سقف شروط واوضاع عدة ابرزها:

- انه لم يكن الحركة السياسية الاولى في المناخ الشيعي في العراق، فقد سبقته اطر عدة منها "منظمة الشباب المسلم" التي أسسها عالم الدين عز الدين الجزائري، والحزب الجعفري، ومنظمة المسلمين العقائديين، وشباب العقيدة والايمان، وجماعة العلماء، ومنتدى النشر.

- ان فكرة تأسيسه جاءت ردا على هجمة الحركة الشيوعية العراقية وامتدادها حتى عقر المرجعية في النجف، وانخراط العديد من ابناء المراجع والعائلات الدينية في هذه الحركة.

- شعور القيادات الشيعية في العراق بالحاجة الملحة الى تنظيم سياسي ذي افق ديني، لتأكيد حضورهم.

وقد ارتبط نشوء هذا التنظيم باسم العلامة والمفكر والمرجع السياسي العراقي المعروف السيد محمد باقر الصدر المولود في الكاظمية في بغداد عام 1935 والذي اعدمه النظام العراقي عام ،1980 وكان شخصية مميزة، وعلى قدر كبير من الهمّة واتساع الآفاق، وضخامة الاحلام والآمال.

ويضفي عارفو هذا الرجل عليه صفات النبوغ المبكر، اذ يذكرون انه بلغ درجة الاجتهاد وهو في العشرين من عمره والف اول كتبه (فدك في التاريخ) وهو في السابعة عشرة، ويرى بعضهم انه رابع اربعة من المجددين في الفكر الاسلامي الشيعي، منذ شيخ الطائفة الطوسي حتى اليوم.

وفي معرض الحديث عن انشاء هذا الحزب يقول الباحث العراقي صلاح خرسان في كتابه "حزب الدعوة الاسلامية" - حقائق ووثائق"، ان اول اجتماع فعلي عقد لتأسيس الحزب كان في كربلاء وفي منزل المرجع السيد محسن الحكيم، وقد حضره اضافة الى السيد الصدر سبعة آخرون كلهم من رجال الدين، بينهم السيد مرتضى العسكري، السيد محمد مهدي الحكيم، السيد محمد باقر الحكيم، الحاج محمد صادق القاموسي، وقد ادّى الجميع القسم وكان اولهم السيد العسكري (مواليد 1912) الذي كان اكبر الحضور سنا بالحاح من السيد الصدر.

وكان هؤلاء الخمسة هم اول قيادة للحزب. ولكن من المؤرخين من يذهب الى القول ان الانطلاقة الفعلية كانت في العام التالي، ويقول الباحث علي المؤمن ان الدعاة الأوائل للحزب كانوا زملاء الإمام الصدر وتلامذته ومريديه وينتمون الى بلدان اسلامية عدة، منهم عبد الصاحب الدخيل، الشيخ عراف البصري، صالح الاديب، السيد الرفاعي، المحامي حسن شبر، الشيخ مهدي السماوي، الشيخ محمد مهدي شمس الدين، السيد محمد حسين فضل الله.

ويضيف الباحث المؤمن على الرغم من ان تأسيس الحزب كان اواخر العهد الملكي، الا انه اخذ شكله النهائي ومارس نشاطه (التنظيمي السري) بشكل واسع بعد انقلاب 14 تموز 1958 (بقيادة عبد الكريم قاسم) حين افسحت حكومة قاسم المجال امام العمل الحزبي والسياسي. ولم يكن بالطبع كل الجو الشيعي في العراق، راضيا بهذا الامر، اذ صدرت منشورات تعارض عمل السيد الصدر، ولكن الرجل واصل مسيرته السياسية وعمله الديني، فألف لاحقا كتابيه المعروفين "فلسفتنا" و"اقتصادنا" اللذين نالا رضا المرجع السيد محسن الحكيم، ووفق ما يراه الدكتور شبلي الملاط في اطروحته فإن هذين الكتابين هما أول رد علمي اسلامي على التنظيرات الشيوعية والرأسمالية في المجالين الفكري والاقتصادي، رغم انه يرى ان الرد على الفكر الشيوعي هو (ملاط) الغالب على الكتابين.

لكن العلاقة العضوية بين السيد الصدر وحزب الدعوة لم تستمر طويلا، اذ بتأثير المرجع السيد الحكيم، وتحت وطأة رغبته في ان يكون هو (اي الصدر) اكبر من اطار حزبي، فإنه غادر الحزب رسميا بعد نحو اربعة اعوام على تأسيسه، ويقول الكاتب خرسان في كتابه عن حزب الدعوة ان هذا الخروج كان في 21/9/.1961

ولكن هذا الخروج الذي اثار مشكلة داخل الحزب، لم يقطع علاقة الرجل بالتنظيم الذي ساهم في انطلاقته، فقد استمرت العلاقة كما كانت قبل خروجه من التنظيم، فهو كان يشعر بضرورة العمل السياسي الاسلامي المنظم واهميته، على حد قول خرسان الذي يصف العلاقة بين الدعوة والسيد الصدر بأنها "كانت اكبر من ان يحدها اطار تنظيمي فقد كان يرى فيه ما لا يراه في اي حركة اسلامية اخرى في العراق". وفي المقابل كانت الدعوة تجد في شخصه مشروعا حضاريا يتسع ليشمل العالم الاسلامي كله.

واستطاع الحزب خلال الحقبة الممتدة منذ تأسيسه وحتى ،1980 ان يتسع وينمو ويتأصل حضوره الفكري والسياسي، عبر سلسلة مواجهات مع سلطة عبد الرحمن عارف وعلى نظام حزب البعث الذي حرّم الانتماء اليه بوصفه "حزبا علمانيا كافرا". وقد دفع الحزب الكثير من كوادره وبناه التنظيمية، وأُعدم في الحقبة التي تلت عام 1980 اكثر من 3 آلاف شخص ينتمون اليه، وهجرت البقية الباقية الى خارج العراق. وبالطبع كان اعدام السيد الصدر اكبر ضربة وجهت اليه.

ورغم ان السيد الصدر ارتبط بشكل وثيق بالامام الخميني، ورغم دعوته (اي السيد) في اواخر ايامه الى "الذوبان في الامام الخميني كما ذاب هو في الاسلام"، وفضلا عن ان السيد الصدر هو من وضع مسودة دستور الجمهورية الاسلامية بطلب من الخميني نفسه، "وشرّع لنظرية "ولاية الفقيه"، فإن حزب الدعوة لم يذهب كله لاحقا، في هذا الاتجاه، ولم يمل كليا نحو هذا الميل فعاش وفي داخله انشقاقات عدة وهجر العديد من كوادره ولاسيما العلماء، في مقدمهم المرجع العراقي المقيم في قم السيد كاظم الحائري. وهكذا عشية سقوط النظام العراقي كان الحزب قد فقد الكثير من ألقه وحضوره، وكان قد عدل في خطابه وفكره السياسي. ويقول الباحث والمؤرخ خليل علي حيدر في كتابه "العمامة والصولجان" ان حزب الدعوة اصدر عام 1992 برنامجا سياسيا جديدا جاء فيه: "ان مبدأ الشورى والانتخاب المباشر حجر الزاوية في بناء النظام السياسي، وان السلطة ونظام الحكم في العراق يجب ان لا يقوما على اساس سلطوي فردي وطبقي وطائفي او ممثلا لمجموعة او فئة معينة بل يجب ان يكون النظام تجسيدا حقيقيا لرؤى واهداف الشعب العراقي السياسي بقطاعاته كافة".

وقد عُدّ هذا البيان تعبيرا عن تطور فكري في الحزب، وخصوصا بعد الضربات الكبيرة التي تلقتها الحركة الشيعية العراقية والمرجعية.

ووفق المعلومات فإن حزب الدعوة الآن هو عبارة عن ثلاثة احزاب، الاول هو الحزب الأم الذي ينطق باسمه الدكتور ابرهيم الجعفري الذي كان مقيما في لندن ومن ابرز قياداته ابو بلال علي الاديب (في ايران) والشيخ عبد الحليم الزهيري (داخل العراق) والسيد جواد المالكي (في بغداد الآن). وهناك حزب الدعوة - المجلس الفقهي ويرأسه المرجع السيد كاظم الحائري (في قم) وحركة الدعوة الاسلامية وأبرز رموزها الكاتب والمفكر محمد عبد الجبار الموجود في لندن.

والجدير ذكره انه كانت للحزب امتدادات في لبنان وسوريا والبحرين والكويت والباكستان وافغانستان، لكنها تخلت في الآونة الأخيرة عن علاقتها التنظيمية بالحزب فيما انضم معظم اعضائه اللبنانيين الى "حزب الله" وشاركوا بتأسيسه وابرزهم الشيخ صبحي الطفيلي. وبقي المرجع السيد محمد حسين فضل الله على علاقة صداقة فقط مع عدد من رموز الحزب وقياداته. ورغم كل ما طرأ على الحزب من انشقاقات وخلافات، مما افقده بعض نقاط القوة الا انه لا يزال الرقم الصعب في المعادلة العراقية. ويذكر اخيرا انه كان لحزب الدعوة في مراحل تأسيسه الاولى علاقة متينة بتنظيم "الاخوان المسلمين" في العراق والعالم. وفي مجال الحديث عن حزب الدعوة، لا بد من الاشارة الى ان ما برز اخيرا على الساحة العراقية تحت مسمى "انصار الصدر الثاني"، هم، في شكل او آخر ما يمتون بصلة الى حزب الدعوة، لان رمزهم الاول السيد محمد صادق الصدر، هو في الاساس جزء من الحزب. ومن المعلوم ان هذا الرجل الذي بلغ مرحلة الاجتهاد، قد قتل في ظروف غامضة عام 1999 مع ولديه، وقد وجهت اصابع الاتهام مباشرة الى النظام العراقي البائد.

ولكنه وقبل مقتله، كان قد بدأ حركة معارضة شرسة للنظام العراقي، اذ اعاد التواصل مع القواعد الشعبية الفقيرة، وبالتحديد بعد اخفاق حركة عام .1991 وفي البداية غضت السلطة العراقية النظر عن حركته ونمو مرجعيته السريع، خصوصا في لحظة فراغ كانت تعيشها مرجعية النجف بعد وفاة الامام الخوئي، ولكنه ذهب بعيدا في حركته وقام بحركات اخافت النظام، وفق قول العلامة السيد هاني فحص، منها التزامه بصلاة الجمعة الجامعة، ومنها لبسه الكفن الابيض في اثناء الخطبة والصلاة واتكائه على السلاح، فكان كمن يطلب الشهادة وهذا ما حصل لاحقا. ورغم سقوطه، فان خطه بقي مستمرا على يد ولده السيد مقتدى الصدر الذي اتهم مؤيدوه بقتل السيد عبد المجيد الخوئي في النجف وبمحاصرة منزل المرجع السيستاني. وثمة من يرى ان هناك علاقة وثيقة تربط هذا التيار بحزب الدعوة وبالمرجع السيد كاظم الحائري الذي يراه الكثيرون مرجعا روحيا لهذا التيار، الذي يستمد قواته من كونه بقي صامدا في العراق، ويواجه ممارسات السلطة وقمعها، لذا يرى السائرون في ركابه ان لهم الافضلية على سواهم الذين كانوا خارج العراق. وبالطبع فان هذين التنظيمين (المجلس الاعلى وحزب الدعوة) ليسا الوحيدين على الساحة العراقية الشيعية،



__________________
البارجة هي استاذة فلسفة علوم اسلامية ,
إلى الكتاب و الباحثين
1- نرجو من الكاتب الإسلامي أن يحاسب نفسه قبل أن يخط أي كلمة، و أن يتصور أمامه حالة المسلمين و ما هم عليه من تفرق أدى بهم إلى حضيض البؤس و الشقاء، و ما نتج عن تسمم الأفكار من آثار تساعد على انتشار اللادينية و الإلحاد.

2- و نرجو من الباحث المحقق- إن شاء الكتابة عن أية طائفة من الطوائف الإسلامية – أن يتحري الحقيقة في الكلام عن عقائدها – و ألا يعتمد إلا على المراجع المعتبرة عندها، و أن يتجنب الأخذ بالشائعات و تحميل وزرها لمن تبرأ منها، و ألا يأخذ معتقداتها من مخالفيها.

3- و نرجو من الذين يحبون أن يجادلوا عن آرائهم أو مذاهبهم أن يكون جدالهم بالتي هى أحسن، و ألا يجرحوا شعور غيرهم، حتى يمهدوا لهم سبيل الاطلاع على ما يكتبون، فإن ذلك أولى بهم، و أجدى عليهم، و أحفظ للمودة بينهم و بين إخوانهم.

4-من المعروف أن (سياسة الحكم و الحكام) كثيرا ما تدخلت قديما في الشئون الدينية، فأفسدت الدين و أثارت الخلافات لا لشىء إلا لصالح الحاكمين و تثبيتا لأقدامهم، و أنهم سخروا – مع الأسف – بعض الأقلام في هذه الأغراض، و قد ذهب الحكام و انقرضوا، بيد أن آثار الأقلام لا تزال باقية، تؤثر في العقول أثرها، و تعمل عملها، فعلينا أن نقدر ذلك، و أن نأخذ الأمر فيه بمنتهى الحذر و الحيطة.

و على الجملة نرجو ألا يأخذ أحد القلم، إلا و هو يحسب حساب العقول المستنيرة، و يقدم مصلحة الإسلام و المسلمين على كل اعتبار.

6- العمل على جمع كلمة أرباب المذاهب الإسلامية (الطوائف الإسلامية) الذين باعدت بينهم آراء لا تمس العقائد التي يجب الإيمان