عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 12-07-2007, 02:43 PM
فيصل محمد عوكل فيصل محمد عوكل غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2007
المشاركات: 20
Exclamation لمن تقرع اجراس المحطات

لمن تقرع اجراس المحطات
(قصه قصيرة)
للاديب الرحالة الصحفي
فيصل محمد عوكل




لا زالت طيور السنونو على عادتها في المحطة العتيقة، تنطلق بسرعة خاطفة وكأنها تهرب من شيء مجهول وفي المساء تعود الى اعشاشها
الى سكينتها الحذرة .انها طيور الخوف والقلق انها مثلي هكذا كانت( فتون)تحدث نفسها وهي
جالسة على كرسي المحطة المستطيل .مدت يدها تتحسس أخشابه القديمة وطلائه الكثيف المتراك عليه وهي تحدث نفسها قائلة:

كم من الناس جلسوا هنا ينتظرون احبابهم الذين عادوا بعد غياب طال ام قصر وها انا انتظر
والفرق بيني وبينهم ان احبابهم قد عادوا وغيابهم وفدوا على متن هذا القطار العجوز وهو يصعد
التله نافثا ً دخانه المتصاعد مثل حصان عجوز يتنفس في يوم ثلجي بارد وقد تحولت انفاسه
الى بخار.لكن هذا القطار اللعين يمر كعادته منذ عامين في مثل هذه الساعه من الاسبوع
دون ان ارى بهجه روحي ورفيق نفسي يعود اليّ حاملا ً معه حقائب السفر.
ليستريح بعد غربة مريرة وبعد كربة الأغتراب زفرت فتون زفرة احست وكأن روحها تكاد تخرج مع زفرتها الحزينة قائلة:
ها انا أنتظر عودة منذ عامين بلهفة وحرقة ،اعد ألأيام والساعات والدقائق والثواني. وهو ماذا ينتظرهناك اما آن له أن يبل صدى قلبي ولو بكلمة .آه آه آه كم هم قساة هؤلاء الرجال ..
وعادت لتتدارك غلطتها قائلة:
عفوا ً عفوا ً يا رفيق روحي يا بهجة عمري ،يا فرح السنين الاتية عبر الحلم الوردي
من يبعد عني اوجاع الأنتظار واللهفة..
كم أنت رقيق وحالم ..كم أنت .كم انت يا سيد الرجال..حاشاك ان تكن مثل بقية الرجال
ونهضت وهي تكفكف دموعها المنحدرة من عيونها خيفة ان يراها أحد وهي تودع القطار
باكية ..
وها هي تودع القطارالذي توقف قبالتها ونزل منه الركاب كل منهم يتلقاه اهله والمحبين من حوله
وهي واجفة تنتظر وتقول والحسرة تملئ قلبها المحزون ..لقد وعدني هنا في المحطة أن نلتقي
وأن أكون ال من يلقاه بعد عودته .وأول وجه يحب أن يراه ..فلابد من أن يعود ولابد لي من ان انتظر ..ولابد أن اكون اول من يراه حال عودته..حتى أمسح عن وجهه الحبيب عناء السفر
وأنسيه كدر السنين وانسيه كدر الوحدة الخانقه..سوف يأتي ذات يوم ..سوف أكون اول من يلقاه
هكذا قال لي حين ودعته ها هنا قبل عامين. بل ربما أضحيا الف عام دون ان ادري
نهضت تسير متثاقلة الاقدام كمن يحمل على عاتقه هموم الكون .
وسارت مبتعدة واصوات طيور السنونو تلاحقها وهي تمني النفس قائلة:
ربما كانت هذه الطيور تغني من الفرح .وربما من الحزن .وربما كانت تنادي اليفها بلغتها الخاصة ..
وبغته وقفت مذعورة حينما سمعت اصوات عويل اصطكاك عجلات مركبة مسرعة كادت ان تنسحق تحت عجلاتها دون ان تنتبه لاجتيازها الطريق العام للحافلات ونزل السائق من المركبة غاضب وهو يلعن فتايات اخر زمن.لكنها لم تلتفت ، ولم تأبه بما يقول .لأن احساسها كان كله مشدوداً لحالة الذعر التي حرمتها لحظات من ذكرى صديق صباها .وفرح مستقبلها الأتي
ما ان وصلت الى البيت واوت الى مهجعها حتى داهمتها الوساوس والظنون في هذا الصمت المطبق الذي يغلف علاقتها (بمهند )ولماذا لم يكتب لها منذ رحيله عن الوطن يخبرها بأحواله
وكم هي بامس الحاجة لسماع هذة الاخبار.لتشاركه احاسيسه ومشاعرة وتشجعه رغم انها تفعل ذلك برسائلها له لكنها لا تتلقى ردا ً عليها او تعود حتى خيل اليها ان هناك من يستولي على الرسائل التي ترسلها اليه ووصل بها الخيال ان تكتب رسالة لهذا المجهول الذي يستولي على رسائلها رسالة رجآء وتوضح له بها ان هذه الرسائل لشخص عزيز على قلبها مدادها من نزف القلب وشظايا الروح.ومزيج ربيع احلامها وما أن وصلت لهذه النقطة من أحلامها وافكارها
حتى سخرت من نفسها قائلة:
لماذا يسرقونها؟؟ لماذا لا يكون مهند مريضا ً ولايذهب لاستلام الرسائل وربماغير عنوانه ولاتصل اليه رسائلها..وفجآة اخذت تبكي بحرقه من حيرتها وعجزها واغلقت عيونها تسجلب
لها النوم الذي استعصى عليها.حتى خيل اليها انها تراه أمامها واقفا ً بالغرفة ينظر اليها بهدوء
شعرت حينها ان قلبها ينبض بقوة فلم تحرك ساكنا ً بل أخذت تحدق بكل جوارحها في طيف خياله المرتسم امامها قائلة:
ها انت تعود ليس مهما ً أنك غبت بل المهم انك عدت، وليس مهما ً ان حولت مساحات قلبي رمادا ً وحرائق وليس مهما ً انك جعلت مني احدوثة لنساء الحي ..كل هذا لا يعنيني ،شىء واحد هو الذي يعنيني هو ان تعود اليّ محملا ً بالحب واللهفة والشوق اليس هكذا حدثتني قبل رحيلك
قبل ان تضع هذا الخاتم الصغير ب في أصبعي هذا الخاتم الانشوطة التي كبلت قلبي ووجداني وشعوري وشدتها اليك بعنف وقسوة كي لا تبتعد عنه قيد شعره ، وها اناانتظرك .عزفت عن الناس لاجلك وارتضيتك لنفسي ولدربي رفيقا ً ابديا ً فلماذا ترهقني بهذا الصمت لماذا تفرض عليّ
مثل هذا الاسلوب من الموت البطيء لتنزع مني روحي بسكينة هادئة لا يدركها الا انا وصمتك القاتل ولاذت( فتون )بالصمت واحنت راسها بحياء وخشوع حين شعرت بيدة الوهمية تمتد ليمسح بها على شعرها ،شعرت بقشعريرة تسري بجسدها واستسلمت لنوم ٍ عميق .تحلم بعودته وكيف انهما سيتزوجان حال عودته دون تاخير، فقد سئمت من نظرات شبان الحيّ الشامتين،
هؤلاء الذين كانوا يهيمون بافكارهم وامانيهم واحلامهم حين كانت تمر امامهم بدلالها المهذب
وشخصيتها الانثوية الناضجة وجمالها الأخاذ وشعرها الحالك السواد مثل دكونة الليل البهيم دون ان تلتفت لاحد منهم.وكم منهم حاول خطب ودها دون فائدة. حتى كان مهند.
هي لا تدري كيف أحبته ولماذا أحبته وليتها تعرف كيف يكون الحب فتحذر منه وتحترز من ويلاته ،
لا تعرف انه مثل الطوفان مثل الاعصار مثل الموت يأخذنا بغته حيث يريد وليس حيث نريد
دون استأذان فنمضي معه بفرح طفولي وكأننا كنا ننتظر هذا الشيء رغم جهلنا به ولكننا دوما ًبحاجة اليه ربما لاننا نملك قلوبا ً واحاسيس رقيقة وربما لاننا بشر.
لم تدرك فتون كم قضت من الوقت وكم انقضى عليها من الساعات وهي نائمة وهي لا تريد ان تعرف يكفيها انها عرفت من السعادة الشيء الكثير
لان طيف مهند زارها لاول مرة هذا المساء.وهذا فالخير سيكون زادا ً لروحها لزمن لا تدري ايقصر ام يطول، أذا ً فهاهو طيفه يكتنفها بحب وحنان وحنو كبير.يكفيها من السعادة هذه الليله ما جعلها تنسى انتظارها
الطويل.وليذهب كل الشامتين والشامتات الى الجحيم
وتمضي الايام وفتون تحمل افراحها السرية بين جوانحها وقررت ان تكتب له عن رؤيتها لطيفه وكيف سكنت اليه وكيف تغيرت احوالها النفسية
وغادرها العذاب والالم وكيف ان الدماء عادت لخديها والنضارة لوجهها وملامحها فقامت من مرضها بعد طول سقام الانتظار بعد ان وجدت بزيارته لها طبيبا داوى كل جراح القلب والروح والجسد.
غدا ًهو موعد قدوم القطارلهذا الاسبوع الثالث بعد المئة الذي ستقف فيه
بانتظار مهند فهو لا بد سقم من الغياب والترحال والغربة .وبينما كانت تسرح شعرها امام المرآة سمعت صوت طرقات خفيفه على باب غرفتها
فادارت وجهها بهدوء وهي تدوربجسدها نحو الباب
لتجد نفسها وجه لوجه شقيقة مهند الصغيرة وهي تمد لها يدها الصغيرة
التي تكورت بداخلها وريقة صغيرة مبتله من العرق .وقبل ان تسألها شيئا ً
شعرت بأن قلبها يدنو ويهبط بعنف وقوة تكاد ان تسقط من على الكرسي
فاخذتها ويدها ترتعش بطريقة غريبة وفتحتها بلهفة وسرعة وخوف
لتجد فيها كلمات مقتضبة تقول أني قادم في قطار هذا الاسبوع
تحياتي للجميع مهند .
بطريقه مفاجأة حملت الصغيرة واخذت تقبلها بحنان وحب بينما كانت تتساقط من عينيها الدموع بارتياح عجيب.
هي التي كان تبكي منذ قليل من الحزن تبكي الان من الفرح
للحظات القرب الاتيه وبمثل السرعه التي حملتها بها انزلتها،خلعت قرطيها ووضعتها في أذن الصغيرة ، التي حملت لها البشرى ومضت فتون تحلم بالقطار القادم ساعه فساعه.
اليوم سيأتي القطار ، سوف تزغرد طيور السنونو سوف يكون لون القطار مختلفا ً سوف يكون لون السماء صافيا ً مختلفا ً عما سبق .سوف كون الناس فرحين سعداء ومبتسمين بالتاكيد.
شعرت بالخوفيغزوها فجأة ؟؟كيف سيحتمل رؤيتها بعد هذه السنين.سوف اكون قريبه منه كي لا يقع من الانفعال لرؤيتي وشوقه الملتاع اليّ وتذكرت لتضيف محدثه نفسها قائله:
وانا من سيمنع انفعالاتي وشوقي المجنون اليه وانا اراه يهبط من القطار
ونهضت من امام المرآة قائله:
المهم ان نلتقي، المهم ان نكون قريبين من بعضنا المهمان يعود الي ّ واعود اليه .وبعدها فليحترق هذا القطار حتى لا يكن مجال لفراق المحبين
عن بعضهم البعض وليأتي طوفان عظيم يقتلع القضبان .
وخرجت دون مكياج كما يحب ان يراها زهرة بريه كما كان يقول لها
احبك هكذا زهرة بريه هبة الله للطبيعة.
وكانت تسمع صوت القطارالقادم من بعيد قبل ان يصل،كان صوت القطار يختلف انها تصغي اليه من البعيد،وكانه صوت زغاريد فرح.
وما ان وصلت الى المحطة حتى كان القطار يقف بثبات على القضبان
مثل عجوز متصاب ٍ جلس يستريح بعد مسير طويل وهو يشعل غليونه
ويدخن به متأملا ً الناس من حوله .
جلست فتون على المقعد الخشبي العريض كعادتها واخذت تراقب امه
وشقيقتة على الرصيف تتامل المسافرين وهم يهبطون من القطار
وفجأة وقفت فتون منتصبة وكانها ترى روحها تغالبها الذهاب اليه
بلهفة مجنونه وهو يقف بقامته الحبيبة وطوله الفارع ،وثيابه الانيقة
وقد ادار ظهرة للناس ناظرا ً للقطار ينزل الحقائب واحدة تلو الاخرى
فخطت فتون خطوات خفيفه نحوه ..وقد اختلطت مشاعر الفرح بالبكاء
لديها..حتى كادت ان تحاذيه بقربها منه دون ان تشعره بذلك
وهو يمد يدة نحو إمرأة كانت تقف على درجة الهبوط من القطار بعدان انتزع يده من يد امه ليمدها لتلك ألمرأة العصرية التي كانت تقف منتظرة يده الممدودة وهي تغلق انفها من رائحة القطار وانزل المرأة الى جواره
وهويقول لأمه اقدم لك زوجتي ..
تسعرت فتون بالارض مثل تمثال صخري منذ الاف السنين ودارت بها الارض فجأة بعنف وكأنها بدوامه عظيمة وسقطت علىالارض دون حراك وهي تصرخ ليتك لم تعد ليتك لم تعد
لم يلتفت مهند للوراء وسالته زوجته من تكن هذة الفتاة التي تركتنا امك وذهبت تعتني بها
فاجاب باقتضاب وبسرعة انها ليس من اقربائنا بالتاكيد لا..لا ..نعرفها؟؟
لكن ربما اشفقت عليها أمي فالنساء كما تعرفين يا حبيبتي مجاملات فوق اللزوم.


فيصل محمد عوكل
الرد مع إقتباس