عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 14-10-2003, 12:03 AM
مسلم فاهم مسلم فاهم غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2003
المشاركات: 518
إفتراضي

السبب الثالث: أن يكون الحديث قد بلغه ولكنه نسيه، وجلَّ من لا ينسى، كم من إنسان ينسى حديثاً، بل قد ينسى آية، رسول الله صلى الله عليه وسلّم «صلَّى ذات يوم في أصحابه فأسقط آية نسياناً»، وكان معه أُبي بن كعب رضي الله عنه، فلمَّا انصرف من صلاته قال: «هلا كنت ذَكَّرتنيها» وهو الذي ينزل عليه الوحي، وقد قال له ربه: {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى * إِلاَّ مَا شَآءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى }.

ومن هذا ـ أي مما يكون الحديث قد بلغ الإنسان ولكنه نسيه ـ قصة عمر بن الخطاب مع عمار بن ياسر رضي الله عنهما حينما أرسلهما رسول الله صلى الله عليه وسلّم في حاجة، فأجنبا جميعاً عمار وعمر. أما عمار فاجتهد ورأى أن طهارة التراب كطهارة الماء، فتمرغ في الصعيد كما تمرغ الدابة، لأجل أن يشمل بدنه التراب، كما كان يجب أن يشمله الماء وصلَّى، أما عمر رضي الله عنه فلم يصل.. ثم أتيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأرشدهما إلى الصواب، وقال لعمار: «إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا» ـ وضرب بيديه الأرض مرة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه. وكان عمار رضي الله عنه يحدث بهذا الحديث في خلافة عمر، وفيما قبل ذلك، ولكن عمر دعاه ذات يوم وقال له: ما هذا الحديث الذي تحدث به؟ فأخبره وقال: أما تذكر حينما بعثنا رسول الله في حاجة فأجنبنا، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمرغت في الصعيد، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «إنما كان يكفيك أن تقول كذا وكذا». ولكن عمر لم يذكر ذلك وقال: اتق الله يا عمار، فقال له عمار: إن شئت بما جعل الله عليَّ من طاعتك أن لا أُحدِّث به فعلت، فقال له عمر: نوليك ما توليت ـ يعني فحدِّث به الناس ـ فعمر نسي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلّم جعل التيمم في حال الجنابة كما هو في حال الحدث الأصغر، وقد تابع عمر على ذلك عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، وحصل بينه وبين أبي موسى رضي الله عنهما مناظرة في هذا الأمر، فأورد عليه قول عمار لعمر، فقال ابن مسعود: ألم تر أن عمر لم يقنع بقول عمار، فقال أبوموسى: دعنا من قول عمار، ما تقول في هذه الآية؟ ـ يعني آية المائدة ـ فلم يقل ابن مسعود شيئاً، ولكن لا شك أن الصواب مع الجماعة الذين يقولون أن الجُنُب يتيمم، كما أن المحدث حدثاً أصغر يتيمم، والمقصود أن الإنسان قد ينسى فيخفى عليه الحكم الشرعي، فيقول قولاً يكون به معذوراً لكن مَن علِم الدليل فليس بمعذور. هذان سببان.

السبب الرابع: أن يكون بلغه وفهم منه خلاف المراد.

فنضرب لذلك مثالين، الأول من الكتاب، والثاني من السُّنَّة:

1 ـ من القرآن، قوله تعالى: {وَإِنْ كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لَـمَسْتُمُ النِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً...} اختلف العلماء رحمهم الله في معنى {أَوْ لَـمَسْتُمُ النِّسَآءَ} ففهم بعضٌ منهم أن المراد مطلق اللمس، وفهم آخرون: أن المراد به اللمس المثير للشهوة. وفهم آخرون أن المراد به الجِماع، وهذا الرأي رأي ابن عباس رضي الله عنهما.

وإذا تأمَّلت الآية وجدت أن الصواب مع مَن يرى أنه الجِماع، لأن الله تبارك وتعالى ذَكَرَ نوعين في طهارة الماء، طهارة الحدث الأصغر والأكبر. ففي الأصغر قوله: {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}. أما الأكبر فقوله: {وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ...} الآية. وكان مقتضى البلاغة والبيان أن يُذكر أيضاً موجبا الطهارتين في طهارة التيمم، فقوله تعالى: {أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُم مِّنَ الْغَائِطِ} إشارة إلى موجب طهارة الحدث الأصغر.. وقوله: {أَوْ لَـمَسْتُمُ النِّسَآءَ} إشارة إلى موجب طهارة الحدث الأكبر.. ولو جعلنا الملامسة هنا بمعنى اللمس، لكان في الآية ذِكْر موجبين من موجبات طهارة الحدث الأصغر. وليس فيها ذكر لشيء من موجبات طهارة الحدث الأكبر، وهذا خلاف ما تقتضيه بلاغة القرآن، فالذين فهموا من الآية أن المراد به مطلق اللمس قالوا: إذا مسَّ إنسان ذكرٌ بشرةَ الأنثى انتقض وضوؤه، أو إذا مسها لشهوة انتقض، ولغير شهوة لا ينتقض، والصواب عدم الانتقاض في الحالين، وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قبَّل إحدى نسائه، ثم ذهب إلى الصلاة ولم يتوضأ، وقد جاء من طرق يقوي بعضها بعضاً.

2 ـ من السُّنَّة: لمَّا رجع رسول الله صلى الله عليه وسلّم من غزوة الأحزاب، ووضع عدَّة الحرب جاءه جبريل فقال له: إنا لم نضع السلاح فاخرج إلى بني قريظة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم أصحابه بالخروج وقال: «لا يصلينَّ أحدٌ العصر إلا في بني قريظة» الحديث، فقد اختلف الصحابة في فهمه. فمنهم مَن فهم أن مراد الرسول المبادرة إلى الخروج حتى لا يأتي وقت العصر إلا وهم في بني قريظة، فلمَّا حان وقت العصر وهم في الطريق صلوها ولم يؤخروها إلى أن يخرج وقتها.

ومنهم مَن فهم: أن مراد رسول الله ألا يصلوا إلا إذا وصلوا بني قريظة فأخَّروها حتى وصلوا بني قريظة فأخرجوها عن وقتها.

ولا ريب أن الصواب مع الذين صلوا الصلاة في وقتها؛ لأن النصوص في وجوب الصلاة في وقتها محكمة، وهذا نصٌ مشتبه. وطريق العلم أن يحمل المتشابه على المحكم.. إذن من أسباب الخلاف أن يفهم من الدليل خلاف مراد الله ورسوله، وذلك هو السبب الرابع.
__________________
اللهم ألحقنا بحبيبنا نبى الرحمه صلى الله عليه وسلم وارزقنا قفوا آثاره واتباع سنته ,,,,

هذا وأصل بلية الاسلام ** تأويل ذي التحريف والبطلان

وهو الذي فرق السبعين ** بل زادت ثلاثا قول ذي البرهان