عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 07-07-2006, 05:50 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي التحشيد يخفي عيوب الأفراد

التحشيد يخفي عيوب الأفراد

إذا اشتكت أم من قلة إقبال طفلها على الأكل ، فإن إحدى النصائح المفيدة التي تتلقاها ، بأن عليها أن تحاول إطعامه مع أطفال بمثل عمره ، فإن ذلك سيجعله يقبل على الطعام بصورة مختلفة ..

لو تصورنا أن مدرجات ملعب فارغة إلا من رجل مهم ، فإنه سيلزم الصمت وتكون انفعالاته قليلة ، حتى لو كان كل اللاعبين مثل بيليه أو بوشكاش ، لكن لو امتلأت المدرجات بعشرات الآلاف من المتفرجين ، فإن ذلك الرجل المهم ستكون انفعالاته أقرب الى انفعالات أبناء الشوارع ، دون أن يسجل عليه أحد أي ملاحظة تعيبه .. عند انتهاء المباراة وخروج المتفرجين ، فإن سلوك كل الأفراد سيعود شيئا فشيئا الى سابقه ..

في ( بورما ) ـ ميامار (حاليا ) ، بلد الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق (يوثانت ) .. استمر الناس لعدة عقود يأكلون نفس الصنف من الطعام ، و يركبون نفس وسائل النقل ، وقد يواظبوا على سماع أغنية واحدة طيلة العام ، دون أن يتذمروا ، لكن ما أن دخل عليهم البنك الدولي بقروضه ، حتى انقلبت كل عاداتهم وزادت مديونيتهم ، وتغير اسم بلادهم !

في الاتحاد السوفييتي ، كان ستالين هو من يعبر عن الحالة السوفييتية ، ولم تكن صحيفة البرافدا إلا صدى لقول ستالين ، وكان العالم يتابع أخباره بحذر وخوف شديدين ، حتى نسوا الملايين الذين تم نفيهم وإبادتهم في سيبيريا ، ومضى هذا النمط الى (خورتشوف ) و ( بريجينيف ) وتضاءلت الصورة في عهد ( أندربوف ) واختفت في عهد (جورباتشوف ) .. حتى أصبح في روسيا آلاف الصحف و مئات الأحزاب ، دون أن تحفل واحدة بواحد من مليون من شهرة (البرافدا ) ..

في الماضي السحيق ، عاشت ذكرى حمورابي و نبوخذ نصر و سرجون ، وفرعون ، وسقطت تفاصيل صيحات المظلومين حتى لم يعد أحد يسلط عليها الضوء ، أو قد ينفي أي قارئ أنه عثر على مثل تلك الإدعاءات بالظلم ..

في تاريخنا المذكور والمدون ، عاشت ذكرى هرون الرشيد والمأمون والمعتصم وعبد الرحمن الداخل و الكثير من القادة الأفذاذ .. وتم نسيان ثورة الزنج وثورة الزط و سجن ( ابن حنبل ) .. وعاشت ( وامعتصماه ) ..

النصيحة بأثر رجعي ، لا قيمة لها ، تماما كما هي إشارات المرور التي تحذر عن وجود منحدر أو منعطف ، يجب أن تسبق المنحدر أو المنعطف ، لا أن تليه. وكذلك لا يمكننا أن ننصح حكام ( بورما ) أن ينوعوا من أصناف الطعام التي كانوا يقدمونها أو يشجعوا المطربين ..

عندما يكون الحاكم متفوقا على شعبه برؤاه الثاقبة و تعدد مهاراته ، فإن التاريخ سينسى بعض خصاله التي لم تعجب البعض ، ولكن عندما يكون الشعب متفوقا على حكامه .. فإن المسألة تكون مربكة في تكوين صورة عقلية مفهومة !
__________________
ابن حوران