عرض مشاركة مفردة
  #25  
قديم 29-03-2007, 08:02 PM
Orkida Orkida غير متصل
رنـا
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 4,254
إفتراضي

الفكرة رائعة فعلا مشرفنا الفاضل،

سأقتبس لكم قصة من مذكراتي فكلها محفوظة ع الجهاز،
قصة حقيقة ولكنها مؤلمة شيئا ما

من مجلد (( مذكراتي اليومية )) المحفوظ ع الجهاز أقتبس لكم هذه القصة

____________________




قصة هويـة


وصلت المحكمة باكرا كالعادة، وكان الشتاء لايطاق في الخارج، أول مادخلت المحكمة خلعت معطفي المبلل، وهنا لاحظت فتاة شدتني بسرعة إليها وليومنا هذا لا أدري لماذا.. ولكن هذه هي حال الأقدار حينما تريد أن تلعب لعبتها..
كانت تلبس ملابس صيفية والجو ماطر وبارد جدا، وكان شعرها مبلل وكانت هزيلة الجسد بشكل ملفت للانتباه، شكلها كان وكأنها شيئ دفين خرج من الماضي البعيد.. كانت تجسد كلمة البؤس بكل معناها...
ذهبت إليها وعرضت عليها مرافقتي لمكتبي في الطابق الثاني، ونهضت ترافقني بدون أن تنطق بأي كلمة، ودموعها جرحتني حينما نظرت لي، طلبت لها فنجان شاي ساخن وألبستها معطفي المبلل من الخارج... فقد كانت بحالة يُرثى لها حقا... وتركتها ترتاح على الأريكة وأكملت ملف كان ينتظرني من أمس ليلا، وبعد فترة شكرتني وبدأت في البكاء تركتها تبكي وقلت لها عزيزتي بماذا أستطيع مساعدتك؟؟ فبكت وبكت حتى أنها نقلت لي العدوى فبدأت في البكاء معها... وكانت لحظات وكأنها حفلة.. ولكن حفلة همة وغم وبكاء.. هي تبكي وأنا أبكي حالها وأتذكر موت أبي من حوالي الأسبوعين دون أن أراه...

قالت لي، لماذا تبكين، فقلت لها لا أدري فأنت تبكين وأنا أبكي تلقائيا كنوع من المشاركة، فإبتسمت وياالله ما أجملها من فتاة وما أرقها وما أعذبها...

طلبت لنا فنجاني قهوة ونحن نشربها أخبرتها عن أشياء مضحكة حول حوادثي المتكررة في السيارة.. وأخبرتها عن بعض نكات أيام الدراسة ووو وكم ضحكت وضحكت.. ومن ثم قالت لي أتعلمين لما أنا في المحكمة بهذا الشكل؟؟ الصراحة أنني كنت أتحرق شوقا لمعرفة مابها.. ولكنني قلت لها إن أردت إخباري فكلي آذان صاغية....
وبدأت تخبرني قصتها...

اسمها (ن) وهي أردنية من أصل فلسطيني، تحمل جواز سفر لمدة سنتين(جواز مؤقت يعتبر من الدرجة الرابعة)
أنهت الثانوية العامة بتفوق، ولكن حالتهم المادية صعبة جدا ولا يستطيع والدها تحمل مصاريف الاردن، فهي غالية جدا للاجانب خصوصا الفلسطينيين.. و(ن) متفوقة وتحب الدراسة، ولذا فكر والدها أن يرسلها عند عمها في مدينة غزة بفلسطين، عمها متزوج من خالتها، وحالته المادية ممتازة.. ولأن مجموع (ن) عالي جدا فتعليمها سيكون على حساب السلطة الفلسطينية بجامعة الازهر الخاصة بها.. وبالفعل إنتقلت (ن) إلى غزة عن طريق الجسر المؤدي بين الاردن والضفة.. فدخلت عبر معبر (إيريز الحدودي).. وسجلت أدب لغة إنجليزية وكانت جد متفوقة وكانت تزور أهلها بعمان بكل إجازة.. وكم كانت سعيدة لأنها تتعلم على حساب السلطة إضافة إلى إعطاءها مصروف جيب.. وتحاول قدر المستطاع ألا تتدخل بعمها وزوجته وأولاده تفاديا للمشاكل... أحبها الجميع، ومن معرفتي البسيطة بها كحكم أول، فهي حقا رائعة... بعد أن أنهت (ن)نصف المسافة بالضبط- سنتين دراسة- ذهبت لرؤية أهلها كالعادة، وهنا تذكرت أنها لابد وأن تجدد جواز السفر.. فذهبت لتجديده، وكالعادة قالو لها أنها تستطيع تسلمه الساعة الواحدة والنصف بنفس اليوم... ذهبت لتتسوق وتشتري هدايا لخالتها وعمها ووو ومن ثم عادت لتستلم الجواز.. انتظرت وانتظرت وانتظرت.. مل الانتظار منها وهي لم تمل، في النهاية ذهبت للسؤال مرة أخرى، فقيل لها يريدونك في مكتب ( المتابعة والمراقبة ).... إنتظرت لليوم التالي لأن الدوائر الحكومية مغلقة.. ومن الصباح ذهبت لمكتب المتابعة والرقابة العامة في عمان...


راودتها ملاين الأفكار السوداء وهي متجهة لهناك.. ماذا فعلت؟؟ لماذا يطلبونني هناك؟؟ المتابعة والرقابة لاتحقق إلا لاسباب معينة لا علاقة لي بأي منها... خطر ببالها ملايين الافكار خلال دقائق قليلية...
وبدأت تبكي وهي تخبرني... فقلت لها خلاص عزيزتي إرتاحي قليلا وكل شيئ مهما كان فله مخرج.. قالت لي إلا مشكلتي لاحل لها.... تبسمت وقلت لها تعالي أوصلك لمنزلك فالساعة الان الثالثة والنصف ولا احد هنا سوانا ربما.. فقالت لي لامكان لي.. صدمت وقلت لها لاعليك تعالي معي فأنا أعيش وحدي بمنزل كبير برفقة قطتي.. وبالفعل رافقتني للمنزل.. وحاولت إكمال القصة ونحن في السيارة إلا أنني أوقفتها وقلت لها كلا عزيزتي كل شيئ ينتظر.. عندما نصل للمنزل بأمان وتتناولين الغذاء نتابع الحديث...
الصراحة كنت خايفة أتأثر بقصتها وأعمل حادث معتاد.. أنا تخصص حوادث..
وفي المنزل رافقتها الخادمة لإحدى الغرف وساعدتها على الاستحمام ووو
وبعد تناول الغذاء كان يبدو الارتياح على (ن) التي فرحت كثيرا بقطتي فهي مغرمة بالقطط..
وأكملت الحديث..

قالت: وصلت للمبنى المخصص ومن ثم دعوني لمكتب ما لا أدري ماهو...
دخلت المكتب وكان هناك ثلاث رجال أمن،
قال لي كبيرهم بأدب تفضلي بالجلوس، وجلست.. معاملتهم كانت مهذبة، ولكن أعينهم جد مخيفة.. أو ربما رهبة الموقف هي من أخافني فلا أعرف حقيقة...
سألني أحد الرجال الواقفين، أين تقيمين، فقلت بعمان، قال أين؟ فأجبت بالنزهة، قال أين بالنزهة؟ قال قريب من مخبز فرح عمارة.... رقم... صح؟؟ صدمت فعلا وقلت أجل صحيح.. قال عدد إخوتك 9 ووالدتك مريضة ووالدك عامل في البريد يتقاضى راتب... صح؟ صدمت وقلت أجل... قال نحن نعرف كل شيئ، أنت تدرسين أدب إنجليزي في أزهر غزة صح؟ بقيت صامتة فلايحق لاي متجنس أردني أن يكون بغزة... قال ذهبت لهناك خلال العامين 6 مرات صح؟ لم أجب.. قال أنت فلسطينية أكيد..صح؟ لم أجب.. قال أنت تحملين جواز سفر سنتين وهو بمثابة وثيقة سفر للفلسطينين وسنسحب هذه الوثيقة بمجرد أن تصبح لهم دولة... وتعلمين أن غزة تحت السيادة الفلسطينية التي كانت سابقا تحت السيادة المصرية، ومع ذلك ذهبت لها، فأنت بهذا تتلاعبين على القانون وانت حاصلة على هوية فلسطينية رقمها........ والهوية جنسية ويُمنع على أي فرد عربي حمل جنسيتين عربيتين كان من كان.. وبالتالي قررنا نحن المذكور العقيد ركن..... سحب وثيقة سفرك رقم ...... على أن يتم ترحيلك الآن للجسر الحدودي الفاصل بين الأراضي الاردنية وفلسطين...( علمت أدق التفاصيل حينما أوكلت (ن) لي القضية )
صوت مدبرة المنزل هو من أخرجني من صدمتي، معلنة أن أمي تريد محادثتي على الهاتف... تركت (ن) تبكي ذكراها القريبة وحدثت أمي الحبيبة،

عدت لها بعد فترة وكانت هادئة... كنا في الغرفة أربعة
هي وقطتي وأنا والصمت رابعنا... ولاصوت على الإطلاق سوى صوت زخات المطر في الخارج...
كسرت الصمت سائلة (ن) ماذا حدث بعد ذلك؟؟ مهما حدث فها أنت حية الان على الأقل.. فقالت لي بل ميتة ولكنك لاتدرين ماتقولين او تفعلين... (ماذا تقصد؟؟؟ هذا السؤال خطر بذهني ولكنني لم أعلق بل تركتها تكمل قصتها)
قالت: تم ترحيلي الساعة الرابعة تقريبا، وحتى أهلي لم أودعهم.. ومالي وملابسي عند أهلي، حملوني كما أنا بما كان معي ورموني وكأنني كلب أجرب على الحدود(نقطة وسط بين الحدود الفلسطينية والاردنية)
كل ما أملكه بضعة دينارات بمحفظتي الصغيرة والهدايا التي إشتريتها.. ترجيت الجانب الاردني أن يسمحو لي بمحادثة أهلي على الأقل، ولكنهم رفضو.. فما كان مني سوى التوجه للجانب الاسرائيلي لعبور الجسر.. نظرت لي يهودية هناك بكل رفق الدنيا.. فلم أجد نفسي إلا وأنا أجهش بالبكاء... فجاءتني بسرعة .. ولا أدري كيف فعلتها ولكنني إرتميت بين أحضانها وأجهشت بالبكاء.. بكاء ذل وحرمان وقهر.. بكاء حسرة وألم.. هدأتني بكل رقة.. فقلت في نفسي هذه يهودية وأنا من أشد الناس عداوة لها وها هي تحضنني.. والاردنيين مسلمين ورموني.. هذه إحترمتني لانني إنسانة وفقط انسانة لا لشيئ آخر.. وهم طردوني ورحلوني وأنا أقسم بالله إنسان من لحم ودم...قالت لي الجندية أن إسمها ليلى.. فقلت لها انت تتحدثين العربية جيدا.. فأجابت أنها من (الدروز) وستوصلني لغاية المنفذ الامن.. وبالفعل بارك الله فيها سهلت علي كل الامور وكانت أسهل مرة وآخر مرة أدخل فيها بهذه الطريقة... فما علي الان سوى نسيان أهلي تماما.. فمستحيل دخولهم لغزة.. وأنا مستحيل عودتي للاردن... وأجهشت بالبكاء....
حاولت تهدئتها ولكن لم أفلح .. ولاحظت أن حرارتها إزدادت في البداية قلت بنفسي ربما بسبب البكاء وو...
ولأنها مجرد حرارة فإتصلت بطبيب الأسرة ( د.خلف) وبالفعل ترك كل شيئ وحضر... فحصها ولم يجد عندها أي شيئ ولا حتى أثر للزكام او الحمى فهي كانت مبللة اليوم صباحا وتلبس ملابس صيفية.. المهم قال الطبيب أن الحرار خطيرة وليست مسألة بسيطة كما يعتقد البعض، ولذا أعطاني مجموعة تحاليل لابد منها ومؤقتا أعطاها مزيل للحرارة وإبرة مهدئ.. سهرت طول الليل وأنا أحاول تنزيل الحرارة بواسطة(كمادات مياه باردة) وفكرت قائلة أنني لا أعرف منزل أي من أقاربها حتى أنني لا أعرف سوى إسمها الشخصي فقط.. وهذا خطأ مني... بقينا على هذا الحال إلى أن حل الصباح... وذهبنا للمركز التخصصي لعمل اللازم من التحاليل التي ستظهر نتيجتها بعد ثلاث أيام، وذهبنا لشراء ملابس ووو لها وأوصلوني هي والسائق للعمل وهي عادت للمنزل،
في المساء أكملت لي (ن) القصة كاملة تقريبا
فقالت:


يتبع ..
__________________

لا تُجادل الأحمـق..فقد يُخطـئ الناس في التفريـق بينكمـا
الرد مع إقتباس