عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 06-07-2005, 09:13 AM
rajaab rajaab غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 112
إفتراضي نداء حار إلى المسلمين

[size=5]نداء حار إلى المسلمين







أيها المسلمون

لا يرتاب أحد أنكم وصلتم إلى الحضيض في الهبوط الروحي، والتخلف المادي، والتأخر الفكري، والانحطاط السياسي. ولا يشك أحد أن العلاقات الإسلامية في مجتمعكم قد دُمرت تدميراً تاماً، وحلت محلها العلاقات الرأسمالية، أي علاقات أنظمة الكفر. ولا يمتري إنسان أن روابط الأخوّة الإسلامية بين الشعوب المسلمة قد تقطعت، وحلت محلها روابط القومية، أي روابط العصبية القبلية، وأن هذه الأخوّة الإسلامية سائرة في طريق تقطيع روابطها في القطر الواحد فضلاً عن الشعب الواحد، لتحل محلها روابط الأرض المسماة بالوطنية. ولم يبق بين أيديكم من أفكار الإسلام إلاّ أحكام العبادات، ومن المشاعر الإسلامية سوى المشاعر الكهنوتية. وهذا كله صار واضحاً لكم وضوح الشمس، تدركونه أنتم كما يدركه فيكم غيركم من أبناء الأمم الأخرى. ولكن الذي لا تدركونه أنتم ويدركه عدوكم هو ما أنتم مشرفون عليه من خطر انقراض هذه الأمّة الإسلامية العريقة، انقراضاً تمحي فيه سيماها المميزة، وتدمَّر نتيجة له فضائلها الخاصة، وتنعدم من جرائه نفسيتها الخيّرة، وتنحرف بسببه عقليتها النيرة، وتذوب منه شخصيتها الإسلامية، لا سيما وأن المسلمين الذين يرتفع ولاؤهم للإسلام على كل ولاء قد قلّت نسبتهم في الأمّة، وأن المؤمنين الذين يجعلون الله ورسوله والجهاد في سبيله في رأس سلّم القِيَم قد صاروا أندر من الكبريت الأحمر، وأن الشعور بمرارة هزيمة المسلمين أمام الكفار قد مات ولم يعد يحس به إلاّ القليل ممن لا يؤثّرون في سير الحياة.

لقد ظل الصراع بين الأمّة الإسلامية كأمّة وبين الكفار كشعوب وأمم ثلاثة عشر قرناً متوالية، وظل الكفاح بين الإسلام كدين وكطريقة معينة في الحياة وبين الكفر هذه طوال الثلاثة عشر قرناً الماضية، حتى إذا كان القرن الثالث عشر الهجري -التاسع عشر الميلادي- تحدى النظام الرأسمالي -وهو نظام كفر- نظام الإسلام في أفكاره ومشاعره. وما هي إلاّ جولة قصيرة حتى هُزم المسلمون أمامه هزيمة فكرية، أعقبتها الهزيمة السياسية المدمرة. ولكن الإسلام لم يُهزم ولن يُهزم لأنه وحده الحق. ولكن أنى له أن يبقى في حلبة الكفاح وقد هُزم أهله، ولم يدرِكوا موقعه في الكفاح؟

أما هذا التحدي للإسلام في أفكاره فقد كان الهجوم على الأفكار الإسلامية يوسعونها نقداً وتزييفاً، وكان في تحديه له أن يوجِد حلولاً للمشاكل المتجددة والمتعددة فيبيّن حكمها وكيفية معالجتها. فكان موقف المسلمين من هذين الأمرين في منتهى الضعف، فحاولوا المقاومة محاولات فاشلة عوجاء، ثم انهزموا لا يلوون على شيء.

لقد هاجم النظام الراسمالي تعدد الزوجات فقال هذه همجية، يتزوج الرجل النساء واحدة واثنتين وثلاثاً وأربعاً، فما هذا إلاّ إهانة لكرامة المرأة. وهاجم الطلاق، فقال إنه غدرٌ بالمرأة وتقويض للبيت، كيف يباح للرجل أن يطلق المرأة متى شاء وقد رُبط بينهما برباط أبدي؟ وهاجم الخلافة فقال إنها دكتاتورية، وكيف يسلَّم الحكم وجميع صلاحياته لرجل واحد عُرضة للخطأ وعُرضة للاستبداد؟ وزعموا أن له قداسة دينية ترفعه عن النقد والمحاسبة. وهاجم الجهاد فقال إنه عدوان على الشعوب، وسفك لدماء الناس، وهو وحشية ما بعدها وحشية. وهاجم القضاء والقدر، فقال إن هذا استسلام لحوادث الزمان، وتثبيط عن النهوض بأعباء الحياة.

وهكذا أخذ يبحث عن الأحكام الشرعية، وعن الأفكار الإسلامية، ويتتبعها، ثم يوسعها نقداً وتجريحاً، ويبين أنها أفكار فاسدة تناقض الحق، وتعالج المشاكل معالجة سيئة. وأخذ إلى جانب ذلك يعرض حلولاً لمشاكل، ويتساءل ما هو رأي الإسلام فيها؟ وهل هو قادر على أن يوجِد حلولها لها؟ فيسأل عن السكورتاه أي التأمين ما حكمها؟ ويسأل عن العلاقات التجارية بين الدول ما هو الحكم الشرعي فيها: هل يقول بحرية المبادلة أم يقول بالحماية التجارية؟ ويسأل عن النظام النيابي والانتخابات الحرة: ما هو موقف الإسلام منها؟ ويسأل عن النزعات في التشريع: هل يقول الإسلام بالنزعة المادية أم بالنزعة النفسية؟ وهل يعتبر روح النص أم يعتبر النص وحده؟ ويسأل عن الحريات العامة كالحرية الشخصية وحرية الرأي والحرية الدينية، هل جاء الإسلام بشيء منها؟ ويسأل عن الناحية الروحية هل هي التفكير والفكر، أم هي الأخلاق والفاضل، أم هي ما يقوله القدماء: الروح المقابلة للجسم وأن الإنسان مركب من جسم روح؟

وهكذا يتتبع المشاكل التي حدثت وتحدث للإنسان، والمشاكل التي تحصل في مجتمع كالمجتمع الرأسمالي ولا توجد في مجتمع كالمجتمع الإسلامي، فيسأل عن حلول لها سؤال استنكار بأن الإسلام قاصر عنها فهو لم يتضمن حلولاً لها، وليس فيه قابلية أن توجَد فيه هذه الحلول.

ثم لم يكتف بذلك، بل هاجم المشاعر الإسلامية، فهاجم التمسك بأحكام الإسلام، وقال هذه عصبية مذهبية وتعصّب ممقوت يجب أن يُترفع عنه. وهاجم بُغض المسلمين للكفر والكفار وحبهم للإسلام والمسلمين، وقال هذه عصبية دينية، فالإنسان أخ الإنسان أحبّ أم كره، فلا فرق بين مسلم ويهودي وقال: لكل دينه ولكل رأيه وكلها آراء، فعلام هذا التفريق بين الأديان وبين البشر في الحب والبُغض. وأحيا بجانب ذلك المشاعر القومية فأثار في التُرك مشاعر السيادة وحرّضهم على العرب، وأثار في العرب مشاعر السيادة وحرّضهم على التُرك، وهاجم الحميّة الإسلامية التي تغضب لحرمات الله، وقال عنها إنها تعصب ديني، وصار يبعث الرضى بترك الإسلام وترك التقيد بأحكامه. ودعا ذلك بالتسامح، وهاجم السخط من نقد القرآن ومن ذم النبي عليه السلام، ومن قدح الصحابة عليهم رضوان الله وقال إن ذلك بحث علمي، فالقرآن يحكي قصة إبراهيم ولا يوجد في التاريخ شخص اسمه إبراهيم هذه قصته، ومحمد يقول إن القرآن من عند الله مع أن هذا القرآن جاء به محمد من عنده بعبقريته وادّعى أنه من عند الله ليقبله الناس. ويقولون أكثر من ذلك ثم يطلبون من المسلم أن لا يغضب من هذا الافتراء وأن يرضى بهذا التجديف باسم البحث العلمي!

وهكذا أخذوا يتتبعون المشاعر التي تعيّنها أفكار الإسلام من سرور وغضب، ومن سخط ورضى، ومن حب وبُغض، فيغيّرون دوافعها حتى تفقد كونها مشاعر إسلامية.

فكان هذا الهجوم على الإسلام بالهجوم على أفكاره وأحكامه، والهجوم على مشاعره، تحدياً صارخاً له. وكان الأمر الطبيعي بل الأمر الحتمي أن يقبل المسلمون هذا التحدي ويخوضوا معهم المعارك الفكرية، بل كان الواجب عليهم أن يبدأوا هم بتحدي الكفر والكفار، لأنهم حملة دعوة وأصحاب رسالة. ولكن الواقع أن المسلمين تخاذلوا أمام هذا التحدي بشكل يبعث السخرية، ويسربَل بالخزي والعار. فانتحلوا العذر للإسلام في قوله بتعدد الزوجات، وصاروا يدافعون عنه بأنه لا يقول بتعدد الزوجات إلاّ في حال العدل. وتهرّبوا من إباحة الطلاق في الإسلام، وقالوا إنه لا يقول بذلك إلاّ ضمن شروط. وقبلوا تهمة الخلافة الإسلامية وسكتوا عنها، وحاولوا في أواخر العثمانيين تحويل نظامها، وبعد إلغائها صاروا يتهربون من ذِكرها، أو لا يجدون الجرأة على الجهر بها. وتراجعوا أمامهم في الجهاد فاعتبروه تهمة يُتهم بها الإسلام، وردوا عليها بأنه –أي الجهاد- حرب دفاعية لا حرباً هجومية، وتنصّلوا من أن يكون الجهاد بدءْ الكفار بالقتال لأنهم كفار. ودافعوا عن القضاء والقدر بأن الإسلام أمرنا أن لا نبحثه وأوّلوه بما يُثبت فيه الخمود والاستسلام.

وهكذا سلّموا للكفار بما قالوه وقَبِلوا أن يكون الإسلام متهماً، وصاروا يدافعون عنه بما يُعتبر هزيمة منكرة أمام تحدي الكفار الصارخ. ولذلك لم يلبثوا إلاّ فترة حتى كانت جميع الأحكام التي هوجمت قد تُركت، وأَخذت أحكام الرأسماليين وأفكارهم تحل محلها.

أمّا المسائل الجديدة والمشاكل التي لا تقع إلاّ في المجتمع الرأسمالي، فقد أوّلوا الإسلام وحرّفوه بالنسبة لها، فقالوا إنه يقول بالمصالح المرسَلة فأينما تكون المصلحة فثَمّ شرع الله، وقالوا الحكمة ضالة المؤمن التقطها أنّى وجدها. وبناء على ذلك حاولوا التوفيق بين المعالجة التي أتى بها النظام الرأسمالي وبين الإسلام، فأخذوها على اعتبار أنها إسلام، وما هي من الإسلام في شيء. فقالوا إن السكورتاه أي التأمين لا يمنعه الإسلام، فبعضهم قال لأنها عقد من العقود، وآخرون قالوا إنه لم يَرِد نهي عنها فهي مباحة والأصل في الأشياء الإباحة، ومنهم من قال إنها ضمانة جائزة قد أجازها الإسلام. وقالوا عن التجارة الخارجية إنها حسب المصلحة، فتسيّرها الدولة حسب المصلحة عملاً بالمصالح المرسَلة. وأجازوا أخذ النظام النيابي على أنه شورى، والشورى قد أجازها الإسلام. واتّبعوا ما يقوله النظام المدني الفرنسي في النزعة النفسية في التشريع فقالوا العبرة بروح النص والمسألة معلقة بالنيّة، وادّعوا على الإسلام بأنه يقول العبرة بالعقود في المقاصد والمعاني لا في الألفاظ والمباني، واستدلوا على ذلك بقول الرسول عليه السلام: (إنّما الأعمال بالنيّات). وزعموا أن الإسلام جاء بالحريات العامة وأمر بها، وأن الإسلام دين الحرية. وساروا على ما سار عليه النصارى بأن الناحية الروحية هي الروح المقابلة للجسم، وأن الإنسان مركب من مادة وروح فلا يغلب الروح على الجسم ولا الجسم على الروح.

وهكذا أُسقط في أيديهم أمام تحدي الكفار فلم يدرسوا المشاكل ليستنبِطوا لها حلولاً أو ليبحثوا عن أحكامها في الكتاب والسنّة، وإنّما أخذوا حلول الغرب لهذه المشاكل كما هي واعتبروا أن هذه حلول إسلامية على أساس أن الإسلام لا يمنعها، أو على أساس ما جاء به بعض الأئمة من المصالح المرسلة لا ما جاء به القرآن والحديث. ولهذا دخلت هذه الأحكام الرأسمالية على اعتبار أنها من الإسلام، ثم ما لبثت أن صارت قوانين في المجتمع ومعاملات للمسلمين دون نظر إلى أنها إسلامية أو غير إسلامية. فثبتت الأحكام الرأسمالية وتنوسي الإسلام. ولهذا سهل قبول تغيير المشاعر ما دام قد سهل تغيير الأفكار، ففشا النفور من التمسك بأحكام الإسلام تمسكاً شديداً باعتباره تعصباً دينياً ممقوتاً، وصار ينفر من التفريق بين المسلمين والكفار وبين الإسلام وسائر أديان الكفر، وأصبحت كلمة القومية تهز المشاعر، ودُفنت الحمية الإسلامية. وصار يُعتبر السخط من مهاجمة القرآن تأخراً وانحطاطاً لأن هذا الهجوم عندهم نقد علمي نزيه.

وبذلك انمحت المشاعر الإسلامية، ولم يبق منها إلاّ المشاعر الكهنوتية، مشاعر العبادة. فكان هذا كله هو الهزيمة المنكَرة التي هُزِمَها المسلمون أمام تحدي النظام الرأسمالي للإسلام.

وكاد يكون هذا هزيمة للإسلام لو كانت الأفكار الإسلامية التي هوجمت ليست حقاً وصدقاً بأن كانت باطلاً كما وصفها المهاجمون، وكانت الأفكار الرأسمالية المهاجِمة ليست باطلاً وكذباً بأن كانت حقيقة مطابِقة للواقع، ولو كانت المشاعر الإسلامية التي هوجمت مشاعر غير جديرة بالإنسان بأن كانت مشاعر تتنافى مع القِيَم الرفيعة ومع فطرة الإنسان. ولو كان الأمر كذلك لَما اقتصرت الهزيمة على المسلمين في أفكارهم التي يحملونها، وعلاقاتهم التي يتعاملون بحسبها، ووضعهم السياسي فحسب، بل لأدت هذه الهزيمة إلى محو الإسلام من الوجود الفكري والوجود النفسي كما مُحي من الوجود السياسي.

ولكن الواقع كان غير ذلك، ولهذا كانت الهزيمة في تحدي النظام الرأسمالي للإسلام هزيمة للمسلمين وليست هزيمة للإسلام، ولذلك فإن عوامل إعادة الكرّة على النظام الرأسمالي وعلى الكفر كله لا تزال موجودة كما هي يوم هَزمت الكفر والكفار ألا وهي فكر الإسلام ومشاعره، وهذا ما يبعث الأمل ويذكِّر بأيام النصر، ويحفّز على النهضة، ويحرّك الفطرة الإنسانية، ويجعل العودة إلى حمل الدعوة الإسلامية للعالم إرادة جبارة لا مجرد رغبة وشوق.