عرض مشاركة مفردة
  #21  
قديم 06-07-2005, 09:44 AM
rajaab rajaab غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 112
إفتراضي

[فإذا كان هذا بالنسبة لالمانيا وروسيا والعداء لهما أقل من العداء للإسلام والمسلمين لأنه عداء جديد وعداء الإسلام والمسلمين عداء تقليدي قديم يحتل مركز الشعور وموضع التفكير، ومن أجل ذلك قسموا البلاد الإسلامية إلى دول وشعوب، وقسموا الشعب العربي إلى دول ليكون أيضاً شعوباً، وحاربوا الإسلام حرباً فكرية وحرباً سياسية بدأب متواصل وبحقد دفين، كل ذلك حتى لا تعود الدولة الإسلامية إلى الوجود، ولا تعود الأمّة الإسلامية إلى النهوض. هذا ما يجب أن يدركه المسلمون ويتدبروه لأنه هو سبب الانحطاط وفيه خطر الفناء، وهو الذي يَحُول بيننا وبين الحياة كما ينبغي أن تكون الحياة.

إن عدونا هذا حوّل عداوتنا له من كفر وإيمان إلى استعمار ومستعمِرين، من عداوة مسلمين لكفار إلى عداوة مستعمَرين للاستعمار، وحوّل بُغضنا له من بغض مسلمين لكفار إلى بغض وطنيين لأجانب، وبذلك أنسانا مرارة الهزيمة بوصفنا مسلمين، وأزال عنها كونها هزيمة كفر للإسلام، حتى يتحول كفاحنا له من جهاد نطلب فيه الجنة ونبتغي منه رضوان الله إلى كفاح رخيص كالمظاهرات والاحتجاجات للحصول على الاستقلال، أي على الانفصال عن باقي بلاد الإسلام. ولذلك لا بد من إعادة الصراع بيننا وبينه إلى صعيده الأصلي: صراع بين إسلام وكفر بين مسلمين وكفار. فإن موضوع النزاع بيننا وبينه ليس لكونه مستعمِراً فحسب بل لكونه كافراً مستعمِراً، وفي الدرجة الأولى لكونه كافراً، وسبب جهاده إنّما هو الكفر. ولهذا لا بد أن نعرف عدونا من هو وأن نتخذه عدواً. فإننا إذا لم نعرف جهة العداوة بيننا وبينه والسبب الذي يحمل لنا من أجله العداء لا يمكن إنقاذ أنفسنا من براثنه، وبالتالي لا يمكن التغلب عليه. وإذا لم نتخذه عدواً فإننا ولا شك سنجعل أنفسنا تحت سيطرته، وتحت رحمته، قال تعالى: (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً).

وقد جاء القرآن بكيفية معاملة الكفار بآيات صريحة تقرع الآذان وتوقظ العقول وتهز النفوس وتثير المشاعر، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تُلقون إليهم بالمودّة وقد كفروا بما جاءكم من الحق)، وقال: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء)، وقال: (ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء)، وقال: (بشّر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين)، وقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً)، وقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذي اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قَبلكم والكفار أولياء)، وقال: (إن الكافرين كانوا لكم عدواً مبيناً)، وقال: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يشترون الضلالة بالهدى ويريدون أن تَضِلّوا السبيل والله أعلم بأعدائكم).

هذه هي المعاملة العادية للكفار: حمل العداوة لهم وعدم موالاتهم. فإذا حصلت بيننا وبينهم حرب فعلاً كانت معاملتهم حسب أحكام الجهاد. والانجليز والفرنسيون والأمريكيون والروس وغيرهم من الدول الكافرة هم كفار أعداء لنا، إلاّ أن الانجليز والأمريكان والفرنسيين هم الذين يباشِرون محاربة إنهاض المسلمين وعودة دولتهم، فهم الذين يقفون في وجه بث الأفكار الإسلامية في الطريق السياسي لإعادة الثقة بصحتها وصدقها وصلاحيتها، ولذلك كان من المحتم أن لا بد من الكفاح المرير في سبيل بث أفكار الإسلام، وكان الكفاح إنّما يكون لهؤلاء ولعملائهم من الدجالين والمنافقين.

وهنا قد يَرِد سؤال وهو: أن البلاد الإسلامية صحيح أنها مقسمة إلى دول ولكنها متحررة من الاستعمار ومن سلطان الكفار وحكامها مسلمون، وهي إنّما تحكم بنظام كفر. فالكفاح إنّما يكون لنظام الكفر ولا يوجد أي كفاح للكفار.

والجواب على ذلك هو أن الأمّة الإسلامية منكوبة ببلاءين: أحدهما أن حكامها عملاء للكفار المستعمِرين، وثانيها أنها تحكم بغير ما أنزل الله، أي تحكم بنظام كفر، ولذلك كان لزاماً عليها في البلدان التي فيها دول حكامها ليسوا عملاء للكفار مثل تركيا والأفغان أن تكافح نظام الكفر لإزالته وللحكم بما أنزل الله أي لإقامة الخلافة الإسلامية. أمّا في البلدان التي حكامها عملاء كباكستان والعراق والأردن ولبنان والسعودية وإيران والجمهورية العربية واندونيسيا والسودان وغيرها فإنه فرض على الأمّة أن تكافح عمولة العملاء فتكشفهم وتفضح أعمالهم، وأن تكافح كذلك نظام الكفر لإزالته ولإقامة سلطان الإسلام وحكم القرآن. فهؤلاء العملاء يكافحون قطعاً بث أفكار الإسلام في الطريق السياسي ذاتياً من أنفسهم وبتحريض من الدول الكافرة، لأن الحكام في العالم الإسلامي تملكهم ثلاث حالات قد أثرت عليهم حتى أفقدت بعضهم الإيمان بالإسلام كنظام للحكم وكنهج للحياة وبذلك أصبحوا كفاراً ولو صاموا ولو صلّوا، وبَعَثت في البعض الآخر اليأس من صلاح هذه الأمّة ولكنهم ظلوا يؤمنون بالإسلام كنظام للحكم وكنهج للحياة وأوجدت عندهم جميعاً الشعور بالعجز الدائم عن الوقوف في وجه الدول الكبرى الكافرة إلاّ بالاستناد إلى عمولة دولة كبرى كافرة، فأدى ذلك إلى تصورهم الخطر عليهم وعلى البلاد من أي عمل لإعادة الدولة الإسلامية إلى الوجود.

أمّا هذه الحالات الثلاث فهي: عدم الثقة بالإسلام كمبدأ عالمي للحياة والحكم وعلاقات الدول، وعدم الثقة بالأمّة الإسلامية كأمّة قادرة على أن تقتعد مكان الصدارة بين الأمم الكبرى، والثالث هو الرعب الذي قُذف في قلوبهم من الدول الكبرى الكافرة وما لديها من معدات الدمار ومن أساليب المكر والخداع. ومن أجل ذلك نأوا بجانبهم عن الإسلام وجعلوا ركيزة بقائهم في الحكم الاستعانة بالدول الكبرى والاستناد إليها لا الاستعانة بقوة بلادهم والاستناد إلى أمّتهم. واستسلموا للكفار الحربيين. ولذلك فإنهم سيقاومون إعادة الثقة بأفكار الإسلام وأحكامه، أي سيقاومون بث أفكار الإسلام في الطريق السياسي باعتبارهم أداة في يد الكفار الغربيين. ولهذا فإن المقاوم في الحقيقة هم الكفار الغربيون وليسوا هؤلاء الحكام المسلمين. ومن هنا يجب أن ندرك الصعوبة على هذا الأساس، وأن يُعلم أن هذه هي الصعوبة الأساسية في إنهاض الأمّة وإعادة الدولة، وأن يستعد المسلمون لذلك كل الاستعداد. فإن هذا الكفاح أمر لا بد منه وهو فرض كفرض الجهاد سواء بسواء.

قد يقال إن هناك صعوبة أخرى غير صعوبة الكفاح ألا وهي قدرة الإسلام على مسايرة الزمن، ولا سيما في الأعمال السياسية البحتة. فإن المسألة ليست إقامة دولة فحسب فإن هذه هيّنة، وإنّما المسألة وقوف هذه الدولة في المجال الدولي ومحاولتها أخذ مركز مرموق بين الدول، واستطاعتها التأثير على الموقف الدولي مع ثباتها على أفكار الإسلام، ثم إيجاد علاج للمشاكل التي تقتضيها طبيعة الزمن وتقلباته، فالوقائع تحدث في كل وقت، فلا بد من مسايرة الزمن فيها.

والجواب على ذلك هو أن كلمة مسايرة الزمن كلمة غامضة مبهمة، فإن أرادوا منها أن تُجعل الأحكام متفقة مع ما يسود العصر فهذا لا يجوز، فجعْل الربا حراماً في المجتمع الإسلامي ثم حين يصبح هذا المجتمع تحت حكم نظام رأسمالي ويصير مجتمعاً غير إسلامي ويكون الربا ضرورة اقتصادية لهذا المجتمع حينئذ يُجعل الربا حلالاً في هذا المجتمع. هذا العمر منكَر ولا يجوز أن يكون، بل الربا يظل حراماً إلى قيام الساعة، ولا عبرة بتغير العصر ولا بتغير الظرف ولا بتغير المجتمع، حتى لو أصبح من ضروريات الحياة. فيجب أن يُغيَّر المجتمع لا أن يُغيَّر الحكم الشرعي.

وإن أرادوا من مسايرة الزمن أن توجد حلول للمشاكل التي تَجِدّ مع كل زمن، فهذا أمر لا بد منه. فمثلاً المسلمون كان يستشيرهم الخليفة بدعوة ممثليهم وكان يعرف ممثليهم، فإذا أصبحت استشارة الدولة للناس تقتضي إيجاد مجلس شورى يُنتخب من الناس لأخذ رأيهم فإن هذه الواقعة تُفهم فهماً واقعياً، فيُرى أن مجلساً للشورى ومحاسبة الحكام لا للتشريع ولا لمباشرة الحكم، أمر قد طلبه الشارع، قال تعالى: (وشاورهم في الأمر) (وأمرهم شورى بينهم)، وقال عليه السلام: (أفضل الجهاد عند الله كلمة حق عند سلطان جائر). وعليه يوجد هذ المجلس ويطبَّق في انتخابه حكم الوكالة، لأن هؤلاء الأعضاء في المجلس هم وكلاء عن الناس في الرأي، والوكالة في الرأي جائزة كالوكالة في الخصومة وفي المال وغير ذلك. وما دامت وكالة في الرأي فإن لكل إنسان أن يوكِل من يشاء في الرأي، رجلاً كان أم امرأة، مسلماً كان أم غير مسلم، وأن يتوكل عمن يشاء، رجلاً كان أو امرأة، مسلماً كان أو غير مسلم. إلاّ أن غير المسلم لا يتوكل في التشريع لأنه أحكام شرعية وهي لا تكون لغير المسلم، ولا في حصر المرشَّحين للخلافة لأنه لا يبايِع الخليفة إلاّ المسلمون. أي لكل إنسان أن يوكل غيره وأن يكون وكيلاً عن غيره في كل ما أعطاه الشرع حق مباشرته بنفسه. فلكل من يحمل تابعية الدولة أن ينتخب من يشاء وأن يُنتخب هو عمن يشاء في مجلس الشورى. فهذا الحكم ليس مسايرة للزمن وإنّما هو اتساع في الشريعة، أي أن الإسلام عالج كل مشكلة تحصل في كل زمن.