عرض مشاركة مفردة
  #22  
قديم 06-07-2005, 09:46 AM
rajaab rajaab غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 112
إفتراضي

وإن أرادوا مسايرة الزمن في الأعمال المباحة كأن تحدث مباحات لم تكن فيُختار منها ما يتمشى مع الأذواق السائدة، كأن يلبس قبعة بدل الطربوش لأنه يعيش في أوروبا مثلاً، وكأن يتخذ لنفسه حجّاباً ومواعيد. فإن هذا أيضا وإن ظهر فيه أنه مسايرة للزمن ولكنه قيام بفعل مباح بغض النظر عن الزمن.

وإن أرادوا اختلاف المعاملات في العلاقات الدولية باختلاف الظروف والأحوال، فهذا جائز، ولكن جوازه إنّما يكون بحسب الأحكام الشرعية. فمثلاً تعقد الدولة الإسلامية مع إحدى الدول الكافرة معاهدة حسن جوار وترفض أن تعقدها مع دولة أخرى، فهذا جائز، إذ تسير حسب ما ترى من مصلحة، فالرسول صلى الله عليه وسلم عقد معاهدات حسن الجوار مع بني مدلج وحلفائهم من بني ضمرة وهاجم غيرهم من القبائل.

ومثلاً يجوز للدولة الإسلامية أن تمتنع عن فتح بلاد وحكمها بالإسلام مع قدرتها على ذلك لأمر يتعلق بالموقف الدولي أو بالخطط الخاصة بالدولة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم عقد معاهدة مع يوحنة بن رؤبة صاحب ايلة على أن يعطي يوحنة الجزية للمسلمين ويؤمِّن الرسول له سفنه وقوافله في البحر والبحر، وأقرّه على أن يبقى حاكماً على قومه على كفرهم، أي أقرّهم على الكفر وعلى حكم الكفر. وكذلك فعل بأهل جرباء وأذرح مع الإقرار على الكفر وعلى حكم الكفر. وهذه القبائل الثلاث كانت إمارات من إمارات بلاد الروم، وكان الرسول قادراً على احتلالهم، فقد كان في تبوك معه ثلاثون ألفاً وقد هرب جيش الروم منه لمجرد سماعه عنه قبل أن يلقاه، فكان قادراً على احتلال هذه الإمارات ولكنه تركها.

ومثلاً الحكم الشرعي أن يدفع الكفار الجزية للدولة الإسلامية ولكن قد تغير الظرف فتقوم الدولة الإسلامية بدفع جزية للدول الكافرة لظرف طرأ عليها، فالرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب رأى أن الكرب اشتد على المسلمين ووصل الحال عند بعضهم إلى حد الشك بنصر الله، وقد وصف الله تلك الحال بقوله: (إذ جاؤوكم مِن فوقكم ومِن أسفل منكم وإذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتُلي المؤمنون وزُلزلوا زلزالاً شديداً)، في هذه الحال قام الرسول صلى الله عليه وسلم بمناورة يُفتّت فيها تكتل الكفار ويجعل بعضهم يرجع عن القتال، فبعث إلى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر وإلى الحارث بن عوف بن أبي حارثة المضري –وهما قائدا غطفان- ففاوضهما على أن يعطيهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه، فقَبِلوا ذلك وجرى بينهما صلح حتى كتبوا الكتاب، وقبل أن يوقِّع الكتاب بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فذكر لهما ذلك واستشارهما به، فقالا له: يا رسول الله، أمْراً تحبه فتصنعه أم شيئاً أمرك الله به لا بد لنا من العمل به أم شيئاً تصنع لنا؟ قال: بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلاّ لأني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم (أي اشتدوا عليكم) من كل جانب فأردتُ أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما. فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه، ولا هم يطمعون أن يأكلوا منا مترة إلى قِرىً أو بيعاً، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزّنا بك وبه نعطيهم أموالنا؟ والله ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلاّ السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنت وذاك. فتناول سعد الصحيفة فمحى ما فيها من الكتاب ثم قال: ليجهدوا علينا.