عرض مشاركة مفردة
  #16  
قديم 06-07-2005, 09:37 AM
rajaab rajaab غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 112
إفتراضي

[size=5]
وهكذا استُبدلت القوانين الغربية بالقانون الإسلامي، أي وُضع التشريع الغربي مكان التشريع الإسلامي. إلاّ أنه حين فعلوا ذلك وكانوا يخشون من الرأي العام الإسلامي، وكان الوصف الذي تقوم عليه الدولة في الموقف الدولي وفي العالم الإسلامي هو الإسلام، وأنها دولة إسلامية، لذلك أُخذت هذه القوانين واستُصدرت الفتاوى بأنها قوانين إسلامية أي وضعت عليها اسم قوانين إسلامية. ولكن هذه العملية لم يُحتج إليها في مصر، وكان يحكمها محمد علي وبنوه كعملاء لفرنسا، لذلك أُدخلت القوانين الغربية بشكل صريح دون لف أو دوران. ففي سنة 1301هـ الموافق 1883م وُضع القانون المدني المصري القديم نُقل نقلاً عن القانون الفرنسي باللغة الفرنسية، ثم تُرجم إلى اللغة العربية ترجمة. وهكذا حلّ التشريع الغربي محل التشريع الإسلامي عملياً في الدولة الإسلامية فلم يظل لها إلاّ اسم الدولة الإسلامية. وسيطرت الأفكار الغربية على جمهرة المفكرين وسائر المتعلمين، كما سيطرت على السياسيين وعلى الوسط السياسي كله، وصار لها وجود في باقي الأوساط. ولذلك كان زوال الدولة الإسلامية أمراً مقرراً ولم تبق المسألة إلاّ مسألة وقت ليس غير، لأن الأمّة الإسلامية تخلت عن نظام الإسلام عملياً في القضاء والحكم، وزُعزعت ثقتها بصلاحيته للعصر الحديث، ولأن الذين يتولون تطبيق نظام الإسلام صاروا يرون ضرورة تركه وأخذ النظام الرأسمالي. ولم تبق المسألة عندهم إلاّ مسألة أسلوب الأخذ، ولهذا لم يكن سقوط الدولة الإسلامية وزوال الخلافة أمراً مفاجئاً، فالأمّة وصل فيها الحال إلى حد أن يقوم الشريف حسين وهو يدّعي أنه ابن بنت رسول الله، وهو يتولى إمارة الحجاز فيُعلن الحرب على الخليفة من مكة المكرمة، من جوار بيت الله الحرام، بجانب الكفار الانجليز الذين يُعتبرون أعداء الإسلام، ثم لا يجد في الأمّة من يستفظع هذا الأمر.

لا شك أن ذلك لن يحصل والإسلام هو الذي يتحكم في أفكار الأمّة ومشاعرها، ووصل الحال إلى أن ضابطاً من ضباط الجيش العثماني الجيش الإسلامي هو مصطفى كمال يخرج على الخليفة وينشئ حكومة غير حكومته في أنقرة، ثم يحاربه ثم يخلعه ثم يزيل الخلافة من الوجود، ولا يجد الجرأة في الأمّة أن تقف في وجهه ولا أن تنصر خليفة المسلمين عليه، بل تقف بجانبه ولا يعارضه إلاّ القليل ويُقتل واحد فقط من معارضيه، فسقطت الخلافة ومُحيت من الوجود. هل يمكن أن يحصل ذلك والإسلام هو الذي يتحكم في أفكار الأمّة ومشاعرها؟

وكان من الطبيعي أن يُحدِث إلغاء الخلافة الإسلامية من الوجود، والمحافظة عليها كالمحافظة على العقيدة الإسلامية سواء بسواء، هزة عنيفة، فكان المنتظر طبيعياً أن يهتز العالم الإسلامي كله لإلغائها وأن تحصل رجة عنيفة في كل مكان من أجلها، ولكن الواقع أنه لم يحصل شيء من ذلك، وما جاوز التأثر سوى أفراد في البلاد التركية لم يصلوا إلى درجة جمهور، وأفراد قلائل يُعدّون على الأصابع في البلاد العربية لا قيمة لهم ولا وزن، بل على العكس وقفت البلاد العربية تؤيد الخائن الأكبر الشريف حسين وأولاده الخونة فيصل وعبدالله الذين شهروا السيف ضد خليفة المسلمين، وحاربوا في صفوف الكفار الانجليز الجيش الإسلامي، وكانوا يشتركون مع الكفار في قتال المسلمين وقتلهم. هؤلاء وقفت البلاد العربية تؤيدهم ولم يظهر عليها أي تأثر على الخلافة، وظهر في مصر تأثر على أفراد ظهر في قصائد بعض الشعراء، وفي محاولة عقد مؤتمر للخلافة في السنة التي أُلغيت فيها سنة 1924 وكان شعب الهند أكثر أبناء الأمّة الإسلامية تأثراً على زوال الخلافة الإسلامية. وقد كان شوقي رحمه الله من أكثر الشعراء تأثراً على الخلافة، وبرز تأثره في قصيدته التي قالها في رثاء الخلافة والتي قال فيها:

عادت أغاني العرس رجع نواح ونعيت بين معالم الأفراح

كفنت في ليل الزفاف بثوبه ودفنت عند تبلج الأصباح

شيعت من هلع بعبرة ضاحك في كل ناحية وسكرة صاح

ضجت عليك مآذن ومنابر وبكت عليك ممالك ونواح

الهند والهة ومصر حزينة تبكي عليك بمدمع سحاح

والشام تسأل والعراق وفارس أمحا من الأرض الخلافة ماح؟

وأتت لك الجمع الجلائل مأتماً فقعدن فيه مقاعد الأنواح

يا للرجال لحرة موؤدة قتلت بغير جريرة وجناح

ثم ينتقل بعد ذلك إلى بيان أن الذين داوت حربهم لأعداء المسلمين جراح الخلافة التي أصيبت بها، هؤلاء قد كان صلحهم مع الحلفاء قتلاً للخلافة وإلغاءً لها وأنهم قد هتكوا بأيديهم أعظم فخر لهم ومزقوه، وأنهم نزعوا خير ما يُتحلى وخلعوا أفخر ما يُلبس، وبين عشية وضحاها بأسرع مما يتصور العقل أطاحوا بمجد الدهر الذي عمروه في قرون فيقول:

إن الذين أست جراحك حربهم قتلتك سلمهمو بغير جراح

هتكوا بأيديهم ملاءة فخرهم موشية بمواهب الفتاح

نزعوا عن الأعناق خير قلادة ونضوا عن الأعطاف خير وشاح

حسب أتى طول الليالي دونه قد طاح بين عشية وصباح

ثم يتحدث عن رابطة الخلافة كيف أنها فُصمت عُراها وقد كانت أكبر علاقة تصل الأخ بأخيه وتجمع الأرواح إلى بعضها، وأنها كانت تنظم المسلمين بنظام واحد وصفّ واحد في جميع الأحوال، وبيّن أن هذا العمل إنّما فعله شرير سيئ الخلق قليل الحياء فيقول:

وعلاقة فُصمت عُرى أسبابها كانت أبر علائق الأرواح

جمعت على البر الحضور وربما جمعت عليه سرائر النزاح

نظمت صفوف المسلمين وخطوهم في كل غدوة جمعة ورواح

بكت الصلاة وتلك فتنة عابث بالشرع عربيد القضاء وقاح

ثم يعلن أن ما قعل هذا الشرير الوقح إن هو إلاّ كفر براح أي كفر واضح يُرتكب جهاراً، وهو يشير هنا إلى الحديث الشريف في شأن طاعة الخلفاء الظالمين (قيل: يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، إلاّ أن تروا كفراً بواحاً)، فالشاعر يقول إن ما فعله هذا العربيد من إلغاء الخلافة كفر براح أي ينابَذ عليه بالسيف، فيقول:

أفتى خزعبلة وقال ضلالة وأتى بكفر في البلاح براح

ثم ينحي باللائمة على الأتراك لسكوتهم عنه فيقول: هؤلاء الذين ألغيت الخلافة فيهم ولم يفهموا معنى إلغائها إنّما خُلقوا للحرب، فلا يتكلمون إلاّ بالحرب ولا يسمعون إلاّ بلغة الحرب. ويقصد من ذلك الطعن بفهمهم لمعنى هذا الأمر الفظيع الذي أوجدوه فيهم، فيقول:

إن الذين جرى عليهم فقهه خلقوا لفقه كتيبة وسلاح

إن حدثوا نطقوا بخرس كتائب أو خوطبوا سمعوا بصم رماح

ثم يعتذر عن مهاجمته لمصطفى كمال وقد كان يمدحه بأنه إنّما يسير مع الحق حيث كان، والحق أولى من الرجال حرمة وأحق منهم بالنصر، والرجل مهما عظمت شخصيته فإنه يُهزم إذا ما هوجم بالحق، فيقول:

أستغفر الأخلاق لست بجاحد من كنت أدفع دونه وألاحي

مالي أطوقه الملام وطالما قلدته المأثور من أمداحي

هو ركن مملكة وحائط دولة وقريع شهباء وكبش نطاح

أأقول من أحيا الجماعة ملحد وأقول من رد الحقوق اباحي؟

الحق أولى من وليك حرمة وأحق منك بنصرة وكفاح

فامدح على الحق الرجال ولمهمو أو خل عنك مواقف النصاح

ومن الرجال إذا انبريتَ لهدمهم هرم غليظ مناكب الصفاح

فإذا قذفت الحق في أجلاده ترك الصراع مضعضع الألواح

ثم يطلب أداء النصيحة لمصطفى كمال لعله يرجع عن غيّه، فقد أزال الإسلام عقيدة وشريعة من الدولة ومن شؤون الحياة ووضع مكانه نظام الكفر النظام الرأسمالي والشريعة الغربية وعقيدة الكفر عقيدة فصل الدين عن الدولة، فيقول:

أدوا إلى الغازي النصيحة ينتصح إن الجواد يثوب بعد جماح

إن الغرور سقى الرئيس براحه كيف احتيالك في صريع الراح

نقل الشرائع والعقائد والقرى والناس نقل كتائب في الساح

ثم يهاجم الأتراك لأنهم تركوا مصطفى كمال يفعل ما يشاء، فقد رفعوه إلى مصاف الآلهة في التعظيم وأطلقوا يده فيهم حتى تناول كل ما حرم الله، واغترّ بطاعة الجماهير له، وأن ذلك قد كان لأن الأمّة لم تكن في ذلك الوقت واعية، والأمّة غير الواعية لا تدرك قيمة المجد ولا تستميت بالمحافظة عليه ولا تعطي منه إلاّ السراب اللماع، فيقول:

تركته كالشبح المؤلّه أمة لم تسل بعد عبادة الأشباح

هم أطلقوا يده كقيصر فيهمو حتى تناول كل غير مباح

غرته طاعات الجموع ودولة وجد السواد لها هوى المرتاح

وإذا أخذت المجد من أمية لم تعط غير سرابه اللماح