الموضوع: جسد بلا روح
عرض مشاركة مفردة
  #64  
قديم 22-03-2004, 07:52 AM
أطياف الأمل أطياف الأمل غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2000
الإقامة: على نفحات الأمل
المشاركات: 3,246
إفتراضي

تريدني أن أنساها؟


فتح فيصل عيناه بتثاقل.. تمدد في الفراش ثم نظر إلى الساعه.. نهض بسرعة من الفراش وأخذ ساعته من على الطاولة ونظر إليها.. صاح بذهول:الساعة العاشرة والنصف؟ يا إلهي لقد نمت اثنى عشر ساعة! هداك الله يا روز.. لو أني نمت في السيارة لكنت صحوت منذ زمن بعيد وذهبت لأرى ابنتي!
تثاءب ثم قال: سأذهب لأغتسل وأتوضأ فأصلي الفجر.. ويحي من تعبي لم أستطع النهوض للصلاة..
نهض من السرير.. وذهب ليغتسل.. وبعد نصف ساعة كان جاهزا للخروج..
لبس ملابسه وارتدى ساعته.. سرح شعره وابتسم للمرآة ثم خرج..
نظر إلى غرفة روز.. ابتسم وقال: صباح الخير يا مالكة القلب..
أخذ طريقه متجها إلى الاسفل.. وهناك صادف سعود..
- صباح الخير يا ابن العم..
قال فيصل محييا سعود..
- صباح النور يا فيصل.. كيف حالك؟؟
- أنا بخير والحمدلله.. وأنت كيف حالك؟
- أنا بخير.. مبارك عليك الصغيرة..
- أشكرك.. وبانتظار أن أبارك لك طفلك.. ولكن متى؟؟
ضحك سعود وقال: ليس قبل أن أطمئن على أختي سعيدة في بيت زوجها..
آلمت جملة سعود فيصل فلقد بان ألمه على وجهه.. ربما لم يعتقد أن روز قد تتزوج يوما.. كما فعل هو!
قال سعود مغيرا مجرا الحديث: أخبرني يا فيصل.. كيف هي الصغيرة؟ روز أليس كذلك؟
أجاب بثقة: أجل.. روز الصغيرة.. الحمدلله هي بخير..
- وعلى من أشباهها؟؟ أنت؟ أم أنها أخذت من أشباه العم سام؟
ابتسم فيصل وقال مسترسلا: لا لم تأخذ أشباههم.. بل هي تشبه روز.. لها مثل عيناها السوداويتين القاتلتين.. ونفس الاهداب الكثيفة..التي هي كرماح تصيب القلب فتجعله أسيرا لها.. وحاجباها المتشابكان بغرور وخيلاء.. هما قاربا النجاة.. أتعلق بهما بعد أن تلفظني سهام أهدابها.. وتلك الشامة التي تعلو خدها فتؤكد لمن يراها أن جمالها مميز.. لا يشبهها بشر أبدا..
وجهها يا سعود.. كفلقة القمر.. جميلة بجمال صافي عذب.. تسحر الالباب لجمالها.. آه يا سعود.. أحس أني سأفقد عقلي ما أن تكمل ابنتي عامها الاول..
ربت سعود على كتف فيصل وقال: حفظها الله لك يا فيصل..
صمت سعود قليلا ثم أردف قائلا:
- فيصل.. لا تحتاج أن أوصيك بابنتك والاهم بزوجتك.. فهم كل ما تملك الان.. وأجل ما تملك.. انسى الماضي يا أخي.. انساه بكل ما يحمل من ذكريات.. حلوة كانت أم مرة.. أنت الان لك حياتك.. فاعتن بحياتك..
فيصل يا أخي.. اطوي صفحة الماضي.. ولا تعود فتقلب الصفحات إليها من جديد.. امحها من شريط حياتك.. فذلك أفضل لك ولابنتك وزوجتك..
تنهد فيصل بقوة ثم قال: وما العمل إن كان الماضي هو حياتي؟؟ أفأستغني عن حياتي ذاتها؟ سعود.. أعلم ما تلمح له.. تريدني أن أنسى روز.. أليس كذلك؟
- أجل هذا ما قصدته..ذلك أفضل لك صدقني..
- سعود.. أتعلم من هي روز بالنسبة لي؟ دع ما في القلب للقلب يا أخي.. ولكن ثق بأني أحاول.. ليس من أجلي فقط.. بل من أجل روز.. روز الصغيرة.. وروز العمر.. أنا من فرط بروز وأنا من يجيب أن يجني ثمار غلطته.. أليس كذلك؟ سأبذل كل ما في وسعي لأجل ابنتي.. وبإذن الله أستطيع..
- بإذن الله يا ابن عمي.. بإذن الله..
- عن إذنك يا سعود.. سأذهب للمستشفى.. فلقد تأخرت على ابنتي..
- إذنك معك..ولكن يا فيصل.. الا تريد أن تأكل شيء؟فأنت لم تأكل شيء منذ الامس..
- لا شكرا يا سعود.. فأنا لا أود أن أتأخر أكثر.. سآخذ لي كوب من القهوة فيما بعد..
- حسنا..كما تشاء..
- إلى اللقاء يا سعود..
- إلى اللقاء..
خرج فيصل من المنزل واتجه إلى سيارة.. شغل السيارة.. وفي غضون ثوان.. انطلق باتجاه المستشفى..
* * * *
وفي تلك الاثناء.. كانت جولي تأكل في نفسها.. تكاد تموت من التفكير.. ترفع الساعة تارة.. وأخرى تضرب بيدها على السرير.. وتارة ثالثة ترفع سماعة الهاتف..فتتصل بفيصل ولكنه كان مغلقا..
قالت أمي لجولي: كفاك يا ابنتي.. ارتاحي.. فيصل بخير..
قالت بحدة: أعلم أنه بخير.. ولكن ما يثير أعصابي أنه يتركني هنا في المستشفى ولا يحضر.. ولكأنه ارتاح مني.. والساعة الان الثانية عشرة الا ربع.. فأين هو؟؟ وماذا يفعل طوال النهار؟؟
- يا جولي.. الغائب عذره معه.. فالتمسي لزوجك العذر يا عزيزتي..
- حسنا سنلتمس له العذر.. ولكن ويله إن حانت الساعة الثانية عشرة ولم يأتي..
أطلقت أمي زفرة غضب وأشاحت بوجهها عن جولي.. حانت الساعه الثانية عشرة وبالفعل.. حضر فيصل في الوقت المحدد.. تأخر قليلا رغم أنه وصل إلى المستشفى منذ الحادية عشرة والنصف.. لأنه ذهب ليرى ابنته.. ذهب إليها.. أخذ يحدثها ويخبرها عما جرى معه.. عن حبه لها..وعشقه لعينيها.. ولكأنها تفهم ما يقوله.. ثم بعد أن فرغ من حديثه مع ابنته.. استأذنها قليلا واعدا اياها بالعودة.. وذهب لزوجته..
مر على بائع الزهور.. اشترى لها باقة من الزهور الجميلة الملونة.. ومن ثم.. اتجه إليها.. طرق باب الحجرة.. ودخل وابتسامته تعلو وجهه.. الا أنها زالت وتلاشت بل ماتت على شفاهه ما أن رأى وجه جولي العابس..
قال فيصل: صباح الخير يا حبيبتاي..
ردت أمي:صباح الورود يا حامل الورود.. كيف حالك يا بني؟
- أنا بخير يا أمي..
اقترب من جولي متجاهلا عبوسها.. قدم إليها الزهور.. وقال:
- تفضلي يا أم روز..
أخذت الورود منه وبلا مبالاة رمتها أمامها..
ابتلع فيصل حنقه وقال متظاهرا بأن شيء لم يكن: كيف حالك اليوم؟
نظرت إليه بازدراء وقالت: بخير..
وأشاحت وجهها عنه..
وعندما أحست أمي بأن الجو بدأ يتوتر بينهما.. قالت: استأذنكما يا أبنائي..
خرجت أمي وأغلقت الباب خلفها.. وهنا استغلت جولي الفرصة..فقالت بحدة: هل لك أن تخبرني أين نمت ليلة البارحه؟
أجابها ببرود: في بيت خالتي.. لقد اتصلت وأخبرت أمي.. ألم تخبرك؟
- بلى أخبرتني.. ولكن قل لي.. لماذا لم تخبرني أنت بذلك؟ والاهم لماذا نمت هناك؟ أليس لديك بيت؟ بلى لديك.. فلماذا نمت هناك؟
- لا شيء سوى لأني كنت تعبا ولم أستطع أن أذهب للبيت.. فدعتني روز للمبيت في منزلهم.. ماذا في هذا؟
- هناك الكثير يا سيد.. أولا نمت في بيت غريب.. ليس بيتك.. ومن ثم كيف تنام في منزلهم وأنت وروز في المنزل وحدكم؟ الا تخجل من نفسك؟؟
ثارت ثائرة فيصل عندما قالت هذا الكلام وقال صائحا: اسمعي يا جولي.. أنا لم أفعل ماهو عيبا أو حراما.. ومن ثم لم نكن وحدنا في المنزل.. سعود كان في المنزل وأحمد أيضا.. وحتى لو كنا وحدنا في المنزل.. ماذا في هذا؟ روز ابنة عمي ومثل اختي نورة.. ولا تنسي يا جولي أني متزوج ولدي ابنة.. فهل سأفكر بغير زوجتي وابنتي؟؟
أجابت جولي بتحد: لا لم أنسى.. ولكن يبدو أن شخصا آخر هو من نسى أنه متزوجا..
- ماذا تقصدين؟
- أقصد أنك لم تفكر أن تطمن زوجتك أم ابنتك أنك بخير.. ولم تكلف نفسك العناء فتفتح محمولك لأكلمك أنا فأذكرك أن لك زوجة وابنة تسأل عنهم..
- في هذه صدقت.. أنا أعتذر.. ولكني نسيت المحمول مقفلا في السيارة.. ولم أتذكره سوى الان..
- حسنا.. أخبرني.. أين كنت طوال النهار؟؟ ظللت أنتظرك ولم تأتي!
- صحوت من نومي متأخرا.. اغتسلت وارتديت ملابسي وحضرت في الحادية عشرة والنصف..
اتسعت عيناها وقالت: منذ الحادية عشرة والنصف أنت هنا ولم تأتني؟؟ أين كنت إذا؟؟
رد ببرود: كنت عند ابنتي..
- عند ابنتك؟؟ من الحادية عشرة والنصف حتى الثانية عشرة؟؟
- أجل..
- وماذا تفعل عند ابنتك؟ أتذهب لها قبل أن تأتي لي؟
- أفعل ما أفعل.. جولي ما بك؟ هل تغارين حتى من ابنتك؟
- أنا لا أفعل.. ولكن كان من المفروض أن تأتي لي أولا.. وليس أن تذهب لهذه الصغيرة التي لا تفهم شيء.. أموت وأعرف ماذا كنت تفعل عندها كل هذا الوقت؟؟ أتتأمل جمالها؟ أم تتحدث معها؟
أطلق فيصل زفرة غضب وقال:لا حول ولا قوة الا بالله.. جولي كفى.. إن لم تسكتي سأخرج وأتركك..
أحست جولي بغلطها فقالت: لا أرجوك.. لا تخرج وتتركني..
- إذا ستسكتين؟
- أجل أجل.. ولكن لا تخرج..
- حسنا..
- فيصل..
أجاب باقتضاب: نعم..
- أتعلم أني سأخرج اليوم؟
- حقا؟ وروز الصغيرة؟
- أهذا كل ما يهمك؟ روز الصغيرة؟
- جولي!! هل عدنا؟
- اعذرني لم أقصد.. أجل سنخرج معا.. أنا وروز.. فلا حاجة لأن تبقى في المستشفى أكثر..
ابتسم فيصل بعمق وقال: الحمدلله لك يارب.. سأذهب لأخبر ابنتي وأعد أوراق خروجكما..مع السلامه يا جولي..
طبع قبلة على جبينها وخرج بسرعة دون أن يدع لها المجال للحديث..
قالت بغضب: يتركني أنا ليذهب فيتحدث مع الصغيرة تلك.. وما الذي تفهمه هي؟؟ سأريه ما إن يعود..

وفي الحضانة.. كان فيصل يجلس بقرب ابنته.. نظر إليها بعطف وقال: روز حبيبتي.. ستعودين مع أبيك اليوم إلى المنزل.. ستنيرين منزله يا صغيرتي..
سكت ثم أردف: أعلم أنك فرحة كما هو أبيك.. أعدك يا صغيرتي أني لن أفرط بك أبدا.. أبدا مدى حياتي.. أحبك يا روز يا ابنتي..
قبّل فيصل ابنته.. ثم ذهب ليكمل الاجراءات.. إجراءات خروج جولي وروز الصغيرة..من المشفى.. إلى بيتهما الهادئ..


يتبع...
الرد مع إقتباس