عرض مشاركة مفردة
  #42  
قديم 06-11-2005, 04:05 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

المنظومة الأخلاقية عند العرب :



(2)



كما هو معروف فان فكرة القومية ، هي فكرة حديثة ، وان كان السلوك وفقها سلوك قديم ، وان البقعة المكانية بما تحتويه من مخزون حضاري و سلوكي ولغوي هي ما تصبغ البلاد مع سكانها بصبغة تختلف عن بقاع أخرى ..

فتكرار المفردات اللغوية وتكرار ردات الفعل إزاء ما يدور حول الفرد ، وتقييم ردات فعل الآخرين تجاه فعله ، يشبه الى حد كبير مسألة التوفيق بين صنبوري الماء النازل من فتحات ( دش الحمام ) .. فان كان الماء باردا أو حارا فان الجسم لا يطيقه .. وهكذا هي حالة مواضعة التعايش بين الفرد أو الفئة مع المجتمع الأوسع ..

فان ذهب أحدنا و كان أصله من البادية أو الريف الى المدينة فانه لا يحتاج الكثير من الوقت حتى يهتدي لفكرة التوازن و المواضعة بين سلوكه و منظومة أو منظومات سلوك الآخرين .. وهكذا نفعل اذا خرجنا من بلادنا و أقمنا للدراسة أو للتجارة في بلاد غير عربية ، فسرعان ما نتكيف ونلتزم بضوابط و منظمات سلوك من نحن في ضيافته ..

لا يشترط أن نقتنع أو نحب عادات و سلوك الآخرين الذين ننتقل اليهم ، بل لضرورات التعايش غير المحرج فاننا سنتكيف ، وان كان ذلك على مضض . وعندما ننفرد بأنفسنا أو أسرنا التي نشأنا بينها ، فاننا لا نحتاج الى من يقول لنا عودوا الى سابق عهدكم في سلوككم .. فان كنا لم ننشأ على استخدام الشوكة والسكين ، فاننا وان عشنا مدة نستخدمها بإتقان في ضيافة مجتمع آخر .. سرعان ما نعود الى طرق تناول الطعام على نهج أهلنا ..

هذا ينسحب على مفردات اللغة أو اللهجة أو اللغة نفسها . كما ينسحب على منظومة القيم التي ينظر بها الى أمور كبرى كالدين والسياسة والدولة ، وغيرها من محاور نشاط المجتمع العام ..

وكلما طال الزمن كلما انصهرت جزئيات الذات الفردية بالذات المجتمعية .. حتى يصبح من الشذوذ التفكير بالذات الفردية أو الفئوية مقارنة بالذات المجتمعية الأوسع ..

هذا يدفعنا الى وجوب التسليم بإمكانية تعايش الأعراق والأديان والطوائف في مكان واحد ، اذا اهتدوا الى الكيفية التي يتعاملون بها مع بعضهم البعض ، ومع مرور الوقت فان الانصهار بين جزئيات سلوكهم ، ستصنع حالة من الاستعداد للتلاقح الفكري و الوثوب من قبل الجميع للدفاع عن تلك المنظومات الفكرية التي تكونت على مرور الزمن ..

لقد عشت في مدينة الموصل أكثر من عشرة سنوات ، وتلك المدينة بها من الأخلاط العرقية والطائفية ما لم يكن موجودا في أي مدينة بالوطن العربي .. فمن عرب الى أكراد الى تركمان الى شبك الى جرجر الى آثوريين و فليحي وغيره من الأعراق و الطوائف .. لم يكن لدي أي استثناء أو استهجان من أي نوع من الناس هناك ، فكان لي أصدقاء و جيران يفيضون طيبة وود ، وحسن استقبال و حسن معاملة .. بل أن من ربى ابني و بنتي البكر هم من الشيعة الشبك ..

لم أستطع التعرف على عرق و طائفة أصدقائي بيسر ، لأنهم كانوا متشابهون في كل شيء في النخوة و تفقد الصديق و الاستقبال بالبيت ، وتقييم ما يحدث على مستوى الوطن والأمة ..

انك لو سرت في سيارتك في أحد الشوارع العامة ، فانك ستصدف سيارات من موديلات مختلفة منها الحديث والثمين ومنها القديم و قليل الثمن .. ولكنهم يلتزمون كلهم بقواعد السير .. وانه من الشذوذ أن يفتح أحدهم نافذة سيارته باهضة الثمن ويسخر من الذي في جانبه اذا كانت سيارته قديمة ، فان فعل ذلك فانه سيواجه إما بشتيمة أو بنظرة ازدراء و امتعاض مستتر !

تتعايش أصناف من الكائنات الحية مع بعضها وتقتسم ما كتبه الله لها من رزق وتتقاتل أحيانا اذا تم التعدي على خصوصية فرد من أفراد هذا الصنف .. و أحيانا تتعايش أنواع من الكائنات الحية في بقعة واحدة ويلتزم كل نوع حسب ما سخر له من إمكانيات ..

ونحن البشر نتعايش مع غير من الكائنات الحية بالإضافة لتعايشنا مع أبناء جنسنا البشري . ونتعظ من أنه إذا هاجمنا ( نحلة ) فانها تحاول الدفاع عن نفسها بلدغة مؤلمة ، وهي تعلم أنها ستفقد حياتها بعد خروج حوصلة اللدغ !

في إفريقيا العربية ، تعرض المغرب العربي من ليبيا حتى موريتانيا لاحتلال الرومان لستة قرون .. وعند دخول المسلمين الفاتحين سرعان ما اعتنق سكان تلك المناطق الدين الجديد ، بل و أصبحوا فاعلين في الفتوحات الاسلامية الأخرى . في حين لم يعتنقوا دين المستعمر الروماني الذي احتلهم ستة قرون .

ان الاستعداد في التلاقح الفكري عند شعب شمال إفريقيا ، هو ما يفسر سرعة انخراطهم بالدين الجديد وذودهم عنه ، وهو ما يرجع تشابه الأصول العرقية عندهم مع أصول الفاتحين . في حين لم يبقي سكان اسبانيا و البرتغال على دينهم الاسلامي ، بعد خروج العرب ، لانعدام استعداد التلاقح الفكري بين العرقين .

اننا ونحن نذكر ذلك ، نؤكد على تشابه أصول القاعدة الخلقية لدى سكان الوطن العربي من المحيط الى الخليج ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس