عرض مشاركة مفردة
  #10  
قديم 06-11-2006, 11:37 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

علاقات الإنتاج ومخازن الرأي العام ..

لا يختلف أبناء أي منطقة إذا ما تساوت ظروفهم المعيشية والثقافية والسياسية في تقييم ما يدور حولهم وإعطائه صفة محببة أو مكروهة، وطبعا سيكون هناك من يشذ عن قاعدة المجموع العام، عندما يرتبط الوضع القائم بمصلحته إيجابا، فعندما تشترك عموم الآراء الفردية أن الوضع العام سيئ على صعيد ما أو حتى على كل الأصعدة، سيكون هناك بعض الآراء تقول عكس ذلك، وهذه الآراء تعود لفئات أو أفراد مستفيدين من الوضع القائم، وسيكون أثرها بالتأكيد أقوى من مجموع الآراء الرافضة للوضع حتى لو كانت نسبتهم تفوق التسعين بالمائة.

والأمر بسيط في معرفة سبب أثر تفوق رأي الأقلية على الأكثرية، وهو أن تلك الأقلية منظمة ومرتبطة بمركز تقاسم المصلحة فيما بينها، وبيدها وسائل الترغيب والترهيب والإعلام، فهي تستطيع أن توظف و تعلم وتشغل وترقي من تريد وتستطيع أن تمنع و تحرم وتحط من قدر من تريد ..

في حين أن الأكثرية مبعثرة تولول و تحوقل و تثرثر في أماكن ضيقة وتعتبر أن ليس هناك من يسمع رغم شكوتها المستمرة، وغالبا ما يكون كلامها بشكل شتائم، وتخشى أن يصل هذا النوع من الكلام الى الجهات الأمنية، فيتعرض من يتكلم الى مزيد من المعاناة!

وعندما يدعى الناس لحضور ندوة أو محاضرة أو مؤتمر، فإنه لن يحضر، وإن الحضور هم نفسهم الذين يحضرون اجتماعات تناقش البطالة أو الوضع في فلسطين أو الديمقراطيات أو المفاعلات النووية في لوكسمبورغ، ستجدهم هم نفسهم بالإضافة الى بعض كتبة التقارير من العناصر الأمنية التي ملت حتى وظيفتها الرتيبة تلك.

وإن سأل أحدهم سؤالا ، فإنه يسأله بهمة مهزوزة وكلمات منحوتة وحذر أو تهور من صياغته، بحيث أنه لا يترك أثرا مفيدا من حضوره لتلك الاجتماعات. إن وضعا كهذا يضيف مدماكا في الجدار الفاصل بين البؤس والتوجه نحو التحضر والعمل المدني النافع للشعب والدولة معا.

كما أن هناك ثقافة مسفهة لكل تجمع، فمن الهجوم على الأحزاب ومضايقتها ليس من الدولة فحسب بل من مجموعة وعاظ ومستقلين يبرروا عدم انتمائهم لأحزاب بتسفيه العمل فيها، وهم بذلك يساعدون أجهزة الحكم دون أن يكون تنسيق فيما بينهم، كما أن العمل النقابي يعاني من نفس الظاهرة، حيث يكون عدد المنتسبين للنقابة يصل الى عشرات الآلاف في حين أن من يتصدره وينطق باسمه لا يزيدون عن عدة عشرات وفي أحسن الأحوال بالمئات، دون أن يكون بينهم وبين عموم المنتسبين أي صلة عضوية تعطي للنقابة قوتها وأثرها.

إن سن القوانين يحتاج الى خبراء بالقانون وخبراء بالمهنة وشؤون المواطنين الأخرى، وإنه لمن المنصف أن نقول أن كوادر الحكومات العربية لا زالت تتفوق في هذا الجانب على المعارضة وبمسافة غير متقاربة، والسبب يعود الى عدم الجاهزية عند الفئات المعارضة للتعامل مع الصيغ القانونية، ومع ذلك تبقى القوانين المشرعة أو المصاغة من قبل أجهزة الحكومات العربية دون المستوى المطلوب فوقت صياغتها من قبل خبراء قانونيين يحيلوها على مجالس برلمانية غالبا ما تفتقر لقدرة على التعامل مع مثل تلك الصيغ، بل أن في الكثير من الأحيان يتغيب عن جلسات البرلمان حوالي نصف الأعضاء.

إن المعارضات العربية تتناول القانون بعد صياغته من قبل أجهزة الدولة، وتنتقده بقسوة، ويكون ذلك بعد صدوره بزمن، مما يجعل من تعديله أو تغييره صعوبة تأخذ زمنا ليس بالقليل ..

إن خير من يفهم أوضاع العمال هم العمال أنفسهم، وإن بحث قضاياهم في نقاباتهم ودعوة المختصين من نقابة المحامين أو حتى رجال الحكومة وبعض البرلمانيين، يجعل من الصيغة النهائية للقانون أقرب للرضا من قبل كل الأطراف، لكننا نعلم كم هو وضع العمال مهلهل تنظيميا ونعلم أن قضايا العمال لا يتبناها لا صحفيون ولا سياسيون ولا العمال أنفسهم، وهذا عائد لعدم وضوح تلك الطبقة بين الناس وضوحا ثابتا، فعمال البناء مثلا، لا يستديمون في مهنتهم طويلا بل يغيرونها متى ضاقت بهم الحياة، ومثلهم الكثير من المهن.

إن النقابات العمالية والمهنية و تجمعات الفلاحين والحرفيين، تعتبر من أفضل مخازن الرأي العام المتخصص بمهنة، ودفعهم والاعتناء بتلك التجمعات يحسن بل ويصعد بقضية سن القوانين الى مرحلة ترفع من الشأن الاقتصادي والشأن السياسي المرتبط به ارتباطا حثيثا ..

وإن كانت الأحزاب و المنتديات الفكرية، تهتم بالجانب الدعائي في عملها السياسي، فإن تلك التنظيمات المدنية (النقابات وغيرها) تعتبر الجانب الإداري الذي يجعل من الخطاب السياسي أقرب للحياة اليومية التي تهم المواطنين.

وفي حملات الانتخابات للبرلمانيين، الذين توكل لهم كل الدساتير مهمة سن القوانين ( كسلطة تشريعية) ، فإن ممرات النقابات والتجمعات المدنية أصبحت ضرورية لكي يمر بها المرشح للانتخابات البرلمانية، للاستماع إليه من قبل جمهور الناخبين الممتهنين لمهنة ومعرفة ما يقول في شأن مهنتهم، وعليهم التقرير إن كان يستحق أصواتهم أم لا. كذلك إن المرشح بمروره في تلك الممرات سيكون على علم كبير في قضايا ناخبيه المهنيين، فلا يغادر عندما تطرح قضاياهم ولا يكون كأن تلك القضايا تطرح عليه أول مرة ..

وسنتناول موضوع التصويت والديمقراطية في المرة القادمة ..
__________________
ابن حوران