عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 29-08-2004, 03:24 AM
Ali4 Ali4 غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: May 2003
الإقامة: الوطن العربي - ومن القطر الفلسطيني تحديدا !
المشاركات: 2,299
إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى Ali4
إفتراضي

فمن الجهة التي تقف وراء القاتل؟

في مثل هذه التشابكات البوليسية المعقدة، سبق أن أشرت في مقال - لم يُنشر إلا مجزوءاً عام 1997 - الى أنه في الجرائم السياسية من الخطأ تضييع الجهد في الملابسات البوليسية ، بل يجب تركيز الانتباه الى السؤال الذهبي في هكذا حال: من المستفيد من عملية القتل؟

بالعودة الى أعمال ناجي، نرى بوضوح أنه مسّ الكثيرين في رسومه من الدول الى الأحزاب، الى الهيئات السياسية، الى العديد من الشخصيات السياسية، وكم يبدو الشاعر محمود درويش محقاً عندما يتساءل في مقدمته لكتاب ناجي الأول (دار السفير – 1997): "مَنْ دلّه على هذا العدد الكبير من الأعداء الذين ينهمرون من كل الجهات، ومن كل الأيام ، ومن تحت الجلد أحياناً؟".

فهذا الرسام لم يكن في دفاعه عن قضيته يحسب أي حساب لأي جهة، ولأي قوة، ولم يكن ليرى التكتيكات والمناورات السياسية إلا تنازلات وتفريطاً، فهو ظل يحلم بالقضية في نصاعتها كما كانت عام 1948، وفي نقاء الحق الفلسطيني الذي لا ينازع. هكذا راح في الأعوام الأخيرة من السبعينيات ويشكل خاص بعد الخروج من بيروت الى تونس وإجبار منظمة التحرير الفلسطينية على تقديم التنازل تلو التنازل، والاعتراف بالقرارات العربية والدولية تلو الاعتراف، لم ير في ذلك مساراً إجبارياً فرضته ظروف الهزيمة العربية والفلسطينية، بعد اجتياح بيروت، بل رآة تفريطاً، سببه طبيعة توجهات القيادة ومصالحها وتحالفاتها، وعليه صبّ ناجي على القيادات الفلسطينية غضب رسومه. رسم وقتذاك القادة الفلسطينيين مكرشين، تحولت الكوفية لديهم الى قبعة أمريكية أو الى ربطات عنق أنيقة، مترهّلة مؤخراتهم الى الأرض دون أطراف سفلى، مطبوع على جسومهم أرقام القرارات الدولية المعترفة بالعدو "وحقه" في أرض فلسطين، أصبحت كل سياسات وتصريحات وإجراءات القيادة الفلسطينية تحت مجهر ناجي الكاريكاتيري في إدانة لا تقبل التأويل.
كانت المنظمة - وفتح حصراً - في وضع صعب للغاية، فمن الخروج من بيروت الى الخروج من طرابلس الى حرب المخيمات، في ظل انشقاقات فلسطينية (أبو موسى) وخلط للأوراق وإعادة فرز سياسي وتنظيمي، واستمرار النهج نفسه في الإدارة وترتيب الوضع الداخلي المنخور بالضعف والفساد، كل هذا جعل الكثيرين يضيقون ذرعاً من رسوم ناجي ونقده. في هذا الوضع راحت أكثر من جهة توصل الرسائل إليه بأن يخفف من نقده، فلم يستجب بالطبع، عندها ازدادت الضغوط المباشرة مما أجبر صحيفته على الطلب منه أن يغادر الكويت الى لندن ومن هناك استمرت رسومه تتسم بنقدها الحاد. فأخذت تتوالى عليه الاتصالات المهددة اليومية، ثم جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير عندما نشر رسماً (القبس 24/6/1987) يشير فيه الى إحدى الباحثات بالاسم وتأثيرها في اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، والباحثة معروفة أنها مقربة من إحدى الشخصيات السياسية الفلسطينية، وقيل وقتها إنه تلقى اتصالات تطالبه بضرورة الاعتذار عن الرسم في الجريدة نفسها تحت تهديد التصفية الجسدية، وهو أمر لم يكن ليخطر على بال شخص صعب مثل ناجي، فلم يعبأ بالتهديد كعادته، وبقي يعمل بنفس إيقاعه السابق دون أي احتياطات أمنية الى أن جاءته الرصاصة في وجهه صبيحة 22 يوليو 1987 وليبقى في الغيبوبة لمدة 38 يوماً، وكأن جسده بدوره كان يقاوم بعد أن قاومت ريشته ربع قرن.

ما زال الجرح مفتوحاً

ما زالت الأسئلة مفتوحة، وما زال جرح ناجي مفتوحاً بدوره في صدر محبيه وعشاق فنه ومتابعي رؤيته إضافة الى زملائه الرسامين الى أن ... الى أن ماذا؟

فليس هناك أرشيف فلسطيني (أو عربي) يُفتح بعد عشرين عاماً – مثلاً – مثل العديد من دول العالم الحديثة، لتتضح لنا الصورة الدقيقة لما حدث.

سلام لروحك يا ناجي، سلام لشجاعتك التي لم تبرزها إلا موهبتك.
نم قرير العين ... أحوالنا سوداء، لكن رسالتك وصلت.


منقول