الموضوع: شظايا ذاكرة ..
عرض مشاركة مفردة
  #22  
قديم 26-06-2007, 09:04 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

وقعت في الخمسينات من القرن الماضي .. لم يعد يذكر، هل شاهد القصة بأم عينه أم أنه سمعها في حينها ..

كان سالم الخلف يعمل بحياكة (الطواقي) (جمع طاقية ..غطاء للرأس) و(اللكاليك) وهي جوارب من صوف يلبسها الناس في أيام البرد .. وكانت امرأته (وطفة البركات) تقوم بمداواة الناس بطرق قديمة، باستعمال الأعشاب، أو مواد مستوردة من الحجاز والهند وعُمان مثل (العنزروت والمرمكة والسنامكة وغيرها) كانت تحتفظ بها بطيات غطاء رأسها (العصبة) التي لو فردتها لامتدت عدة أمتار.. كان الناس يتعرفون على وطفة دون أي يرونها من خلال الروائح النفاثة التي تنبثق من غطاء رأسها ومن على بعد عشرات الأمتار..

كانت لحيتها مدققة بوشم أقرب للون الأخضر بنقاط واسعة لكل ضربة وشم تتسع لاحتواء حبة عدس، وكانت تبدو لمن يراها كأنها مخلوق من العهد السومري نسيه الموت .. وفوق ذلك كانت تحمل معها علبة تحتفظ بها ببعض التبغ و دفتر لورق رقيق تصنع بواسطة أوراقه لفافات من التبغ تدخنها عندما تنزل في ضيافة ناس، أو تحل غصبا عنهم في ضيافتهم .. كانت قليلة المكوث في بيتها، وزوجها (سالم الخلف) لا تعجبه حالة غيابها عن البيت، فقد كانت تنسى في كثير من الأحيان أن تحضر له الطعام .. لكنه كان قليل التذمر والتبرم ونادرا ما كان يفاتحها بضرورة تصويب وضعها ..

في تلك الليلة، عادت (وطفة البركات) الى البيت، وكانت قد نسيت أن تأخذ مفتاح بوابة الدار معها.. وكان المفتاح عبارة عن قضيب مربع المقطع من خشب الجوز الذي اكتسب من كثرة استعماله وحمله، لونا بنيا متسخا، وأصبح سطحه مصقولا فوق صقل من صنعه.. وقد ثبت في رأسه قطع من معدن مصقول ومبروم .. فعندما يتم إدخال هذا المفتاح العجيب في مجرى بمغلاق الباب، فإن القطع المعدنية ستتلمس طريقها لتستقر في ثقوب تم عملها لتتلاءم وطريقة صف القطع المعدنية .. وتثبيتها بتلك الطرق العشوائية، هو ما يصعب استعمال مفتاح محل آخر ..

طرقت وطفة الباب منادية على سالم ولكنه لم ينهض ولم يفتح لها الباب، حركت قطعة في البوابة سمح لها تحريكها برؤية سالم يجلس قبالة البوابة ويحيك شيئا بيده .. فصاحت بأعلى صوتها: يا سالم .. يا سالم .. ولكن سالم لم يكلف نفسه بالرد عليها .. فأخذت تصيح ويعلو صوتها في كل مرة، حتى اجتمع حولها بعض الجيران، ورأوا بأعينهم ما رأت .. فصاحوا : يا سالم يا سالم .. ولكن سالم لم يحرك ساكنا .. فقرروا خلع الباب وكسره .. ففعلوا ..

وعندما دخلوا عليه، واستنكروا تجاهله لصياحهم .. قال لهم : أنتم تصيحون على سالم الخلف .. وسالم الخلف أخذ علبة التبغ وخرج ليسهر، أما أنا فلست إلا (وطفة البركات) .. علي الطلاق يا وطفة لن تعودي لي امرأة فطلقها في ساعتها ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس