عرض مشاركة مفردة
  #233  
قديم 13-02-2006, 01:36 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Smile تابـــــــــ توبة مدمن ـــــــــــع

تابـــــــــ توبة مدمن ـــــــــــع

استيقظ الثلاثة قبل الفجر واخذوا يصلون في جوف الليل الاخير ويدعون لصاحبهم الذي يغط في نومه من مفعول الكحول وكانوا يسجدون ويبكون بين يدى الله ان يهديه ويرده لدينه رداً جميلاً وبينما هم كذلك اذ استيقظ ورآهم يصلون قبل الفجر ويبكون ويشهقون بين يدى الله سبحانه وتعالى فدخل في نفسه شيئاً من الخوف وبدأ يستفيق من سكره قليلاً قليلاً، وكان يراقب ما يفعلوه اولئك الشباب في الليل من تحت الغطاء الذى كان يخفى به جسده الواهى وهمومه الثقيلة وخجله الشديد منهم ومن الله عز وجل.
فأخذ يسأل نفسه كيف اذهب مع اناس صالحين يقومون الليل ويبكون من خشية الله وينامون ويأكلون على سنه المصطفى صلى الله عليه وسلم وانا بحالة سكر، وتشابكت الاسئلة في رأسه حتى بدا غير قادر على النوم مرة اخرى، بعد فترة من الزمن اذن المؤذن للفجر فعادوا الى فرشهم وكأنهم ناموا الليل مثل صاحبهم وما هى الا برهة حتى ايقضوه لصلاة الفجر ولم يعلموا بانه كان يراقب تصرفاتهم من تحت الغطاء فقام وتوضأ ودخل المسجد معهم وصلى الفجر وقد كان متزناً اكثر من ذي قبل حيث بدأت علامات السكر تنجلي تماماً من رأسه فصلى الفجر معهم وعاد الى الاستراحة بصحبه اصدقائه الذين احبهم لصفاتهم الجميلة وتمسكهم بالدين واكرامهم له والتعامل معه بانسانية راقية لم يرها من قبل.
بعدها احضروا طعام الافطار وكانوا يقومون بخدمته وكأنه امير وهم خدم لديه ويكرمونه ويسلمون على رأسه ويلاطفونه بكلمات جميله بين الحين والحين، فشعر بالسعادة بينهم واخذ يقارن بينهم وبين جيرانه الذين يقول بأنه يكرههم، انفرجت اسارير الرجل بعد ان وضع الفطور فتذاكروا مع بعضهم البعض آداب تناول الطعام والطعام موجود بين ايديهم هو يسمع ما يقال فأكلوا طعامهم و جلسوا حتى ساعة الاشراق فقاموا وصلوا صلاة الاشراق وعادوا الى النوم ثانية حتى الساعة العاشرة صباحا لكى يتأكدوا من ان صاحبهم افاق تماما من سكره، ورجع طبيعياً لوضعه الطبيعى فأنفرد بصاحبه قليلا وقال له:
كيف اخذتني وانا سكران مع هؤلاء المشائخ الفضلاء سامحك الله سامحك الله، ثم انى وجدت زجاجتي في السيارة فمن احضرها فقال له الشاب الصالح: انا احضرتها بعد ان رأيتك مصر على اخذها وانك لن تذهب معنا الا بها فقال له: وهل شاهدها اصحابك فقال له: لا لم يشاهدوها فهى داخل كيس اسود لا يظهر منها شئيا فقال الحمد لله انهم لم يشاهدوها.
تحركوا بعد ذلك الى مكه و صاحبهم معهم و نفس ما قاموا به في بداية رحلتهم قاموا به بعد ان تحركوا فقرأوا قصار السور وبعض الاحاديث في الترغيب والترهيب اثناء رحلتهم و لكن لاحظوا هذه المرة انه بدأ يحاول قراءة قصار السور بشكل افضل من السابق وخلال الطريق تنوعت قراءاتهم فوصلوا الى مكة المكرمة ودخلوا الى البيت الحرام وكانوا يكرمون صاحبهم السكير كرماً مبالغا فيه في بعض الاحيان املاً في هدايته فطافوا وسعوا وشربوا من زمزم فاستأذنهم ان يذهب الى الملتزم فاذنوا له وذهب وامسك بالملتزم واخذ يبكي بصوت يخيل للشاب الصالح الذي كان يرافقه ويقف بجواره ان اركان الكعبة تهتز من بكاء السكير ونحيبه وان دموعه اغرقت الساحة المحيطة بالكعبة فكان يسمع بكاءه فيبكي مثله ويسمع دعائه فيؤمن خلفه كان يئن وصاحبه يئن مثله، كان منظراً مروعاً ان ترى منظر بهذا الشكل، كان يدعو الله ان يقبل توبته ويعاهد الله ان لا يعود الى الخمرة مرة اخرى وان يعينه على ذلك، فلم يكن يعرف من الدعاء غير يارب ارحمنى يارب اسرفت كثيرا فارحمنى انت رب السموات والارض ان طردتني من باب رحمتك فلمن التجأ ان لم تتب على فمن سواك يارحمن! يارب ان ابواب مغفرتك مفتوحه وانا ادعوك يارب فلا تردني خائباً.
كان دعائه مؤثرا جداً لدرجه انه ابكى المجاورين له، كان بكائه مريراً تشعر بأن روحه تصعد الى السماء حين يدعو ربه، كان يبكي ويستغيث حتى ظن صاحبه ان قلبه كاد أن ينفطر، استمر على هذا المنوال اكثر من ساعة وهو يبكى وينتحب ويدعو الله وصاحبه من خلفه يبكى معه، منظر مؤثر فعلا حين يجهش بالبكاء رجلا تجاوز الاربعين ومتعلق باستار الكعبة، واكثر ما جعله يبكى هو انه كان يقول يارب ان زوجتى اضربها واطردها اذا غبت في سكري فتب على يارب مما فعلت بها، يارب ان رحمتك وسعت كل شئ واسالك يارب ان تسعني رحمتك، يارب اني اقف بين يديك فلا تردني صفر اليدين، يارب ان لم ترحمنى فمن سواك يرحمنى، يارب انى تائب فاقبلني فقل لي يارب لبيك لبيك لبيك عبدي، يارب انى اسالك لا تشح بوجهك عنى، يارب انظر الى فاننى ملأت الارض بالدموع على ما كان منى، يارب انى بين يديك، وضيف عليك في بيتك الحرام فلا تعاملني بما يعاملني به البشر فالبشر ياربي ان سألتهم منعوني وان رجوتهم احتقروني، يارب اشرح صدري وانر بصيرتي واجعل اللهم نورك يغشاني وكره الي حب الخمور ما احييتني يا رب لا تغضب منى ولا تغضب علىّ فكم اغضبتك بذنوبي التى لا تحصى وكنت اعصيك وانت تنظر الي.
كان صديقه في هذه الاثناء يطلب منه الدعاء له فكان يزداد بكاءه ويقول يارب امن مثلي يطلب الدعاء؟!! يارب انى عصيتك خمس وعشرين عاما فلا تتركني ولا تدعني اتخبط في الذنوب، يارب انى فاسق فاجر اقف ببابك فاجعلني من عبادك الصالحين، يا رب اني اسالك الهداية وما قرب اليها من قول او عمل وأنا خاشع ذليل منكسر بين يديك، يارب ان ذنوبي ملات الارض والسموات فتب على يا ارحم الراحمين واغفر جميع ذنوبي يارب السموات والارض، فيشهق ويبكي واحياناً يغلبه البكاء فلا تسمع الا صوت حزين متقطع من النحيب والبكاء.
اذن المؤذن لصلاة العصر فجلسوا للصلاة والسكير التائب مازال متعلقا باستار الكعبة يبكي حتى اشفق عليه صديقه واخذه الى صفوف المصلين كى يصلي ويستريح من البكاء، اخذه معه وهو يحتضنه كأنه أمه او كأنه اباه فصلي ركعتين قبل صلاة العصر كانت كلها بكاء بصوت منخفض يقطع القلب ويدخل القشعريرة في اجساد من حوله، ان دعاء زوجته في الليل قد تقبله الله وأن دعاء الشاب الصالح قد نفع و اثمر، وأن دعاء اصدقائه في الليل له قد حقق المقصود من رحلتهم، ان الدعاء صنع انسان آخر بين ليلة وضحاها، فبدأ يرتعد صاحبهم خوفاً من الله حين احس بحلاوة الايمان، ان الدعاء في ظهر الغيب حقق النتيجه التى تدله على الهداية، لقد اشفق عليه اصحابه في هذه الرحلة من بكاءه، انقضت الصلاة وخرجوا يبحثون عن فندق مجاور للحرم ولازالت الدموع تملأ وجهه، كان احدهم يحفظ القرآن عن ظهر قلب هو الآخر، وكان متواضعا لدرجة كبيرة جداً لا تراه الا مبتسماً فعندما رأى اقبال صاحبهم التائب الى الله زاد في اكرامه وبالغ وأصر ان يحمل حذاء ذلك التائب وان يضعه تحت قدميه عند باب الحرم، هذا التصرف من حافظ القرآن فجر في صدر التائب اشياء لا يعلمها الا الله بل يعجز الخيال عن وصفها حين توصف.
وفعلا حمل حذائهُ مع حذائه وخرج به الى خارج الحرم ووضعهما في قدميه وهو فرح بما يقوم به، استاجروا فندق مطل على الحرم، وجلسوا به خمسة ايام وكان صاحبهم يتردد على الحرم في كل الصلوات ويمسك بالملتزم ويبكى ويبكى كل من حوله، وفي الليل كان يقوم الليل ويبكى، ولا تكاد تراه نائماً ابداً... ففي النهار يبكى في الحرم وفي الليل قائما يصلي ويدعو الله بصوت يملؤه البكاء.
وبعد ان مضت رحلتهم عادوا الى مدينتهم وهم في طريق العودة طلب من صديقه ان يوقف السيارة قليلاً فاوقفها بناء على طلبه فاخرج التائب زجاجة الخمر من ذلك الكيس الاسود امام صديقه ومرافقيه وسكب ما فيها وقال لهم اشهدوا علىّ يوم الموقف العظيم انى لن اعود اليها ثانية واخذ يسكب ما فيها وهو يبكى على ذنوبه التى ارتكبها ويعدد ما فعله باسبابها وكانت عيون مرافقيه تغرغر بالدموع وتحشر كلمات تنطق من اعينهم لا يعرفون كيف يعبرون عنها فكانت الدموع ابلغ من لغة الكلام فبكوا.
وتحركوا بعد ذلك وهم يبكون مثله، وبدأ الصمت يختلط بالنحيب وبدأ البكاء يختلط بالبكاء، وقبل ان يصلوا الى مدينتهم قالوا له: الان تدخل الى بيتك متهلل الوجه عطوفاً رحيماً بأهلك واعطوه نصائح عديدة في كيفية التعامل مع الابناء والزوجة بعد أن منّ الله عليه بالهداية وان يلزم جماعة المسجد المجاور له وان يتعلم امور دينه من العلماء الربانين، فالله عز وجل يقبل توبه التائب ويفرح بها ولكن الاستمرار على الهداية والتوبة من موجبات الرحمة والهداية فكان يقول والله لن اعصى الله ابدا فيقولون له ان شاء الله والدموع تملأ اعينهم.
وصل الى بيته ودخل على زوجته وابنائه وبناته وكان في حال غير الحال التى ذهب بها ولم تحاول الزوجه ان تخفى فرحتها بما شاهدته فاخذت تبكى وتضمه الى صدرها واخذ يبكى هو الاخر ويقبل رأسها ويقبل ابنائه وبناته واحداً تلو الاخر وهو يبكي، وماهى الا فترة وجيزة حتى استقام على الصلاة في المسجد المجاور له وبدأت علامات الصلاح تظهر عليه فأصبح ذو لحية ناصفها البياض وبدأ وجهه يرتسم عليه علامات السعادة والسرور وبدأ كأنه مولود من جديد.
استمر على هذا الحال فترة طويلة، فطلب من امام المسجد ان يساعد المؤذن في الاذن للصلاة يومياً فوافق واصبح بعد ذلك المؤذن الرسمي لهذا المسجد بعد ان انتقال المؤذن الرئيسي الى الرفيق الاعلى، وبدأ يحضر حلقات العلم والدروس والمحاضرات بالمسجد ثم قرر ان يحفظ القران فبدأ بالحفظ فحفظه كاملاً عن ظهر قلب وخلال هذه الفترة كان صديقه الشاب الحليم يزوره بأستمرار ويعرفه على اهل الخير والصلاح حتى اصبح من الدعاة الى الله واهتدى على يديه العديد من اصدقائه الذين كانوا يشربون الخمر معه فيما مضى، واصبح امام للمسجد المجاور له ولا يزال بحفظ الله ورعايته الى يومنا هذا من الدعاة واماماً لمسجد الحى.
__________________