الموضوع: صدام الحضارات
عرض مشاركة مفردة
  #9  
قديم 09-01-2007, 05:21 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

رابعا: تعبئة الحضارات : ظاهرة البلدان ذات القرابة ..


يقول صاموئيل هانتنغتون: من الطبيعي أن تحاول المجموعات أو البلدان المنتمية الى حضارة واحدة، عندما تدخل في حرب مع شعب من حضارة أخرى، الحصول على مساندة الشعوب الأخرى التي تشترك معها في الانتماء الى الحضارة نفسها. ويبدو أن عالم ما بعد الحرب الباردة قد بدأ يتوجه الى هذا الرصف (الحضاري) بعيدا عن الرصف الأيديولوجي كما صوره (د. س. غرينواي) .. في ظاهرة (البلدان ذات القرابة) .

ويضرب (صاموئيل هانتنغتون ) ثلاثة أمثلة تدعم وجهة نظره ..

المثال الأول: في حرب الخليج غزت دولة عربية دولةً عربيةً أخرى، ثم حاربت إئتلافا من دول عربية وغير عربية. وفي حينه لم يفصح سوى عدد قليل جدا من البلدان العربية عن تأييدها صدام حسين. لكن الكثير من النخب العربية هللت له في أوساطها الخاصة. كما حظي بشعبية كبيرة لدى أجزاء كبيرة من الجماهير العربية. وقد أيدت الحركات الإسلامية الأصولية كافة، العراق بدلا من تأييد حكومات الكويت والسعودية التي يدعمها الغرب .

وقد حدث تغير متوقع عندما أضاف صدام حسين لفظ ( الله أكبر) على علم العراق، وهو بهذا يستشعر طبيعة الحرب الحضارية. كما شاركه في ذلك قيادات إسلامية مثل ( سفر الحوالي) عميد كلية الدراسات الإسلامية في جامعة أم القرى في مكة في شريط وزع بشكل واسع ( إنها [ حرب الخليج] ليست العالم ضد العراق، بل الغرب ضد الإسلام) .. كما أن إيران قد ورد على لسان مرشدها (علي خامئني ) متجاهلا الخصومة مع العراق فقال : ( النضال ضد العدوان الأمريكي و أطماع الأمريكيين وخططهم وسياساتهم سوف يحسب جهادا، وكل من يُقتل في سبيل ذلك هو شهيد) .. ورأى عاهل الأردن الملك حسين : ( إن هذه الحرب ضد كل العرب وجميع المسلمين و ليست ضد العراق) ..

وقاد هذا الاصطفاف الشعبي و النخبوي الى انفراط عقد التحالف شيئا فشيئا، ولم يبق منه سوى الكويت والغرب. وقد ظهر مصطلح الكيل بمكيالين عند المصطفين ضد الغرب، في الإشارة للمواقف الغربية تجاه ما يجري في فلسطين والبوسنة والهرسك..

المثل الثاني الذي ضربه المؤلف : هي (ظاهرة القرابة) في نزاع بلدان الاتحاد السوفييتي سابقا. فقد حفزت نجاحات أرمينيا عامي 1992و 1993 تركيا لأن تزيد مساندتها لأشقائها في الدين والعرق واللغة في أذربيجان ومثلما قال مسئول تركي عام 1992: ( نحن، الأمة التركية، نحس بمشاعر الأذريين نفسها. إننا نتعرض لضغط. إن صحافتنا مليئة بصور المذابح، التي تسألنا إذا كنا لا نزال جادين في شأن انتهاج سياستنا المحايدة، ربما ينبغي لنا أن نظهر لأرمينيا أن هناك تركيا كبرى في المنطقة) ووافق الرئيس تورغوت أوزال ، ملاحظا أنه ينبغي لتركيا على الأقل أن ( تخيف الأرمن قليلا) .. وهدد أوزال مرة ثانية عام 1993 بأن تركيا (ستظهر أنيابها) وحلقت الطائرات النفاثة التركية في طلعات استطلاعية على امتداد الحدود الأرمنية، وعلقت تركيا رحلاتها الجوية الى أرمينيا، وأوقفت شحنات الغذاء المتفق عليها ..

في حين كانت الحكومة الروسية والتي كان تعاطفها ووقوفها الى جانب أذربيجان امتدادا لموقف الاتحاد السوفييتي السابق، إلا أنها سرعان ما وقفت كحكومة مسيحية الى جانب الأرمن ضد أذربيجان المسلمة.

المثل الثالث الذي ضربه المؤلف : هو حول تعاطف الرأي العام الغربي، مع المسلمين ضد الصرب (الأرثوذكس ) في حين غض النظر عن جرائم الكروات (الكاثوليك) ضد المسلمين .. وبعد انهيار يوغسلافيا الاتحادية سارعت ألمانيا بالطلب من دول الاتحاد الأوروبي الاعتراف بجمهوريتي (سلوفينيا و كرواتيا) اللتان تخلصتا من السيطرة الصربية الأرثوذكسية .. في حين بقيت روسيا تساند الصرب الأرثوذكس حتى لحظات هجوم حلف الأطلسي عليه، وتمده بالسلاح وتقف معه في المحافل الدولية، رغم حاجتها للتقرب من الغرب..

وفي عام 1993 وصل 4000 مقاتل من الدول الإسلامية كمتطوعين في الدفاع عن البوسنة والهرسك .. وبقيت الدول الرسمية من السعودية وغيرها وحتى إيران تسهم في نقل السلاح الى البوسنيين ..

لا تزال التعبئة على أساس حضاري حتى الآن محدودة، لكنها آخذة في النمو. ومن الواضح أن هناك إمكان لتوسيع انتشارها الى مدى أبعد. ومع استمرار النزاعات في الخليج العربي والقوقاز والبوسنة، فإن مواقف الأمم والانقسامات في ما بينها تقوم بصورة متزايدة على أسس حضارية. وقد وجد السياسيون الشعبويون والزعماء الدينيون ووسائل الإعلام في النمط من التعبئة الحضارية وسيلة قادرة على تعبئة الجماهير والضغط على الحكومات المترددة. ومن المرجح أن تتحول النزاعات المحلية في السنوات القادمة الى حروب كبيرة، مثلما كانت الحال في البوسنة والقوقاز، على الحدود الفاصلة بين الحضارات وستكون الحرب العالمية التالية إذا ما نشبت، حرب حضارات.
__________________
ابن حوران