الموضوع: صدام الحضارات
عرض مشاركة مفردة
  #10  
قديم 11-02-2007, 08:26 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

خامسا: الغرب ضد الباقي

يقول صاموئيل هانتنغتون: إن الغرب حاليا، في أوج قوته، مقارنة بالحضارات الأخرى، فقد اختفت الدولة العظمى الخصيمة له من على الخريطة، والنزاع العسكري بين الدول الغربية فيما بينها أمر لا يُتصور، والقوة العسكرية للغرب بلا منافس. وفي ما عدا اليابان، فإن الغرب لا يواجه أي تحد اقتصادي، وهو يهيمن على المؤسسات السياسية والأمنية الدولية، ويهيمن مع اليابان على المؤسسات الاقتصادية الدولية.

وتتم تسوية القضايا السياسية والأمنية العالمية بطريقة فاعلة بواسطة مجلس إدارة مكون من الولايات المتحدة وألمانيا واليابان، وكلها ترتبط بعضها ببعض بعلاقات وثيقة بصورة غير عادية بما يستبعد البلدان الأقل قوة وغير الغربية أساسا.

إن القرارات التي يتخذها مجلس الأمن أو صندوق النقد الدولي، والتي تعكس مصالح الغرب، تُقدم للعالم باعتبارها قرارات تعكس رغبات المجتمع العالمي، بل أن تعبير (المجتمع الدولي) نفسه أصبح اسما جماعيا ملطفا (يحل محل ((العالم الحر)) الذي كان يطلق أيام الحرب الباردة)، لإضفاء مشروعية كونية على الأعمال التي تعكس مصالح الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى*1

كما أن صندوق النقد الدولي الذي يستخدمه الغرب في رسم سياساته المالية، والذي لا يحظى بتأييد أي جهة في العالم عدا الغرب ووزراء المالية في الدول النامية التي تتعامل معه، في حين تلتقي رؤية بقية سكان العالم مع وصف (جورجي أرباتوف) عن الصندوق ومسئوليه بأنهم (البلاشفة الجدد الذين يحبون الاستيلاء على أموال الآخرين، وفرض قواعد غير ديمقراطية وغربية للسلوك الاقتصادي والسياسي وتقليص الحرية الاقتصادية).

لقد ساد شعور عميق لدى سكان العالم (عدا الغرب) بأن المؤسسات الدولية وبالذات (مجلس الأمن) هي لخدمة مصالح الغرب، والذي يشرع فيه لإرادته ويضرب و يحاصر، ويستفيد من تلطيف تلك القرارات بامتناع الصين عن التصويت، والذي يعطي مسحة ديمقراطية على تلك القرارات!

وفي العالم العربي، بعد أن تم القضاء على أكبر وأقوى جيوشها، تكاثر تهافت الغرب في التواجد بالمنطقة، وأمعن الغرب في حصار ليبيا و إلزامها بدفع تعويضات لحادث (لوكربي) .. كل ذلك عمق من امتعاض شعوب تلك المنطقة ـ ومعهم بعض الحق ـ في النظر، نظرة ازدراء لهذا النظام الدولي.

وقد حاج (ف . س . نايبول) بأن حضارة الغرب هي الأصح، وهي التي يجب أن تسود كل العالم، وقد فاته بأن القيم الغربية عن الحريات وحقوق الإنسان ودور الكنيسة، لا يهتم بها لا اليابانيون ولا الهنود ولا العرب و لا أهل الصين. وقد أوجد مؤلف كتاب (100 دراسة مقارنة في المجتمعات المختلفة) أن القيم الأكثر أهمية في الغرب، هي الأقل أهمية على النطاق العالمي.

ومن المرجح أن يتمثل المحور المركزي للسياسات العالمية في المستقبل ـ على حد تعبير كيشوري محبوباني ـ في النزاع بين الغرب وبقية العالم وردود الحضارات غير الغربية على القوة والقيم الغربية. فإن هذه الردود ستتخذ أحد ثلاثة أشكال أو توليفة منها. ففي طرف قصي تستطيع الدول غير الغربية، مثل بورما وكوريا الشمالية، أن تحاول إتباع مسار العزلة لتعزل مجتمعاتها عن تسلل (الفساد) من الغرب، والواقع أنها تختار بذلك عدم المشاركة في (المجتمع الدولي) الذي يهيمن عليه الغرب، بيد أن تكاليف هذا النهج عالية جدا، وتختاره القلة القليلة من الدول. والبديل الثاني: وهو المكافئ (للانتظام في قافلة عربات الفريق) في نظرية العلاقات الدولية، ويتمثل في محاولة الانضمام الى الغرب وقبول قيمه و مؤسساته. والبديل الثالث: هو محاولة (موازنة) الغرب بتطوير قوة اقتصادية و عسكرية والتعاون مع المجتمعات غير الغربية الأخرى ضد الغرب، مع الحفاظ على القيم والمؤسسات المحلية الأصلية، أي باختصار، التحديث من دون التغريب.
ـــــــــــــــــــ
*1ـ يدعي زعماء الغرب بصورة لا تتبدل تقريبا أنهم يعملون نيابة عن (المجتمع الدولي) .. في 21/12/1990 أشار جون ميجر رئيس وزراء بريطانيا آنذاك، إلى أن الإجراءات التي يتخذها الغرب ضد صدام حسين ، لكنه تدارك على الفور بأن الإجراءات التي يتخذها المجتمع الدولي.. كان على صواب عندما أخطأ.
__________________
ابن حوران