عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 05-06-2003, 02:51 PM
*اليشمـــك* *اليشمـــك* غير متصل
عـــابرة سبيـــل
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2002
المشاركات: 2,220
إفتراضي

- أين مدرستك يا موضي ..؟
- في حي الأمل ..
،
حي الأمل ..؟

شعرت بمثل المسمار يخترق قلبي ..

هذا من المضحكات المبكيات . ما أكثر ما نسمي الأشياء بغير حقيقتها .. ما أكثر ما نزيف المعاني .. والواقع .. والاحلام ..

هذا أفقر أحياء الرياض .. لو سموه (حي اليأس) .. أو البؤس .. أو التعاسه .

الأمل ..؟ إن كان فيه للأمل بصيص .. فوجود هذه (الزهرة) فيه .. هذا الكائن الطفولي الذي تتعرض البراءة فيه للإغتيال ..

تداعت إلى ذهني الصور والمعلومات التي لدي عن حي (الأمل) ، وحاولت أن أفهم العلاقة بين تلك السيارة الفخمة وحي (الأمل) ، حيث تقيم موضي . لا يمكن أن يكون صاحب تلك السيارة يقيم في ذلك الحي ..

لسبب بسيط هو أن ثمنها يعادل قيمة خمسة من (جحور) ذلك الحي ، التي يطلق عليها مجازا .. (منازل) .. كما أن سيارته ستجد صعوبة في إختراق زواريب ذلك الحي ، الذي لا يتسع أحدها ، إلا لمرور سيارة واحدة صغيرة .. ولأن سكان ذلك الحي كذلك .. غالبا ما يتسببون بإغلاق الشوارع ، بايقاف سياراتهم بطريقة خاطئة ، لا تتحملها هذه الطرق ، الضيقة أصلا .

ماذا يكون ...؟

إنه .. (أحدهم) ..

إنه فجور المترفين ، إذ يتربص بعوز المحرومين .. وحرمـان البؤساء ، ليطلق غرائزه .. تفتك بإنسانية البسطاء .. وتفترس الشرف ، والكرامة ..

أعرف هذا الحي . جئته في أحد المساءات ، قبل عام تقريبا ، بصحبة صديق ملتزم ، من الناشطين في الأعمال الخيرية التطوعية .. لتوزيع صدقات عينيه ومالية .

لا أدري كيف أقنعنـي عبدالكريم أن آتي معه . فأنا رغم تعاطفي مع حالات البؤس الانساني ، إلا أنني سلبي جدا في التعاطي معها . أحتاج إلى وقت طويل ، لأتفاعـل مع الحدث ، أو الحالة ، وأحتاج لوقت مثله ، لأترجم التفاعل إلى فعل ..

لم تكن المرة الأولى التي يعرض علي عبدالكريم فيها مرافقته ، للقيام بمهمات من هذا النوع ، وكنت في كل مرة ، أتذرع بحجة مختلفة . لكني أتذكر ، أنه في تلك المره استفزني .. وسخر من (الانسان) البليد ، الجامد في داخلي ، كما قال :

- هل تريد أن ترى البؤس يمشي على قدميه .. هل تريد أن تستعيد شيئا .. شيئا فقط ، من إنسانيتك المهدره ، بين كلام مجرد عن المثل والأخلاقيات ، التي لم تجد لها رحما تتخلق فيه .. لتولد .. وتشب .. وتكبر .. وتمنح الحياة ، لكائنات لم تعرف معنى للحياة منذ خلقت ..

وبين سلوك استهلاكي بشع ، حولتك الرأسمالية المتوحشة من خلاله ، إلى (آلية) من آليات السوق .. أنت في قوائم التحليل الاقتصادي ، عند (آدم سميث) ، وتلامذته .. رقما .. آليه .. قدرة شرائية .. أنت بإختصار .. (لا إنسان) ..

دع عنك الهمهمة المعتادة :

"الله لا يؤاخذنا صرفنا واجد اليوم" ..

اليوم .. وكل يوم .. أنت تفعل الشئ نفسه .. تتقمص نفس الدور المسخ .. (آليه) ..

كأني بك مسرورا ، وهم ينادونك : MR. MARKET MECHANISM

اليوم .. وكل يوم .. أنت تمارس بسادية ، وأد الانسان في داخلك .

تعـال معي لتستعيد إنسانيتك ، حينما يفجرها الألم .. لمشهد الحرمان .. الـذي يصنعـه الفقر ..

تعال لترى الانسان عند نقطة الصفر .. كيف هو ..

أتعلم ماذا يكون الانسان عند نقطة الصفر .. ؟

تستلب الحياة من كل شئ فيه .. إلا عينيه ..

أتعلم ماذا يكون الانسان عند نقطة الصفر ..؟ الكلمات في قاموسه ليس لها أضداد .. أنت تعرف السعادة .. وربما سمعت عن الشقاء ، هو لا يعرف الا الشقاء .

أنت تعرف شيئا اسمه الحزن .. والفرح ، هو لا يعرف إلا الحزن ..

أنت تعرف الشئ ونقيضه ، بدرجات متفاوته .. هو يعرف الكلمة وحدها .. بمعناها السلبي فقط .. بدون أضدادها ، وبأقصى درجاتها قسوة ..

البؤس .. والعجز .. والحرمان .. والألم .. والعري .. والجوع ..
،
،
استفزني عبدالكريم بكلامه ، واستثار التحدي عندي ، فقررت أن أذهب معه .. لأرى هذه (البيئة) التي سوف تعيد خلق الانسان في داخلي ، كما يقول ، ولأتاكد إذا ما كان ذلك (الانسان) الجامد البليد موجودا ..

كنت اتنقل مع عبدالكريم ، من بيت إلى بيت ..

كنت معه في سباق مع الألم ..

في كل مرة يغرس نصلا ..:

- أترى هذا الطفل .. لا يملك إلا ثوبا واحدا .. إذا عاد من المدرسة خلعه .. وخرج إلى الشارع ، يلعب بسروال فقط .. أتدري لماذا ؟ .. ليس لغزا ..

ولا رياضة ذهنية ..

إنه لا يملك غيره .. ويجب أن يبقى نظيفا .. حتى يستطيع أن يذهب به من الغد إلى المدرسة .

لم ينتظر مني تعليقا ..

يتبع ..
__________________






الرد مع إقتباس