عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 19-07-2003, 01:39 AM
د . عبد الله قادري الأهدل د . عبد الله قادري الأهدل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2001
المشاركات: 609
إفتراضي الجزء الثالث..

وهناك المباحات التي يتحول فعلها أو تركها عند المؤمن إلى طاعات وعبادات، فيستكثر من طاعات ربه وطلب ثوابه ومرضاته...

لقد جعل الله تعالى إتيان الرجل امرأته صدقة يكتب الله تعالى له به الثواب، كما يثيبه على ذكره من التهليل والتسبيح والتكبير..

كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه:
أن ناساً من أصحاب النبي قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم.

قال صلى الله عليه وسلم : ( أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهى عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة)..

قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: ( أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر ). [صحيح مسلم، برقم (1006)].

فقد تعجب الصحابة رضي الله عنهم من كون أن الله يثيب الرجل على إتيان امرأته، لأنه من المباحات التي يشتهيها، وليس من العبادات التي كانوا يظنون أن الأجر لا يكون إلا عليها، كنوافل الصلاة والذكر ونحوهما…

فأخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم، أن إتيان الحلال استغناء به عن الحرام يثيب الله صاحبه عليه...

ولما سئل معاذ بن جبل رضي الله عنه: كيف تقرأ القرآن؟ قال:
"أقرأ وأنام، ثم أقوم فأتقوى بنومتي على قومتي ثم أحتسب نومتي بما أحتسب به قومتي".. [صحيح ابن حبان (12/197)].

ومعناه أنه رضي الله عنه، يرجو من الله أن يثيبه على نومه، كما يثيبه على قيام الليل، لأنه يتقوى بالنوم وهو مباح على قيام الليل وهو مندوب إليه.

وفي حديث عطية السعدي، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يبلغ العبد أن يكون من المتَّقين، حتى يدع ما لا بأس به حَذَراً مما به بأس )، [الترمذي، برقم (2451) وقال: "حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه" والحاكم في المستدرك، برقم (7899) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"].

وبهذا يعلم أن المؤمن يستطيع أن يكون في عبادة دائمة لربه، يملأ الله ديوانه بالأجور في كل لحظة من لحظات حياته.

وهو مأمور بالاستمرار في عبادة ربه حتى يلقاه..

كما قال تعالى: (( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ )) [الحجر (99)].

وهو يستطيع أن يكون في عبادة دائمة، في كل أحواله، حتى وهو يتمتع بالمباحات التي تشتهيها نفسه.

فقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يشعرون بقوة الإيمان واليقين، عندما يكونون عند الرسول صلى الله عليه وسلم.

فإذا خرجوا من عنده، وزاولوا أعمالهم المباحة مع أهلهم أو في أموالهم، شعروا بنقص في إيمانهم، فيندمون ويشكو بعضهم إلى بعض، ثم يشكون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيسليهم بأن هذه طبيعة البشر التي لا قدرة لهم على مفارقتها، ويقول لهم: (ساعة فساعة).

فعن حنظلة الأسيدي، قال وكان من كتاب رسول الله، قال:
لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال قلت: نافق حنظلة.

قال: سبحان الله! ما تقول؟ قال قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأى عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، فنسينا كثيراً.

قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: نافق حنظلة يا رسول الله. فقال رسول الله : ( وما ذاك؟ ) قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأى عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيراً.

فقال رسول الله : ( والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة.. ) ثلاث مرات.. [صحيح مسلم، برقم (2750)].

ومع ذلك فما على المسلم إلا أن ينوي بترك المباح وفعله طاعةَ الله تعالى، فينقلب ذلك المباح إلى طاعة يرضي بها ربه، فطعامه وشرابه، وملبسه ومركبه، ورياضته وبيعه وشراؤه، وسفره وإقامته، وتمتعه بالمناظر الجميلة في البر والبحر والجبل والصحراء والغابات، واجتماعه مع أصدقائه .. كل ذلك يكون طاعة وعبادة لله، بسبب إرادته به وجه ربه.

بل إن الله تعالى ليأجر المسلم حتى على اللقمة يضعها في فم امرأته..

كما في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:
(... وإنك لن تنفق نفقة إلا أجرت عليها حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك...) [صحيح البخاري، برقم (6352) ومسلم، برقم (1628)].

وقال النووي رحمه الله:
"وفيه أن المباح إذا قصد به وجه الله تعالى، صار طاعة ويثاب عليه، وقد نبه على هذا بقوله : ( حتى اللقمة تجعلها فِي في امرأتكلأن زوجة الإنسان هي من أخص حظوظه الدنيوية وشهواته وملاذه المباحة".. [شرح النووي على مسلم(11/77)].

و قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"قال بن دقيق العيد فيه أن الثواب في الإنفاق مشروط بصحة النية وابتغاء وجه الله وهذا عسر إذا عارضه مقتضى الشهوة فإن ذلك لا يحصل الغرض من الثواب حتى يبتغي به وجه الله..

وسبق تخليص هذا المقصود مما يشوبه، قال: وقد يكون فيه دليل على أن الواجبات إذا أديت على قصد أداء الواجب ابتغاء وجه الله أثيب عليها..

فإن قوله: ( حتى ما تجعل في في امرأتك ) لا تخصيص له بغير الواجب ولفظة حتى هنا تقتضي المبالغة في تحصيل هذا الأجر بالنسبة إلى المعنى كما يقال جاء الحاج حتى المشاة".. [فتح الباري (5/367)].

مشروع للإجازة الصيفية..

تنظيم الوقت والبدء بالأولويات:
من أهم ما يحرص عليه العقلاء الذين يسوؤهم ضياع أي وقت من أعمارهم، ونحن هنا لا نقصد الكسالى والفارغين الذين يصرون على ضياع أوقاتهم في غير ما ينفعهم في الدنيا والآخرة، فهؤلاء يحتاجون أن يجاهدوا أنفسهم حتى يقنعوها بوجوب الحرص على العمر من حيث هو، وما مضى من نصوص القرآن وصحيح السنة كاف لمن عنده رغبة في استغلال وقته فيما يفيده.

وإنما نقصد هنا أولئك الذين تشتد رغبتهم ويقوى عزمهم على استغلال أوقاتهم فيما ينفعهم وينفع أسرهم وأمتهم، في دينهم وأخراهم، ولكن كثيراً منهم يعوزه تنظيم وقته وترتيب أولوياته، فتراه كثير القراءة كثير الحركة، ولكنه في قراءته وحركاته يخبط خبط عشواء.

تجده يأخذ أي كتاب بدون هدف معين ويبدأ يقلب صفحاته، ويقرأ أسطراً أو صفحات قليلة منه، ثم يقفز إلى موضوع آخر فيقلب بعض صفحاته، وقد يحرك لسان بالقراءة، وذهنه شارد لا يعي شيئا مما يقرأ..

وهكذا يفعل في قراءة الجرائد والمجلات، وقد يفعل ذلك في سماع الأشرطة أو المذياع أو التلفاز... فيمضي الوقت وهو يقفز هنا وهناك، ولا يدري ما ذا يجري...

وهكذا يفعل في كثير من حركاته لا تنظيم لها ولا ترتيب، وفي ذلك من ضياع العمر ومن الخسارة ما فيه.

ولست أزعم أنني سأحدد لأصحاب الإجازات مسافرين أو مقيمين أولوياتهم، فلكل شخص احتياجاته وضروراته، وهو الذي يعلم أولوياته، ولكنه يحتاج إلى تدبر أمره ومعرفة ما ينبغي تقديمه أو تأخيره، فإذا وفقه الله تعالى لذلك ونظم وقته وبدأ بالأهم فالمهم، واستغل وقته استغلالاً مناسباً، فستكون عاقبته النجاح بإذن الله.

وبعد هذه المقدمة أقترح لصاحب الإجازة هذا المشروع، مجرد اقتراح، فقد يكون لديه مشروع أشمل من هذا المشروع المقترح، يغنيه عن اقتراحي.

أولاً: مشروع إيماني:

إن أهم ما يجب أن يحرص عليه المسلم، هو المحافظة على إيمانه، وتقويته، بالازدياد من تقوى ربه بالأعمال الصالحة، فرائضها ونوافلها، فذلك هو الذي يقوي إيمانه، ويقربه إلى ربه تعالى.

وإني أقترح عليك أيها المؤمن شاباً وشابةً وكبيراً وكبيرةً، مقيماً ومسافراً، الأمور الآتية:

الأمر الأول:
قراءة ما تيسر لك من القرآن وأقله نصف جزء يومياً.

الأمر الثاني:
قراءة تفسير بعض الآيات، مفتشاً عن نفسك فيها، جاعلاً لها مرآتك التي يتبين لك فيها حالة قلبك من صفاء وغيره، لتتمكن من صقله باستمرار.

ومن الآيات التي أنصح بقراءة تفسيرها:

1-سورة الفاتحة.

2-الآيات الأولى من سورة البقرة إلى قوله تعالى: (( يا أيها الناس اعبدوا ربكم ))..

3-الآيات الأولى من سورة الأنفال إلى قوله تعالى: (( ولو كره المجرمون )) رقم (8)..

4-الآيات الأولى من سور المؤمنون إلى قوله تعال: (( ثم إنكم يوم القيامة تبعثون )) رقم (16)..

5-الآيات الأخيرة من سورة الفرقان، من قوله تعالى: (( وعباد الرحمن )) رقم (63) إلى آخر السورة..

6-الآيات في سورة الأحزاب، من قوله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم )) رقم (9) إلى الآية رقم (27)..

7-سورة الحجرات..

8-سورة العصر..

9-السور الثلاث في آخر القرآن الكريم..

ويمكنك أن تختار ما يتيسر لك من كتب التفسير، كتفسير القرآن العظيم لابن كثير.. ولو جمعت معه "في ظلال القرآن" قد يكون النفع أكثر.

وإذا كان وقتك أضيق من أن يتسع لهذا الاقتراح، فلك أن تختار ما تقدر عليه...

الأمر الثالث:
قراءة ما يتيسر لك من الأبواب الآتية من كتاب "رياض الصالحين"..

1-مقدمة الإمام النووي للكتاب..

2-بالإخلاص وإحضار النية..

3-باب التوبة..

4-باب الصبر..

5-باب الصدق..

6باب المراقبة..

7-باب اليقين والتوكل..

8-باب المبادرة إلى الخيرات..

9-باب المجاهدة..

10-باب في بيان كثرة طرق الخير..

11-باب في التعاون على البر والتقوى..

12-باب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..

13-باب بان تعظيم حرمات المسلمين..

14-باب الإصلاح بين الناس..

15-باب الوصية بالنساء..

16-باب وجوب أمر أهله وأولاده المميزين..

17-باب بر الوالدين وصلة الأرحام..

18-باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل..

19-باب إجراء أحكام الناس على الظاهر..

20-باب الخوف والرجاء..

21-باب ذكر الموت وقصر الأمل..

22-باب استحباب زيارة القبور..

23-باب الورع وترك الشبهات..

24-باب ترك الكبر والإعجاب..

25-باب العفو والإعراض عن الجاهلين..

26-باب الوالي العادل..

27-باب حفظ السر..

28-باب الوفاء بالعهد..

29-كتاب آداب النوم..

30-باب الاستئذان وآدابه..
__________________
الأهدل