عرض مشاركة مفردة
  #5  
قديم 19-07-2003, 01:45 AM
د . عبد الله قادري الأهدل د . عبد الله قادري الأهدل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2001
المشاركات: 609
إفتراضي الجزء الخامس..

فمن الأمثلة القرآنية: قوله تعالى:

(( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ )) [الأنعام (164)].

قال القرطبي في تفسير الآية:
"قوله تعالى: (( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى )) أي لا تحمل حاملة ثقل أخرى، أي لا تؤخذ نفس بذنب غيرها، بل كل نفس مأخوذ بجرمها ومعاقبة بإثمها..." [الجامع لأحكام القرآن].

وقال ابن كثير:
"ثم قال (( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى )) أي لا يحصل أحد ذنب أحد ولا يجني جان إلا على نفسه..

كما قال تعالى: ((وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء))..

ولا منافاة بين هذا وبين قوله: ((وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم)) وقوله: ((ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم)) فإن الدعاة عليهم إثم ضلالتهم في أنفسهم، وإثم آخر بسبب ما أضلوا، من غير أن ينقص من أوزار أولئك ولا يحمل عنهم شيئا، وهذا من عدل الله ورحمته بعباده" [تفسير القرآن العظيم]

وقوله تعالى: (( وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا )) [النساء (111)].

قال ابن كثير في تفسير الآية:
"وقوله: (( وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ.. ))الآية كقوله تعالى: (( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى )) الآية. يعني أنه لا يغني أحد عن أحد، وإنما على كل نفس ما عملت لا يحمل عنها لغيرها".. [تفسير القرآن العظيم].

وقوله تعالى: (( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ )) [فاطر (18)].

قال ابن كثير في تفسير الآية:
"وقوله تعالى: ((ولا تزر وازرة وزر أخرى)) أي يوم القيامة ((وإن تدع مثقلة إلى حملها)) أي وإن تدع نفس مثقلة بأوزارها، إلى أن تساعد على حملها ماعليها من الأوزار أو بعضه لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى أي وإن كان قريبا إليها حتى ولو كان أباها أو أبنها كل مشغول بنفسه وحاله..." [تفسير القرآن العظيم]

وقوله تعالى: (( أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى(38)وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى(39)وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى(40)ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى )) [النجم].

قال ابن كثير في تفسير الآية:
"ثم شرع تعالى يبين ما كان أوحاه في صحف إبراهيم وموسى فقال: (( أن لا تزر وازرة وزر أخرى )) أي كل نفس ظلمت نفسها بكفر أو شيء من الذنوب، فإنما عليها وزرها لا يحمله عنها أحد..

كما قال: (( وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى )) (( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى )) أي كما لا يحمل عليه وزر غيره، كذلك لا يحصل من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه [تفسر القرآن العظيم].

وقوله تعالى: (( عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ )) [التكوير (14)]

وقوله تعالى: (( عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ )) [الانفطار(5)].

و"نفس" في الآيتين تفيد العموم، وإن كانت نكرة في سياق الإثبات، وهذا ما أشار إليه المفسرون..

فقد قال ابن كثير:
"وقوله تعالى: (( عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ )) هذا هو الجواب، أي إذا وقعت هذه الأمور حينئذ تعلم كل نفس ما عملت وأحضر ذلك..

كما قال تعالى: (( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ )) [آل عمران: 30]".

وقال البغوي في تفسيره:
"علمت عند ذلك كل نفس ما أحضرت من خير أو شر".

وقال البيضاوي في تفسيره:
"ونفس في معنى العموم كقولهم تمرة خير من جرادة".

ومن أمثلة السنة..

حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه، يقول:
كنت عند رسول الله فجاءه رجلان أحدهما يشكو العيلة والآخر يشكو قطع السبيل فقال رسول الله : (...ثم ليقفن أحدكم بين يدي الله ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له، ثم ليقولن له: ألم أوتك مالا؟ فليقولن بلى. ثم ليقولن ألم أرسل إليك رسولا؟ فليقولن بلى. فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار، ثم ينظر عن شماله فلا يرى إلا النار) [البخاري، برقم (1347) ومسلم، برقم (1016)].

ومن أمثلتها حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
قال: قال رسول الله حين أنزل عليه (( وأنذر عشيرتك الأقربين )): ( يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد المطلب لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة بنت رسول الله سليني بما شئت لا أغني عنك من الله شيئا) [صحيح البخاري، برقم (3336) وصحيح مسلم، برقم (206)].

فقد حمل الرسول صلى الله عليه وسلم [بعد أن بلغ رسالة ربه] كل فئة وكل شخص، حتى أقرب المقربين إليه، مسئوليتهم عن أنفسهم، وبين لهم أن قرابتهم له لا تفيدهم شيئا، إذا لم يستجيبوا لدعوة الله.

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم، يوصي أمراءه المجاهدين أو الدعاة، بما يجب أن يقوموا به، ثم ينطلق كل منهم مؤديا ما أمره به نبيه.

ولنذكر لذلك مثالين:

المثال الأول يتعلق بأمراء الجهاد ومن معهم من المقاتلين:

ففي حديث بريد رضي الله عنه، قال:
كان رسول الله إذا أمر أميرا على جيش أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال:
(اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله.

اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا..

وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم.

ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم..

ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين..

فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين.

فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم.

وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم أن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله.

وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا)؟ [صحيح مسلم، برقم (1731)].

يؤخذ من هذا الحديث، أن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان يحرص على استقامة أمرائه في أنفسهم، ولهذا كان يبدأ وصيته لهم بتقوى الله.

كما يحرص على عناية الأمراء بجيوشهم الذين تولوا إمارتهم، بأن يعاملوهم معاملة حسنة تحقق لهم الخير، لما في ذلك من الوئام والود والمحبة التي تجعل الجيش ينقاد لأميره انقياد رضا واطمئنان، وليس انقياد قسر وإكراه، وهذا جدير بأن يحقق الله تعالى لهم النصر على أعدائهم.

ثم يحرص صلى الله عليه وسلم على أن يكون هدف المجاهدين، الجهاد في سبيل الله، ولهذا يقول لهم: (اغزوا باسم الله) وليس باسم آخر من القوميات والعصبيات والأموال وغيرها..
__________________
الأهدل