عرض مشاركة مفردة
  #6  
قديم 19-07-2003, 02:04 AM
د . عبد الله قادري الأهدل د . عبد الله قادري الأهدل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2001
المشاركات: 609
إفتراضي الجزء السادس.. والأخير.. من الموضوع..

ثم حذرهم صلى الله عليه وسلم من المعاصي التي لا يرجى لأهلها نصر على أعدائهم، فينهاهم عن الغلول والغدر والاعتداء على غير المقاتلين، من الأعداء.

ثم يبين لهم منهج غزوهم، ويبين لهم أنهم قد يجتهدون ويخطئون في اجتهادهم، فعليهم ألا ينسبوا اجتهادهم إلى الله تعالى، بل إلى أنفسهم، حتى يعلم غير المسلمين أن الإسلام بريء من خطئهم...

المثال الثاني يتعلق بالدعاة إلى الله:

فقد كان صلى الله عليه وسلم، يوصي أصحابه الذين يبعثهم للدعوة إلى الله، بالتيسير على المدعوين وتبشيرهم بما يسرهم في استجابتهم لهذه الدعوة، وينهاهم عن الأسباب المنفرة للناس عن دعوته.

كما في حديث أبي بردة قال:
سمعت أبي قال: بعث النبي أبي ومعاذ بن جبل إلى اليمن، فقال: (يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا) [البخاري، برقم (6751) ومسلم، برقم (1733)].

كما كان ينبه من أرسله للدعوة إلى الله، أن يستعد للقوم الذين يدعوهم، بمعرفة عقائدهم وثقافتهم، حتى يكون على بصيرة بأمرهم، فيبني خطابه لهم على أساس تلك المعرفة، ويأمره أن يتدرج في دعوتهم فيدعوهم إلى الأهم فالمهم، وأن يرفق بهم فيما يأخذه منهم، ويبتعد عن ظلمهم الذي يعرضه لسخطهم عليه ودعوتهم عليه، وأن دعوة المظلوم مستجابة.

فقد روى ابن عباس رضي الله عنه، أن معاذا رضي الله عنه، قال:
"بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله.

فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة.

فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم..

فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)" [صحيح مسلم، يرقم (19)].

فليعِ هذه الدروس كل مسلم، وبخاصة طلبة العلم والدعاة إلى الله، الذين يجب أن يهتموا بأنفسهم، بعد أن يصقلهم علماؤهم وأساتذتهم بالعلم والتزكية الربانية، وتوعيتهم بما ينفعهم وما يضرهم..

فيحرصوا على حفظ ما تعلموه وفقهه والعمل به، ويتنبهوا لما زودوهم به من نصائح تصون دعوتهم من النكسات، وما أرشدوهم إليه من وسائل تحمي مسيرتهم، من تسلط أعداء دعوتهم عليهم..

وعليهم أن يستحضروا مسئوليتهم أمام ربهم، فلا ينتظروا دائما التذكير و الإشراف والمتابعة من قِبَلِ غيرهم لهم [وإن كان التذكير والمتابعة مطلوبة].

وعليهم كذلك أن يسلكوا مسلك علمائهم وأساتذتهم في صقل غيرهم بالعلم والتزكية الربانية، ليستمر انتشار العلم وتستمر تزكية الأجيال وتقواهم لربهم تعالى، فينقل كل جيل حقائق الإسلام والعمل بها، إلى الجيل الذي يليه..

كما نقل جيل الصحابة ذلك إلى جيل التابعين، ونقل جيل التابعين ذلك إلى جيل أتباعهم، وهكذا حتى وصل ذلك إلينا...

شبهة مدفوعة..

قد يقال:
ما سبق ظاهر أن الإنسان مسئول عن نفسه، فلا يجزى إلا على ما اكتسبه، من خير أو شر، ولكن بعض الآيات والأحاديث دلت على أنه يحمل أثقالا أخرى مع أثقاله، ويحمل ذنوبا من ذنوب من أضله.

كما قال تعالى: (( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ )) (13) [العنكبوت].

وقال تعالى: (( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ )) [النحل (25)].

والجواب أن هؤلاء إنما حملوا ذنوبهم التي باشروها بأنفسهم، وذنوبهم على دعوة غيرهم إلى الكفر بالله ومعصيته، كما سبق قريبا في قول ابن كثير:

"ولا منافاة بين هذا وبين قوله: ((وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم)) وقوله: ((ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم)) فإن الدعاة عليهم إثم ضلالتهم في أنفسهم، وإثم آخر بسبب ما أضلوا، من غير أن ينقص من أوزار أولئك ولا يحمل عنهم شيئا، وهذا من عدل الله ورحمته بعباده"..

وكذلك ينتفع المسلم بعمل الخير الذي لا تنقطع فائدته بعد مماته..

كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
أن رسول الله قال: ( إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة، إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ) [صحيح مسلم، برقم (1631)].

فكن يا أخي المؤمن محافظا على عبادة ربك في كل حين، في إيمانك..

وفي تعلمك وتعليمك، وفي صلاتك وصيامك وحجك وعمرتك وذكرك، وفي قراءة كتاب ربك..

وفي صلاتك على نبيك، وفي دعوتك إلى دينك، وفي أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر..

وفي رياضتك البدنية، وفي حلك وترحالك، وفي كل عمل مباح تأتيه أو تدعه..

فقط تحتاج إلى أن تنوي بذلك وجه ربك...فاحرص على هذه النية لتكثر حسناتك.

((وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ )) [الحجر: 99].

(( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ )) (163) [الأنعام].
__________________
الأهدل