عرض مشاركة مفردة
  #30  
قديم 22-09-2005, 03:43 PM
مُقبل مُقبل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2005
المشاركات: 461
إفتراضي

ليـــلة الخامــس عشــر من شعبـــان


وصلْــنا .. كم أشعر بالإرهاق .. أتمنى أن آخذ قسطاً من الراحة ..
أذّن المؤذِّن لصلاة العصر ..
إنها فرصة .. سأصلّي .. ثم أخلد للراحة قليلاً ..
صعدتُ أولى درجات السلّم ..
استوقفني الزوج بلهجةٍ عاتبة وجادة :
- توقفي .. لماذا لم تصومي معنا اليوم ؟
أم أنك تريدين مخالفتنا فقط !!!
استدرْتُ نحوه بعينين أثقلهما النعاس ..
ثم هززتُ كتفيّ ببراءة وقلت :
- أصوم ؟! اليوم ؟! وأيّ مخالفةٍ تلك التي تتحدث عنها ؟
تضايق من ردّي .. ولكني لم أفهم ما يرمي إليه !!
ما به !! لماذا يوبخني على عدم الصوم اليوم ؟!!!

ردّ قائلاً في غضبٍ مُفاجئٍ أدهشني :
- كُلّ مَنْ يُعظِّم ليلة النصف من شعبان فإنه يصوم في يوم الرابع عشر منه ..إلا أنتِ!!
ألا تشعرين بنوعٍ من المخالفة ؟!!!
قلتُ وقد فهمتُ غرضه الحقيقي :
- ولِمَ هذا اليوم بالذات عن بقية الأيام ؟ سأصوم غداً إن شاء الله .. أو ...
قال بعنف :
- لا أريد أن يعرف أحدٌ من الناس أنك لم تصومي اليوم هل فهمتي ؟!
ستذهبين معنا اليوم للإفطار وكأنك صائمة !
ولا تُفصحي لأحدٍ عن إفطارك مُطلقاً .. لا نريد أن يلوكنا الناس بألسنتهم ..
مفهوم !! لقد كثرت مُخالفاتك ؟ وكثرتْ امتناعاتك !
إلى متى ؟! إلى متى ؟! .. لقد ....

قلتُ له لمّا رأيتُ غضبه يزداد تأججاً بصوتٍ خافتٍ وهادئ :
- أرجوك .. كفى شجاراً .. أرجوك .. ماذا دهاك ؟!!
سأفعل ما تأمرني به .. لن يعرف إنسٌ أو جنٌ بإفطاري ..
ولكن أرجوك .. أريد أن أعيش بسلام .. لا تغضب ..
ولا تجرحني .. أكثر من ذلك .. كفى .. لك ما تريد ..
سأكون جاهزة خلال عشر دقائق .. ولكن أهدأ ..
واتركني أهدأ أنا أيضاً .. أتوسل إليك ..
- حسناً .. هيا اصعدي ..
تنهّدتُ بارتياح عندما لاحظْتُ أن البرود يشعُّ من صوته بعد العاصفة .. لقد اطمأننتُ أخيراً ..

عرفتُ كيف أسكبُ على غضبه الجامح ماءً بارداً .. أنا لستُ نادمةً على تهدئته !
لأن رجلاً كهذا كفيلٌ بأن يُخرجني عن طوري من فرط القلق والسأم ..
تناولتُ معطفي الذي سقط من يدي من دون وعيٍ مني .. صعدتُ السلّم قفزاً ..
آه .. كم أنا متعبة .. متعبة .. صليتُ العصر .. لم أجادل في ذهابي !
لن يسمح لي بالبقاء في المنزل ..
لا أريد أن أثير غضبه أو أن أتعب قلبي !
سأذهب .. سأذهب ..
أعدْتُ المشط وأدوات التجميل في حقيبتي .. ارتديت ملابسي ..
وحذائي .. لبستُ حجابي ..
ركبْنا معاً في السيارة وانسابت منحرفةً إلى طريقها القديم ..
وازداد وجه السماء تلبداً .. أطللتُ من النافذة ..
حيث رأيتُ الظلام قد بدأ ينشر أجنحته في صفحة السماء ..

دخلْـنا إلى مكان الاحتفال بليلة الخامس عشر من شعبان .. الجميع صائمات .. وصائمون !! ..
وهذه موائد قد أعدّتْ عند أكثر الناس تقوىً وإيماناً !!!!
اجتمعت النسوةُ حول الطعام .. أجلستْني والدةُ زوجي بجانبها ..
هل هذا الطعام من حلالٍ أم من حرام ؟!
مجموعةٌ من النساء مازالت تردّد ابتهالاتها و تسبيحاتها بشكل جماعيّ ..
ويقرأن القرآن أيضاً بصوتٍ واحدٍ .. لقد شحب وجهي كثيراً ..
تغيّرت حالي كثيراً ..
كثيرات يسألنني عن سبب هذا الشحوب وهذا الذبول ..
فتجيب والدة الزوج بسرعة :
- تعلمون أنها مازالت عروساً ..
إنها لم تبلغ الثلاثة أشهر من زواجها بعد ..
لذلك هي لا تأكل ولا تنامٌ جيداً ..
مازالت الحياة الزوجية جديدةً عليها .. نعم .. فقط ..
هذا هو السبب ..
انظر إليها بعينين زائغتين ..
أومئ للنساء بأن هذا هو السبب فقط .. فقط .. فقط !!!!

أذّن المؤذِّن لصلاة المغرب .. تناولتْ النساء إفطارهن .. تصنعتُ التذوق ..
أخاف أن يكون الطعام حراماً .. رباه .. أنا مُكرهة !
أخشى مكرهم .. ينظرون إليّ ..
إلى العروس التي ذبلتْ بعد زواجها .. كُلي .. ما بكِ ؟! .. فأصطنع الأكل وأشرب كميات الماء ..
هل هذا الماء يحوي شيئاً ما أيضأً ؟ رباه ما العمل ؟!
انتهينا .. تقدمَتْ إحدى النساء الصالحات !!!!!
تعظ وتذكّر بفضل هذا اليوم وبفضل صيامه وقيامه !!
وبفضل صلاته وذكره !!!
ثم .. أمرتْ النساء بفتح المصاحف على سورة يس ..
وبدأن جميعاً بصوتٍ واحدٍ بقراءتها .. حتى إذا انتهيْنَ منها ..
كرّرْنَ قراءتها مرةً ثانية فثالثة !!! واكتفيْنَ !!

ثم قالت المرأة بانفعال :
- والآن ادعين الله بأن يمحو آجالكُنّ السابقة ..
ويثبت الآجال الجديدة بعد قراءة يس ثلاث مراتٍ ..
ولتطمئنوا ..
فلن تموت إحداكُنّ هذه السنة ما دامت قرأت معنا سورة يس .. ثلاث مرات ..
والآن سوف يوزّع الله عليكم الأرزاق الجديدة .. والآجال الجديدة ..
ويمحو الآجال القديمة التي كتب الله فيها بموت امرأةٍ منكنّ في هذه السنة !!!!

رباه .. أستغفر الله العظيم .. وكيف يضمنَّ عدم موتهنّ في هذه السنة ؟! ..
رأيتُ الارتياح بادياً على وجوههنَ لقد وثقْنَ بعدم موتهنّ خلال العام ؟!!!
أيّ عقولٍ يملكن ؟!!!
أضافت تلك المرأة في قولها وهي تثبّت نظارتها السميكة على عينيها :
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا عليّ ، مَنْ صلّى مائة ركعةٍ ليلة النصف من شعبان يقرأ في ركعة بفاتحة الكتاب وقُلْ هو الله أحد عشر مراتٍ إلا قضى له كل حاجة .. " إلخ
تعالتْ صيحات النسوة :
- يا فلان بن فلان .. يا فلان بن فلان .. !!
آه .. بدأ الهزل وأوشك الجدُّ أن يختفي ! إنهن يستنجدن ويستغثن !! رباه .. أخرجني من بينهنّ يا رب !!

ثم أكملتْ المرأة في ابتسامة عريضة :
- كلنا نعلم .. أن هذه الليلة من أعظم الليالي المباركات وفضلها جدُّ عظيم ..
وسبب تفضيلها على باقي الليالي ..
هو أنها المقصودة في القرآن .. ( فيها يُفرق كل أمر حكيم ) .. في سورة الدخان ..
لذلك يُستحب في ليلة النصف من شعبان العبادة والذكر والقيام وقراءة القرآن وصيام يوم أربعة عشر منه .
صرخْتُ بالمرأة بدون وعيٍ مني ..
وقلتُ لها وقد خيّم السكون على الجالسات :
- مهلاً .. مهلاً .. هناك لَبْسٌ في الأمر ..
المقصود بهذه الآية هي ليلة القدر في رمضان ..
وليست ليلة النصف من شعبان !!

رأيتُ المرأة تطرف بعينيها و يضطرم وجهها وترتبك فجأةً ..
فلا تُحير جواباً .. نظرتُ إلى والدة الزوج ..
فشعرتُ كأن سهماً قاتلاً أرداها قتيلةً وقد اخترق صدرها حين رأتني أعارضُ أمرهم العظيم ..
بدأ الهمس .. نظرتْ المرأة إليّ بنظراتٍ مُحرقة .. ساخطة .. متحدية ..
ابتعدتْ النساء اللاتي بجانبي شيئاً فشيئاً !! هل كفرت ؟!!!
توقفتْ المرأة عن الحديث .. انعقد لسانها .. تفاجأتْ بوجودي فيما بينهم !!
وقفتُ وأنا أرى حقدهنّ ونظراتهن المغرضة ! وقلتُ بصوتٍ مسموع :
- استغفر الله العظيم .. !
ثم .. مضيتُ بسرعة نحو دورة المياه ..
كنتُ واثقةً بأني تركتُ تلك المرأة ومَنْ معها في حالة يُرثى لها من شدة الغيظ ..

ولكن يا ويلتي من ذاك الزوج الذي لا يفتأ ينهرني ويعتدي عليّ بالتجريح والضرب ..
بدأ الخوف يتشبّث بأجزائي .. وجدتُ حجرةً فارغة .. مكثتُ فيها .. وحدي ..
الكل .. يحقد عليّ ..
فكرْتُ ملياً .. ما الذي يجبرني على البقاء أكثر ؟!! سأرحل ..
ها أنا أشعر مرة أخرى بهذا السأم العميق الذي طالما أثقل عليّ بسبب هذه الحياة الرتيبة المخيفة معه .. ومعهم !!
لَشَدَّ ما تهفو نفسي إلى لونٍ آخر من الحياة .. حياةٌ يملأها الإيمان والصدق .. والراحة والطمأنينة ..
بذكر الله وبالصلاة .. على وجهها الصحيح .. ولكن .. كيف ؟! كيف ؟! كيف ؟!!!

سمعتُ النساء يُصلين المائة ركعة ! يا رب .. أخرجني من هنا برحمتك ..
اللهم ألهمني الصبر والسلوان .. تحسستُ وجهي بيدي .. آثار الشحوب قد ظهرت عليه ..
لقد ارتسمتْ عليّ سماتٌ تنمّ عن أني سأفقد شبابي قبل الأوان ..
هم السبب في تعاستي وذبولي .. اللهم خلصني منهم يا رحيم ..



وللقصة تتمة بإذن الله
الرد مع إقتباس