عرض مشاركة مفردة
  #9  
قديم 18-07-2005, 05:50 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Talking

تابع تدرج الشيطان في الإغواء


فانتبهوا إلى هذا الأمر، فإنه أمرٌ خطير، إذ أن البلاد الإسلامية امتلأت بهذه البدع، ولا بد أن نتبع الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين، فهم القدوة الفاضلة لأفراد الأمة، قال عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه مخاطباً التابعين:"من كان منكم متأسياً، فليتأسَّ بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوباً، وأقومها هدياً، وأحسنها خِلالاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم"، ولا شك أننا إن اتبعناهم واقتفينا أثرهم، وتركنا اتباع أصحاب البدع وإن كانوا أكثر من المتمسكين بالسنة في هذا الزمان فذلك الخير كله، إذ أن في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، وفي ترك ذلك الضياع والخسران في الدنيا والآخرة.

فإن قطع الإنسان المسلم هذه العقبة، وخلص منها بنور السنة، واعتصم منها بحقيقة المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين لهم بإحسان طلبه الشيطان على العقبة الثالثة: وهي عقبة الكبائر، وهذه العقبة إن ظفر به فيها الشيطان زيَّنها له، وحسَّنها في عينه، وسوَّف به، وقال له:الإيمان هو نفس التصديق، فلا تقدح فيه أعمال الفسوق والعصيان، وربما أجرى على لسانه وأذنه كلمة طالما أهلك بها الخلق، وهي قوله:"لا يضر مع التوحيد ذنب، كما لا ينفع مع الشِّرك حسنة"، بل وعمل جاهداً على أن يقنعه بأنه لا يضر مع الإيمان معصية، وجعل مسلكه التسويف، فيجعله يقول: سوف أتوب غداً. سوف أتوب إذا تزوَّجت. سوف أتوب إذا بلغت الخمسين عاماً. سوف وسوف وسوف..، فإذا بملك الموت يطرق عليه الباب يريد نزع روحه، فماذا ستقول يا عبد الله إذا وقفت بين يدي الله، بل ماذا ستقول إذا جاءك منكر ونكير، ماذا ستفعل في القبر وظلمته، بل ماذا ستفعل وأنت على وجه الأرض، وأنت تعيش بلا أخلاق. بلا غيرة. بلا دين. بلا خوف من الله. تجاهر الله بالمعاصي. تبحث عن شهوتك ليل نهار. غارقٌ بالمنكرات، فأي ضياع يا عبد الله بعد هذا الضياع. وأي هلاك بعد هذا الهلاك. كيف سمحت له أن يجرّك من ذنب إلى ذنب حتى جعلك من أصحاب الكبائر والعياذ بالله. فإن قطع المسلم هذه العقبة بعصمة من الله، أو بتوبة نصوح تنجيه منها، طلبه على العقبة الرابعة: وهي عقبة الصغائر، فأخذ بهوِّنها في عينه، ويزيِّنها له، ويقول له لا تضرك الصغائر إذا اجتنبت الكبائر، ويخبره بأن الصغائر تُكفَّر باجتناب الكبائر، ولا يزال يهوِّن عليه أمر الصغائر حتى يجعله مصرّاً عليها، فيكون مرتكب الكبيرة الخائف الوجل النادم أحسن حالاً منه، فالإصرار على الذنب أقبح منه، ولا كبيرة مع التوبة والاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يُهْلِكْنَه وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهن مثلاً كَمَثَل قوم نزلوا أرض فلاةٍ فحضر صنيع القوم فجعل الرجل ينطلق فيجئ بالعود والرجل يجئ بالعود حتى جمعوا سواداً فأججوا ناراً وانضجوا ما قذفوا فيها".

فهذا حال الصغائر إذا اجتمعت على الإنسان أهلكته، فلا تدري لعلَّك تأتي يوم القيامة وإذا بهذه الصغائر أثقل في الميزان من جبل أحد، فلا تستهين بها يا عبد الله، وتحذير النبي صلى الله عليه وسلم منها واضح، فاسمع إلى قوله:إياكم ومحقرات الذنوب.

فإن نجا المسلم من هذه العقبة بالتحرز والتحفظ، ودوام التوبة والاستغفار، وأتبع السيئة الحسنة، طلبه على العقبة الخامسة: وهي عقبة المباحات التي لا حرج على فاعلها، فشغله بها عن الاستكثار من الطاعات، وعن الاجتهاد في التزود لمعاده، ثم طمع فيه أن يستدرجه منها إلى ترك السنن، ثم إلى ترك الواجبات، وإن لم يقدر عليه، فأقل ما ينال منه أن يفوِّت عليه الأرباح، والمكاسب العظيمة، والمنازل العالية، ولو عرف السِّعر لما فوَّت على نفسه شيئاً من القربات ولكنه جاهل بالسِّعر، وقد جاء في الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من خاف أدلج. ومن أدلج بلغ المنزل. ألا إن سلعة الله غالية. ألا إن سلعة الله الجنة".

فإن نجا من هذه العقبة ببصيرة تامة ونور هاد، ومعرفة بقدر الطاعات والاستكثار منها، طلبه العدو على العقبة السادسة: التي هي عقبة الأعمال المرجوحة المفضولة من الطاعات، فأمره بها، وحسَّنها في عينه، وزيَّنها له، وأراه ما فيها من الفضل والربح، ليشغله بها عما هو أفضل منها، وأعظم كسباً وربحاً، لأنه لما عجز عن تخسيره أصل الثواب، طمع في تخسيره كمَالَه وفضله، ودرجاته العالية، فشغله بالمفضول عن الفاضل، والمرجوح عن الراجح، وبالمحبوب لله عن الأحب إليه.

ولكن أين أصحاب هذه العقبة؟ فوالله إن وُجدوا فهم قليل، وإنما الأكثرون قد ظفر بهم في العقبات الأول، وما أكثر من وقع في البدع، فها هي البلاد الإسلامية غارقة في البدع والمحدثات، والوقوع في البدع أحب إلى الشيطان من غيرها من العقبات، وذلك لمناقضتها للدِّين، ودفعها لما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، ولأن صاحبها لا يتوب منها، ولا يرجع عنها، بل يدعوا الخلق إليها، وهي تتضمَّن القول على الله بلا علم، بل وتتضمن معاداة صريح السنة، ومعاداة أهلها، والاجتهاد على إطفاء نور السنة.

الشيطان العدو الأول للإنسان، وذلك منذ خلق الله آدم عليه السلام، فهو لا يهنأ ولا يهدأ له بال حتى يستدرج الإنسان إلى الكفر والعياذ بالله، فهذه قصة الرَّاهب الذي كان جالساً في صومعته يتعبَّد، حتى جاءه أخوة ثلاثة وهم يريدون السفر، يريدون أن يتركوا أختهم أمانة عنده لما وجدوا فيه من التزام وعبادة، ولكن الشيطان الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم هل يتركه على عبادته، لا والله لا يتركه، اسمعوا ماذا جرى، كان هذا الرَّاهب يأخذ الطعام إلى هذه الفتاة ويتركه لها عند باب الغرفة، حتى جاءه الشيطان فقال له أدخل لها الطعام فهي وحيدة لا أنيس لها، وماذا سيضرك إذا أدخلته لها، وما زال به حتى أدخل لها الطعام، فجاءه بالمرَّة الثانية وقال له: لقد أدخلت لها الطعام ولم يضرك شئ، فادخل عليها وآنس وحدتها فلا أنيس لها، وليس لها من تتكلم معه وتجلس معه، ومازال به حتى جلس معها، وأخذ يجرّه خطوة تلو الأخرى حتى وقع بها، فلما وقع بها وحبلت منه زيَّن له قتلها لكي يخفي جريمته، وما زال به حتى قتلها، وهل تركه بعد ذلك، لا والله لا يتركه حتى ينزع من قلبه كل ما يربطه بخالقه، فلما جاء أخوتها أخبرهم الراهب بأنها ماتت موتة طبيعية ودفنها، فلما جاء الليل ونام الأخوة جاءهم الشيطان في المنام فقال لهم:إن الرَّاهب فجر بأختكم وقتلها ودفنها في مكان كذا وكذا،فلما أصحوا قال رجل منهم:والله لقد رأيت البارحة رؤيا ما أدري أقصها عليكم أم أترك، قالوا:لا بل قصها علينا، قال فقصها،فقال الآخر: لقدرأيت ذلك، وقال الثالث:وأنا رأيت ذلك، فانطلقوا إلى الرَّاهب، فجاءه الشيطان فقال له:أنا الذي أوقعتك في هذا، ولن ينجيك منه غيري فاسجد لي سجدة واحدة وأنجيك مما أوقعتك فيه، فلما سجد له وجئ به ليُقتل، قال الشيطان:إني برئٌ منك إني أخاف الله رب العالمين.

فانظروا عباد الله إلى تدرج الشيطان في الإغواء، فإنه أخذ يجر هذا الرَّاهب من خطوة إلى خطوة ومن معصية إلى معصية أكبر منها، ولم يتركه حتى جعل منه إنساناً كافراً، وجعله يموت كافراً، ثم تبرأ منه وتركه في كفره وضلاله، فاتقوا الله عباد الله ولا تقولوا هذه صغيرة لا تضر، وهذه كبيرة سوف أتوب منها مستقبلاً، وهذا عيد الميلاد لكي يفرح به الأبناء لا يضر، وهذا لا يضر وهذا لا يضر، حتى تثقلك الذنوب وتهلكك، فتموت وأنت عاصيا لله تعالى، متبعا لهواك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

هذا وصلي اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


بقلم/علي حسين الفيلكاوي
__________________