عرض مشاركة مفردة
  #9  
قديم 27-11-2006, 02:39 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Post

أما عن موقف يزيد بن معاوية رحمه الله من قتل الحسين رضي الله عنه ..
كتب عبيد الله بن زياد إلى يزيد بن معاوية يخبره بما حدث ويستشيره في شأن أبناء الحسين ونسائه، فلما بلغ الخبر إلى يزيد بن معاوية بكى وقال: كنت أرضى من طاعتهم أي أهل العراق بدون قتل الحسين .. لعن الله ابن مرجانة لقد وجده بعيد الرحم منه، أما والله لو أني صاحبه لعفوت عنه، فرحم الله الحسين. الطبري (5/393) بسند كل رجاله ثقات ماعدا مولى معاوية وهو مبهم. والبلاذري في أنساب الأشراف (3/219، 220) بسند حسن.
وفي رواية أنه قال: .. أما والله لو كنت صاحبه، ثم لم أقدر على دفع القتل عنه لا ببعض عمري لأحببت أن أدفعه عنه. الجوزقاني في الأباطيل والمناكير (1/265) بسند كل رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعاً بين الشعبي والمدائني.
فجاء رد يزيد على ابن زياد يأمره بإرسال الأسارى إليه؛ فبارد ذكوان أبو خالد فأعطاهم عشرة آلاف درهم فتجهزوا بها. الطبقات لابن سعد (5/393) بإسناد جمعي.
ومن هنا يعلم أن ابن زياد لم يحمل آل الحسين بشكل مؤلم أو أنه حملهم مغللين كما ورد في بعض الروايات .
وكان رد يزيد رحمه الله على ابن زياد كان مخالفاً لما يطمع إليه ابن زياد، حيث كان يطمع بأن يقره يزيد على الكوفة، فلم يقره على عمله بل سبه ونال منه بسبب تصرفه مع الحسين، وهنا يكون الداعي أكبر لأن يحمل ابن زياد آل الحسين على صورة لائقة لعلها تخفف من حدة وغضب يزيد عليه.
ولذلك قال شيخ الإسلام رحمه الله في منهاج السنة (4/559): وأما ما ذكر من سبي نسائه والذراري والدوران بهم في البلاد وحملهم على الجمال بغير أقتاب، فهذا كذب وباطل، ما سبى المسلمون ولله الحمد هاشمية قط، ولا استحلت أمة محمد صلى الله عليه وسلم سبي بين هاشم قط، ولكن كان أهل الجهل والهوى يكذبون كثيراً.
ولما دخل أبناء الحسين على يزيد قالت: فاطمة بنت الحسين: يا يزيد أبنات رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا؟ قال: بل حرائر كرام، أدخلي على بنات عمك تجديهن قد فعلن ما فعلت، قالت فاطمة: فدخلت إليهن فما وجدت فيهن سفيانية إلا ملتزمة تبكي. الطبري (5/464) من طريق عوانة.
وعندما دخل علي بن الحسين على يزيد قال: يا حبيب إن أباك قطع رحمي وظلمني فصنع الله به ما رأيت يقصد أنه قد حدث له ما قدره الله له -، فقال علي بن الحسين {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير}[الحديد/22]، ثم طلب يزيد من ابنه خالد أن يجبه، فلم يدر خالد ما يقول فقال يزيد قل له:{وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}[الشورى/30]. الطبري (5/464) من طريق عوانة وأنساب الأشراف (3/220) بإسناد حسن.
وأرسل يزيد إلى كل امرأة من الهاشميات يسأل عن كل ما أخذ لهن كل امرأة تدعي شيئاً بالغاً ما بلغ إلا أضعفه لهن في العطية. وكان يزيد لا يتغدى ولا يتعشى إلا دعى علي بن الحسين. وبعث يزيد إلى المدينة فقدم عليه ذوي السن من موالي بني هاشم ومن موالي نبي علي. -ولعل يزيد أراد باستقدامه لهؤلاء الموالي إظهار مكانة الحسين وذويه ويكون لهم موكب عزيز عند دخول المدينة-. وبعد أن وصل الموالي أمر يزيد بنساء الحسين وبناته أن يتجهزن وأعطاهن كل ما طلبن حتى أنه لم يدع لهم حاجة بالمدينة إلا أمر بها. وقبل أن يغادروا قال يزيد لعي بن الحسين إن أحببت أن تقيم عندنا فنصل رحمك ونعرف لك حقك فعلت. ابن سعد في الطبقات (5/397) بإسناد جمعي.
قال شيخ الإسلام في المنهاج (4/559): وأكرم أبناء الحسين وخيرهم بين المقام عنده والذهاب إلى المدينة فاختاروا الرجوع إلى المدينة.
وعند مغادرتهم دمشق كرر يزيد الاعتذار من علي بن الحسين وقال: لعن الله ابن مرجانة، أما والله لو أني صاحبه ما سألني خصلة أبداً إلا أعطيتها إياه ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت ولو بهلاك بعض ولدي ولكن الله قضى ما رأيت، كاتبني بكل حاجة تكون لك. الطري (5/462) .
وأمر يزيد بأن يرافق ذرية الحسين وفد من موالي بني سفيان، وأمر المصاحبين لهم أن ينزلوا بهم حيث شاءوا ومتى شاءوا، وبعث معهم محرز بن حريث الكلبي وكان من أفاضل أهل الشام. ابن سعد في الطبقات (5/397) بإسناد جمعي.
وخرج آل الحسين من دمشق محفوفين بأسباب الاحترام والتقدير حتى وصلوا إلى المدينة. قال ابن كثير في ذلك: وأكرم آل الحسين ورد عليهم جميع ما فقد لهم وأضعافه، وردهم إلى المدينة في محامل وأهبة عظيمة .. البداية والنهاية (8/235).
وإن الاتهام الموجه الآن إلى يزيد بن معاوية هو أنه المتسبب الفعلي في قتل الحسين رضي الله عنه .
نقول: يزيد بن معاوية رحمه الله كما هو معروف أصبح خليفة للمسلمين، وانقاد له الناس وظل معترفاً به من غالب الصحابة والتابعين وأهل الأمصار حتى وفاته، ولقد امتنع عن بيعته اثنان من الصحابة فقط وهما: الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم .
وكان الشيعة في العراق يطالبون الحسين بالقدوم عليهم، وخرج الحسين إلى العراق بعد أن كتب إليه مسلم بن عقيل بكثرة المبايعين وأن الأمور تسير لصالحه.
ولو أننا لاحظنا موقف يزيد بن معاوية من الحسين بن علي طوال هذه الفترة التي كان خلالها الحسين معلناً الرفض التام للبيعة ليزيد، وهي الفترة التي استمرت (شهر شعبان ورمضان وشوال وذي القعدة) لوجدنا أن يزيد لم يحاول إرسال جيش للقبض على المعارضين (الحسين وابن الزبير) بل ظل الأمر طبيعياً وكأن يزيد لا يهمه أن يبايعا أو يرفضا. وكما يبدو، فإن يزيد حاول أن يترسم خطى والده في السياسة ويكون حليماً حتى آخر لحظة، وأن يعمل بوصية والده، وذلك بالرفق بالحسين ومعرفة حقه وقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يتبــــــــــع
__________________