عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 11-12-2006, 08:54 AM
محمد العاني محمد العاني غير متصل
شاعر متقاعد
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
الإقامة: إحدى أراضي الإسلام المحتلة
المشاركات: 1,514
إفتراضي

تأخرنا كثيراً بسبب هذه الحادثة و قبل أن نصل المنطقة القريبة من الرمادي كان قد حان أذان المغرب. و في مقاييس السواق فهذا وقتٌ خطرٌ جداً و قد تأخرنا كثيراً. في هذه الحال أمامنا أحد خيارين أما أن ندخل مدينة الرمادي و نبيت هناك حتى طلوع الصباح أو أن نستمر بالمسير عسى أن نُدرك بغداد قبل حظر التجوال. لم يمر الكثير من الوقت و نحن نتناقش في الدخول إلى الرمادي أو الإستمرار مباشرةً إلى بغداد حتى شاهدنا رتلاً أمريكياً آخر يمر امامنا و يتوقف ليقطع الطريق. المشكلة أننا لا نعلم إن كانوا يريدون تفتيشنا مثلاً أو أنهم سيتوقفون لتفكيك قنبلةٍ أو شئمن هذا القبيل. ولا نستطيع التقرب منهم لفهم ما يحدث لأننا سنتعرض و بالتأكيد لإطلاق نار. و بعد حادث إطلاق النار و موت الشابّة الحامل لم يبقَ أمامنا إلا أن نسير باتجاه الرمادي و نتأمل أن تمرّ هذه الليلة على خير في هذه المدينة الملتهبة. المشكلة التي نواجهها الآن هي أن اثنان من ركاب السيارة من جنوب العراق أي أنهم من الشيعة. و إذا استوقفنا سكّان الرمادي و ادركوا أن معنا اثنين من الشيعة فقد يكونونَ عرضةً للقتل. ذلك بسبب الإحتقان الطائفي الموجود في هذه الفترة. إلا أنني حاولت تهدئتهم لأنني من أبناء المنطقة الغربية في العراق و لي من المعارف الكثيرون في الرمادي. و بشكل عام، لم يكُن أمامنا حلٌّ آخر..توكّلنا على الله و دخلنا المدينة.
لم يكُن قد تبقى من المدينة الكثير، فمدينة الرمادي تتعرض للقصف بصورةٍ يومية و كل يومٍ يموت فيها من الجنود الأمريكان و من المجاهدين الكثير. و أقصد بالمجاهدين هنا هم الصناديد الذين يتصدّون للأمريكان و يوقعون الخسائر فيهم دون قتل أحد من العراقيين. و هذا هو الحال غالباً في مناطق غرب العراق.
بدأت قلوبنا بالخفقان الشديد عندما استوقفنا في الظلمة رجالٌ ملثمون يسألوننا من نحن وما حدا بنا إلى هذه المدينة الملتهبة. أجابهم السائق أن الأمريكان أغلقوا الطريق و ليس لدينا مكان نبيتُ فيه، فأجابونا أنهم ودّوا لو يأخذوننا معهم إلى بيوتهم إلا أنهم يخافون علينا لأن الأمريكان يُداهمون بيوتهم كل ليلة. سلّمنا عليهم و أكملنا المسير ولا نعلم أين سنبقى في هذه الليلة التي لم تزل في أولها. بعد عدّة دقائق استوقفنا مجموعة أخرى من الرجال يحملون السلاح إلا أنهم هذه المرة كانوا عدائيين.
"من أين انت قادمون؟؟" سأئل أحدهم
"من عمّان" أجابه السائق..
فأردف الملثّم قائلاً "هل فيكم من الشيعة الـ**** ؟ "
فارتجف صوت السائق وهو يُجيب.."لا أدري"
فطلب الملثّم أن ننزل من السيارة و قلوبنا تتسابق النبضات فيها. طلب منّا هوياتنا. قرأ هويتَي الشابين و علم من أسم عائلتهما أنهما من الشيعة فطلب منهما الوقوف على جنبٍ بعصبية. و قرأ هويتي أخيراً فقال لي "أهلاً بابن العم". و حينما همّ ليُكلّم الشابين الشيعيين قلتُ له:"أتعرف فلان؟"..فسكت و نظر إلي..
فقلت له:"فلان ابن فلان الذي استُشهد في الفلوجة"..فقال:"نعم..لما؟". قلتُ له:"أنه من أقاربي. فأنا ابنُ فلانٍ و نسيب فلان" فحيّاني بشدّةٍ و نزع عن وجهه اللثام و قبل أن يُكمل تحيّته قلت له:"هذان الشابان معي ولا اريد أن يُصابا بأذى". فأجابني:"عند عيناك يابن العم". فارتحنا جميعاً و علمنا أننا لن نشهد جريمة قتلٍ أخرى هذه الليلة. أخذنا هذا الشخص إلى بيت فارغٍ و قال أنه لن يستطيع أن يأخذنا إلى بيته لأن من المحتمل أن يهاجمه الأمريكان كما يفعلون كل ليلة.
في حديث سريعٍ مع هذا الشخص سألته فيما كان سيفعله بهذين الشابين فقال أنه كان سيأخذ فديةً من أهلهما مقابل إطلاق سراحهما ليستخدموا هذه الفدية في تمويل المجاهدين. لم يتح الوقت لي لأناقشه فيما إذا كان هذا صحيحاً أو خطأ و لماذا الشيعة فقط من دون الباقين.
كل ما كان يدور في خاطري في هذه الليلة هو ابنتي و زوجتي اللتين تقبعان في وسط حرب الطائفية في بغداد. بعد منتصف الليل بقليل بدأت المواجهات العنيفة بين الأمريكان و أهل الرمادي و اشتدّت قبل أذان الفجر بقليل. و ما أن ظهر الضوء الأول في الأفق حتى بدأنا بالتحرك في الرحلة الأطول بين عمان و بغداد لحد الآن. أستوقفنا الأمريكان عند خروجنا من المدينة و قاموا بتفتيشنا و تفتيش السيارة و أخبرناهم بما حدث معنا فتركونا نذهب بعد ما يقارب الساعة من التفتيش و النقاش معهم.
أخطر ما في التفتيش من قبل الأمريكان هو أننا بوقوفنا قرب نقطة التفتيش نكون عرضةً للتفجيرات أو المواجهات المسلحة بين الأمريكان و أهل الرمادي. لكنّ الله سلّمنا و ابتعدنا عن نقطة التفتيش قبل أن يبدأ القصف الهاونيُّ عليها بعد تحركنا بدقيقتين. بعد مفارقتنا الرمادي و اتجاهنا إلى بغداد مررنا بالطريق الدولي بجانب الفلوجة. الفلوجة التي كانت يوماً مدينة. الطريق الدولي يمر بمحاذاة المدينة و يبعد عنها تقريباً كيلومتراً كاملاً. إلا أننا على الطريق كنّ نشمّ رائحة البارود تنبعث من هذه المدينة التي مساحتها بمساحة حي العامرية الذي نسكنه في بغداد.
بعد أن تجاوزنا الفلوجة بمسافة بسيطة شاهدنا عصاباتٍ من السرّاق و قطّاع الطرق يُغيرون على السيارات على الجانب الآخر من الطريق، أي الجانب الذاهب من بغداد إلى عمان و دمشق. و السيارة التي لا تنصاع لأوامر السرّاق تتعرض لإطلاق نارٍ كثيفٍ من قبلهم. فكل السواق يفضلون التوقف على محاولة الهرب حرصاً على حياة من معهم و على سياراتهم. بالطبع إن العوائل الهاربة من جحيم بغداد إلى سوريا أو الأردن تحمل معها كل ما تملك لتحاول أن تعيش لفترةٍ من الزمن. إلا أن السرّاق لا يتركون لهم شيئاً إذا ما اصطادوهم على قارعة الطريق.
لفترةٍ من الزمن كانت بعض فصائل المقاومة العراقية تسيطر على هذا الطريق الدولي و تقوم بقتل السرّاق و قطّاع الطريق و بعض الوقت كان الأمريكان يؤمنون الطريق من قطّاع الطرق عندما يكونون بانتظار شحنة قادمةٍ للجيش الامريكي من الأردن.
كُنّا نشاهد الأطفال و الأمهات يبكون و هم يخلعون المصوغات الذهبية و يُعطونها للصوص و يُغتصب منهم كل ما يملكون و كل ما كانوا معتمدين عليه بعد الله في غربتهم و رحلتهم إلى المجهول.
وصلنا إلى مشارف بغداد و بالتحديد إلى نهاية الطريق الدولي في منطقة ساحة اللقاء..عندما استقبلتنا نقطة تفتيش لجيش المهدي..


يُـتـبـع...
__________________


أنا عندي من الأسى جبلُ
يتمشى معي و ينتقلُ
أنا عندي و إن خبا أملُ
جذوةٌ في الفؤاد تشتعلُ
الرد مع إقتباس