عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 18-12-2006, 01:53 AM
محمد العاني محمد العاني غير متصل
شاعر متقاعد
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
الإقامة: إحدى أراضي الإسلام المحتلة
المشاركات: 1,514
إفتراضي

وصلتُ إلى حيث ابنتي و زوجتي موجودتان في بيت أهل زوجتي في حي المنصور بحدود الساعة الواحدة ظهراً. و قبل أن أنزل من السيارة اتفقت مع السائق أن يأتي إلينا فجر الغد لننطلق إلى عمان مرةً أخرى. لم يكُن التعب كلمةً موجودةً في قاموسي عندئذٍ. ذلك أن التواني او التأخر في الرحيل لساعات قد يسبب فرقاً كبيراً في سلامة عائلتي.
استقبلتني زوجتي بالدموع لأنها قلقت جداً لأن رحلتي طالت لما يُقارب 35 ساعة..!!
بما يقارب الساعة الرابعة بعد الظهر خرجتُ لأشتري بعض الأشياء لرحلة الغد. و ما حدث أن المحلات و الأسواق كانت قد اقفلت بحدود الساعة الثانية بعد الظهر، مع العلم أن هذه الأسواق نفسها تفتح بحدود الساعة الحادية عشرة صباحاً. تلك هي أسواق منطقة المنصور التي كانت تفتح عند الثامنة صباحاً إلى الثالثة من صباح اليوم التالي.
عندما خرجتُ إلى الشارع تذكّرتُ وصفاً للشارع أخبرتني عنه زوجتي فيما مضى حيثُ قالت:"لا يمكن أن تخرج إلى أي مكان سواءٌ كان قريباً أو بعيداً دون أن ترى جثّة واحدةً على الأقل مرمية في الشارع دون أن يقترب منها أحد". ربما سمعتم قبل فترةٍ عن أحد المخرجين و الممثلين الذين قُتلوا في العراق وهو وليد حسن الذي كان يعمل في قناة الشرقية. بعد مقتله بحوالي الأسبوعين كانت سيّارته التي قُتل قربها لا تزال في الشارع حيث قُتل. ذلك أن حتى أهله يخافون التقرب إلى السيارة لأن القتلة عادةً ما ينتظرون أهل القتيل ليقتلوهم عندما يأتون لأخذ الجثة أو أخذ السيارة. و إذا افلتوا منهم عندئذٍ فيقومون بمهاجمة أو تفجير مجلس العزاء الذي يُقام. فهل تعتقدون أنهم مسلمون؟؟
أكثر ما لاحظت في الشوارع هو آثار الدماء على الأرض و القطع السوداء المعلقة على حيطان كل البيوت تقريباً التي كُتب عليها (إنتقل إلى جوار ربه بتأريخ كذا و كذا ). تقريباً في كُل بيتٍ شخصٌ قُتل، فإذا لم يكُن من الأقارب المُباشرين فلا بدّ أن لكل عراقيٍ قريبٌ قُتل بعد الإحتلال. فهل التقرير ذو ال600 ألف قتيل دقيق؟؟
ففي العراق بدأ القتل بعد الإحتلال للمحتلين أولاً، ثم توسّع ليشمل من يعمل مع القوات الأمريكية كالمترجمين و المتعاقدين. بعد ذلك توسّع القتل ليشمل الشرطة العراقية و الجيش العراقي بإعتبار أنهم متعاونين مع المحتل. ثم بدأت عمليات الخطف لأجل الفدية، ثم الخطف لأجل الفدية ثم قتل المختطفين و لن أطيل عليكم المراحل، فالآن في العراق..لست بحاجة إلى سبب لتُقتل..الكل عُرضةٌ للقتل. أن تأخذ موقفاً من أي شئ سوف يُعرضك للقتل. فإسمك حين يكون "عُمر" فهو موقفٌ كافٍ لتُقتل، و حين يكون اسمك "رضا" أو "علي" فهو موقفٌ كافٍ لتُقتل. و حين تكون ساكناً في منطقةٍ معينة من بغداد فذلك موقفٌ كافٍ لتُقتل. و حين تشتري الخبز من مخبزٍ اسمه "مخبز الزهراء" فهو موقفٌ كافٍ لتُقتل. و حين تذه لمحل حلاقةٍ اسمُه "حلاقة الدليمي" فهو موقفٌ كافٍ لتُقتل. حين تمر في شارعٍ معينٍ للذهاب إلى العمل أو المدرسة أو الجامعة فذلك موقفٌ كافٍ لتُقتل. و مجرد أن تكون حيّاً في بغداد فذلك موقفٌ كافٍ لتُقتل.


يُــتــبــع ربّما..
__________________


أنا عندي من الأسى جبلُ
يتمشى معي و ينتقلُ
أنا عندي و إن خبا أملُ
جذوةٌ في الفؤاد تشتعلُ
الرد مع إقتباس