عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 25-11-2006, 06:26 AM
المصابر المصابر غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2006
الإقامة: أرض الله
المشاركات: 3,304
إرسال رسالة عبر ICQ إلى المصابر إرسال رسالة عبر MSN إلى المصابر إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى المصابر
إفتراضي


مبحث تمهيدي
النظام الذي يدير العالم منذ حقبة سايكس بيكو

إن المتأمل في القرون السابقة وحتى منتصف القرن العشرين يجد أنه عند سقوط الدول الكبرى أو الإمبراطوريات بل والدول الصغرى سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية ولم تتمكن دولة مكافئة في القوة أو مقاربة للدولة السابقة من السيطرة على أراضي ومناطق تلك الدولة التي انهارت تتحول بالفطرة البشرية مناطق وقطاعات هذه الدولة للخضوع تحت ما يسمى بإدارات التوحش.
عند سقوط دولة الخلافة حدث بعض من هذا التوحش في بعض المناطق إلا أن الأمر استقر بعد ذلك على قريب مما أقرته معاهدة سايكس بيكو فكان تقسيم دولة الخلافة وانسحاب الدول الاستعمارية بحيث انقسمت دولة الخلافة إلى دول ودويلات تحكمها حكومات عسكرية أو حكومات مدنية مدعومة بالقوات العسكرية ، وتمثلت قدرة هذه الحكومات على الاستمرار في إدارة تلك الدول بمقدار قوة العلاقة مع هذه القوات العسكرية وقدرة هذه القوات على المحافظة على شكل الدولة ، سواءً بالقدرة التي تملكها هذه القوات في شرطتها وجيشها أو القدرة الخارجية التي تدعمها.
لا نخوض هنا في كيفية قيام هذه الدول وسيطرة هذه الحكومات ، سواء حكمنا عليها أنها نالت السيطرة بحكم انتصارها على حكومات الاستعمار أو بحكم أنها كانت تعمل في الخفاء مع الاستعمار وكل ما في الأمر أنه انسحب ووكلها مكانه أو خليط من الأمرين ، فخلاصة الأمر أن هذه الدول سقطت في أيدي تلك الحكومات بسبب كوني هو أحد هذين الأمرين أو كلاهما.
وسواءً كانت هذه الدول مستقلة حقيقة أو اتبعت كل منها في الخفاء الدولة التي استعمرتها في السابق إلا أنها بعد فترة أصبحت تدور في فلك النظام العالمي الذي تمخض بعد نهاية الحرب العالمية الثانية والذي كانت صورته المعلنة هيئة الأمم المتحدة وحقيقته قطبان هما عبارة عن دولتين يدخل تحت كل منهما معسكر من الدول الكبرى الحليفة ويتبع كل قطب عشرات من الدول التابعة.
ومقابل أن يدور نظام حكم دولة تابعة في فلك أحد القطبين محققاً مصالح هذا القطب الاقتصادية والعسكرية يقوم هذا القطب بدعم هذا النظام بمقومات الدعم المختلفة ، إلا أنه وطبقاً لطبيعة سكان بلادنا التي تحكمها هذه الأنظمة - أي كبلاد سكانها مسلمون - كان هذا الدعم في الغالب دعماً محدوداً ويذهب جله لدعم أفراد الأنظمة الحاكمة أو دعم شخصي لقادة جيوش هذه الدول والقيادات المتنفذة في تلك الجيوش.
وتلا تلك الفترة انهيار بعض الأنظمة وقيام أخرى إما لتخلي القطب عنها أو عدم قدرته على حمايتها من السقوط أو لقيام القطب الآخر بدعم مجموعة أخرى اخترقت هذا النظام وأسقطته وحلت مكانه بأخذها بسنن كونية محضة.
هذه الأنظمة ما أن يستتب لها الأمر حتى تقوم بفرض قيمها التي تحملها على مجتمع كل دولة تحكمها وإذا كانت تدور في فلك قطب جديد أو مازالت تتودد للقطب الذي كان يدعم النظام السابق لها تقوم بخلط قيمها الاجتماعية والاقتصادية بقيم القطب الذي تدور في فلكه وتفرض الخليط على المجتمع ، واضعة حول هذه القيم هالة من التقديس حتى لو كانت قيماً تأباها كل العقول.
خالفت هذه الأنظمة عقيدة المجتمعات التي تحكمها وقامت مع مرور الوقت والتدرج في الانحطاط بتضييع وبسرقة مقدرات تلك الدول وانتشرت المظالم بين الناس.
وطبقاً للسنن الكونية المحضة نجد أن القوى التي يمكن أن ترجع الحكم لقيم وعقيدة المجتمع أو حتى ليس من أجل العقيدة والحق من أجل رد المظالم والعدالة التي يتفق عليها الجميع المؤمن والكافر قوتان :
الأولى : قوة الشعوب وهذه تم تدجينها وتغييب وعيها بآلاف من الملهيات سواءً جانب شهوات الفرج والبطن ، أو اللهاث خلف لقمة العيش أو اللهاث لجمع المال ، فضلاً عن الهالات الإعلامية الكاذبة في اتجاهات شتى ، ونشر الفكر الجبري والصوفي والإرجائي بين شرائحها ، وبين فترة وأخرى يتم تقليم أنياب من يفيق من غفلته من هذه الشعوب عن طريق جيوش وشُرَط هذه الدول التي تعتبر هذه المهمة هي مهمتها الأساسية التي تتلقى الأموال والعطاء من أجلها وهي الحفاظ على هذه الأنظمة أو الحفاظ على دوران النظام الحاكم في فلك أحد القطبين.
الثانية : القوة الثانية التي يمكن من خلالها إرجاع المجتمع - ولو جزئياً طبقًا للسنن - إلى العدل وإلى عقيدته وقيمه هي قوة الجيوش وهذه تم إغداق الأموال المنهوبة عليها وشراؤها حتى لا تقوم بهذا الدور بل تقوم بنقيضه.
إلا أنه رغم أنف الشيطان تبقى فئة قليلة من العقلاء والشرفاء تأبى الظلم وتنشد العدل ، فيدور في خلد هذه الفئة استغلال ما في أيديها من القوة لتغيير هذا الواقع للأفضل بحسب اعتقادها ، إلا أن ثاني أمر يقع في خلدهم وجود القوة المجرمة التي لا تأبه بالقيم في هذه الجيوش أو في أحسن الظروف لو تم وضع خطة محكمة للالتفاف على تفاوت القوة سيقوم القطبان أو أحدهما تحت ستار الأمم المتحدة بإرغام النظام الجديد بالحيل أو بالقوة أو بالضغوط أو بكل ذلك على الدوران في فلك أحد القطبين وفرض منتفعين جدد على النظام الجديد ، ويتحول هذا الشريف الذي تسلم الحكم إلى سيرة شبيهة لسيرة أمثاله السابقين وما سودان البشير عنا ببعيد. (1)
وفي الغالب ينتهي التفكير بهؤلاء الشرفاء بالانصراف عن فكرة تغيير تلك الأنظمة والرضا بالأمر الواقع والانطواء على أنفسهم حاملين المرارة في قلوبهم ، ومن يصدق مع نفسه الضعيفة منهم يستقيل من عمله العسكري وإلا فلا يلبث أن ينزلق إلى مستنقع الظلم والانحطاط تحت شعار [ لا دين ولا دنيا ] أو [ لا خير وعدل ولا دنيا ].. هكذا هي الصورة تدور في هذا الإطار منذ سقوط الخلافة.


هامش:

1- وهو كذلك ما كان يُخطط لأفغانستان أثناء حكم طالبان قبل أحداث سبتمبر بصورة أخرى ألا وهي إنهاكها بالعقوبات الطويلة ثم في اللحظة المناسبة يتم بضغطة زر تحويل أموال وسلاح للمعارضة ودعمها بأفراد من دول الجوار والقضاء على تلك الدولة ، هذا على أقل تقدير فإن احتمال تدخل مباشر بأي حجة مسجل عليهم أيضًا.




وهم القوة
مركزية القوى العظمى بين القوة العسكرية الجبارة والهالة الإعلامية الكاذبة

القطبان اللذان كانا يسيطران على النظام العالمي كانا يسيطران من خلال قوة مركزيتهما ، والمقصود بالقوة المركزية هنا هي : القوة العسكرية الجبارة التي تصل من المركز للسيطرة على مساحات الأراضي التي تخضع لكل قطب بداية من المركز وحتى أبعد طرف من تلك الأراضي ، والخضوع في صورته الأولية المبسطة هو أن تدين تلك الأراضي للمركز بالولاء والتحاكم وتَجبي إليه المصالح.
ولا شك أن القوة التي أعطاها الله للقطبين [ أمريكا وروسيا ] جبارة في حساب البشر إلا أنها في الحقيقة وبالنظر الدقيق في حساب العقل البشري المجرد أيضا لا تستطيع أن تفرض سلطانها من بلد المركز في أمريكا مثلاً أو روسيا على أراضٍ في مصر واليمن مثلاً إلا إذا خضعت تلك البلاد بمحض إرادتها لتلك القوى ، صحيح أن هذه القوة جبارة وأنها تستعين بقوة أنظمة محلية من الوكلاء الذين يحكمون العالم الإسلامي إلا أنها رغم كل ذلك لا تكفي ، لذلك لجأ القطبان إلى عمل هالة إعلامية كاذبة تصور هذه القوى أنها لا تقهر ، وأنها تحيط بالكون وتستطيع أن تصل إلى كل أرض وكل سماء وكأنها تحوز قوة خالق الخلق.
إلا أن الأمر المثير الذي حدث أن هذين القطبين صَدَّقا لوهلة دجلهما الإعلامي وأنهما بالفعل قوة قادرة على السيطرة التامة على أي مكان في أرجاء المعمورة ، وأنها قوة تحمل خصائص قوة الخالق ، فطبقاً للدجل الإعلامي فإنها قوة جبارة محيطة ويخضع لها الناس لا خوفاً منها فقط ولكن حباً فيها أيضاً لأنها تنشر الحريـة والعدل والمساواة بين البشر إلى آخر تلك الشعارات.
وعندما تخضع دولة - مهما بلغ قدرها - لوهم القوة الكاذبة وتتصرف على هذا الأساس فمن هنا يبدأ سقوطها.
وكما يقول الكاتب الأمريكي بول كينيدي : ( إن أمريكا تتوسع في استخدام قوتها العسكرية ، وتتمدد استراتيجياً أكثر من اللازم وهذا سيؤدي إلى سقوطها ).
هذه القوة الجبارة مدعومة كذلك بتماسك مجتمعها في بلد المركز وتماسك مؤسسات ذلك المجتمع وشرائحه ، فلا قيمة للقوة العسكرية الجبارة [ الأسلحة والتقنية والمقاتلين ] بدون تماسك المجتمع وتماسك مؤسساته وشرائحه ، بل قد تصبح هذه القوة العسكرية الجبارة وبالاً على هذا القطب العظيم إذا انهار تماسك كيان المجتمع.
وعوامل انهيار هذا الكيان عديدة تتلخص في عبارة [ عوامل الفناء الحضاري ] مثل الفساد العقدي والانهيار الخلقي والمظالم الاجتماعية والترف والأنانية وتقديم الملذات وحب الدنيا على كل القيم.. الخ.
وكلما كان القطب تجتمع فيه مزيج هذه العوامل بصورة كبيرة ، وتمتزج فيها تلك العوامل بصورة تنشط بعضها البعض كانت سرعة انهيار ذلك القطب أكبر ، وهذه العوامل قد تكون موجودة بصورة نشطة أو موجودة بصورة خاملة تحتاج الى عامل مساعد لتنشيطها فيسقط ذلك القطب وتسقط مركزيته مهما كان يمتلك من القوة العسكرية لأنه كما قلنا أن قوة مركزيته المتمثلة في القوة العسكرية الجبارة والهالة الإعلامية الكاذبة لا تقوم بدورها إلا في مجتمع متماسك.