عرض مشاركة مفردة
  #8  
قديم 23-12-2004, 05:00 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

تابع الوجه الثالث :
فأما مالم يكن في ديننا بحال بل هو في دينهم المبتدع والمنسوخ فليس لنا أن نشابههم لا في أصله ولا في وصفه كما قدمنا قاعدة ذلك فيما مضى فإحداث أمر ما في هذه الأيام التي يتعلق تخصيصها بهم لابنا هو مشابهة لهم في أصل تخصيص هذه الأيام بشيء فيه تعظيم وهذا بين على قول من يكره صوم يوم النيروز والمهرجان لا سيما إذا كانوا يعظمون ذلك اليوم الذي أحدث فيه ذلك العمل، ويزيد ذلك وضوحا أن الأمر قد آل إلى أن كثيرا من الناس صاروا في مثل هذا الخميس الذي هو عند الكفار عيد المائدة آخر خميس في صوم النصارى الذي يسمونه الخميس الكبير وهو الخميس الحقير يجتمعون في أماكن اجتماعات عظيمة ويصبغون البيض ويطبخون اللبن وينكتون بالحمرة دوابهم ويصطنعون الأطعمة التي لا تكاد تفعل في عيد الله ورسوله ويتهادون الهدايا التي تكون في مثل مواسم الحج وعامتهم قد نسوا أصل ذلك وعلته وبقي عادة مطردة كاعتيادهم بعيد الفطر والنحر وأشد واستعان الشيطان على إغوائهم في ذلك بأن الزمان زمان ربيع وهو مبدأ العام الشمسي فيكون قد كثر فيه اللحم واللبن والبيض ونحو ذلك مع أن عيد النصارى ليس هو يوما محدودا من السنة الشمسية وإنما يتقدم فيها ويتأخر في نحو ثلاثة وثلاثين يوما كما قدمناه ، وهذا كله تصديق قول النبي صلى الله عليه وسلم (لتتبعن سنن من كان قبلكم) والسنن مشابهة الكفار في القليل من أمر عيدهم وعدم النهي عن ذلك ، وإذا كانت المشابهة في القليل ذريعة ووسيلة إلى بعض هذه القبائح كانت محرمة فكيف إذا أفضت إلى ما هو كفر بالله من التبرك بالصليب والتعميد في المعمودية أو قول القائل المعبود واحد وإن كانت الطرق مختلفة ونحو ذلك من الأقوال والأفعال التي تتضمن إما كون الشريعة النصرانية واليهودية المبدلتين المنسوختين موصلة إلى الله وإما استحسان بعض ما فيها مما يخالف دين الله أو التدين بذلك أو غير ذلك مما هو كفر بالله وبرسوله وبالقرآن وبالإسلام بلا خلاف بين الأمة الوسط في ذلك وأصل ذلك المشابهة والمشاركة ، وبهذا يتبين لك كمال موقع الشريعة الحنيفية وبعض حكمة ما شرعه الله لرسوله من مباينة الكفار ومخالفتهم في عامة أمورهم لتكون المخالفة أحسم لمادة الشر وأبعد عن الوقوع فيما وقع فيه الناس ، واعلم أنا لو لم نر موافقتهم قد أفضت إلى هذه القبائح لكان علمنا بما فطرت الطبائع عليه واستدلالنا بأصول الشريعة يوجب النهي عن هذه الذريعة فكيف وقد رأينا من المنكرات التي أفضت إليها المشابهة ما قد يوجب الخروج من الإسلام بالكلية وسر هذا الوجه أن المشابهة تفضي إلى كفر أو معصية غالبا أو تفضي إليهما في الجملة وليس في هذا المفضى مصلحة وما أفضى إلى ذلك كان محرما فالمشابهة محرمة والمقدمة الثانية لا ريب فيها فإن استقراء الشريعة في مواردها ومصادرها دل على أن ما أفضى إلى الكفر غالبا حرام وما أفضى إليه على وجه خفي حرام وما أفضى إليه في الجملة ولا حاجة تدعو إليه حرام كما قد تكلمنا على قاعدة الذرائع في غير هذا الكتاب، والمقدمة الأولى قد شهد بها الواقع شهادة لا تخفى على بصير ولا أعمى مع أن الإفضاء أمر طبيعي قد اعتبره الشارع في عامة الذرائع التي سدها كما قد ذكرنا من الشواهد على ذلك نحوا من ثلاثين أصلا منصوصة أو مجمعا عليها في كتاب (إقامة الدليل على بطلان التحليل)

الوجه الرابع من الاعتبار:
أن الأعياد والمواسم في الجملة لها منفعة عظيمة في دين الخلق ودنياهم كانتفاعهم بالصلاة والزكاة والصيام والحج ولهذا جاءت بها كل شريعة كما قال تعالى (لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه) وقال (ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) ثم إن الله شرع على لسان خاتم النبيين من الأعمال ما فيه صلاح الخلق على أتم الوجوه وهو الكمال المذكور في قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم) ولهذا أنزل الله هذه الآية في أعظم أعياد الأمة الحنيفية فإنه لاعيد في النوع أعظم من العيد الذي يجتمع فيه المكان والزمان وهو عيد النحر ولا عين من أعيان هذا النوع أعظم من يوم كان قد أقامه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعامة المسلمين وقد نفى الله تعالى الكفر وأهله والشرائع هي غذاء القلوب وقوتها كما قال ابن مسعود رضي الله عنه ويروى مرفوعا (إن كل آدب يحب أن تؤتى مأدبته وإن مأدبة الله هي القرآن) ومن شأن الجسد إذا كان جائعا فأخذ من طعام حاجته استغنى عن طعام آخر حتى لا يأكله إن أكل منه إلا بكراهة وتجشم وربما ضره أكله أو لم ينتفع به ولم يكن هو المغذي الذي يقيم بدنه فالعبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته قلت رغبته في المشروع وانتفاعه به بقدر ما اعتاض من غيره بخلاف من صرف نهمته وهمته إلى المشروع فإنه تعظم محبته له ومنفعته به ويتم دينه به ويكمل إسلامه ، ولهذا تجد من أكثر من سماع القصائد لطلب صلاح قلبه تنقص رغبته في سماع القرآن حتى ربما يكرهه ومن أكثر من السفر إلى زيارة المشاهد ونحوها لا يبقى لحج البيت المحرم في قلبه من المحبة والتعظيم ما يكون في قلب من وسعته السنة ومن أدمن على أخذ الحكمة والآداب من كلام حكماء فارس والروم لا يبقى لحكمة الإسلام وآدابه في قلبه ذاك الموقع ومن أدمن على قصص الملوك وسيرهم لا يبقى لقصص الأنبياء وسيرهم في قلبه ذاك الاهتمام ونظائر هذه كثيرة ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (ما ابتدع قوم بدعة إلا نزع الله عنهم من السنة مثلها )رواه الإمام أحمد ، وهذا أمر يجده من نفسه من نظر في حاله من العلماء والعباد والأمراء والعامة وغيرهم ، ولهذا عظمت الشريعة النكير على من أحدث البدع وحذرت منها لأن البدع لو خرج الرجل منها كفافا لا عليه ولا له لكان الأمر خفيفا بل لا بد أن توجب له فسادا في قلبه ودينه ينشأ من نقص منفعة الشريعة في حقه إذا القلب لا يتسع للعوض والمعوض عنه ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في العيدين الجاهليين (إن الله قد أبدلكم بهما يومين خيرا منهما) فيبقى اغتذاء قلبه من هذه الأعمال المبتدعة مانعا من الاغتذاء أو من كمال الاغتذاء بتلك الأعمال النافعة الشرعية فيفسد عليه حاله من حيث لا يعلم كما يفسد جسد المغتذي بالأغذية الخبيثة من حيث لا يشعر، وبهذا يتبين لك بعض ضرر البدع إذا تبين هذا فلا يخفى ما جعل الله في القلوب من التشوق إلى العيد والسرور به والاهتمام بأمره إنفاقا واجتماعا وراحة ولذة وسرورا وكل ذلك يوجب تعظيمه لتعلق الأغراض به فلهذا جاءت الشريعة في العيد بإعلان ذكر الله فيه حتى جعل فيه من التكبير في صلاته وخطبته وغير ذلك مما ليس في سائر الصلوات فأقامت فيه من تعظيم الله وتنزيل الرحمة خصوصا العيد الأكبر ما فيه صلاح الخلق كما دل على ذلك قوله تعالى (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم) فصار ما وسع على النفوس فيه من العادات الطبيعية عونا على انتفاعها بما خص به من العبادات الشرعية فإذا أعطيت النفوس في غير ذلك اليوم حظها أو بعض الذي يكون في عيد الله فترت عن الرغبة في عيد الله وزال ما كان له عندها من المحبة والتعظيم فنقص بسبب ذلك تأثير العمل الصالح فيه فخسرت خسرانا مبينا ، وأقل الدرجات أنك لو فرضت رجلين أحدهما قد اجتمع اهتمامه بأمر العيد على المشروع والآخر مهتم بهذا وبهذا فإنك بالضرورة تجد المتجرد للمشروع أعظم اهتماما به من المشرك بينه وبين غيره ومن لم يدرك هذا فلغفلته أو إعراضه وهذا أمر يعلمه من يعرف بعض أسرار الشرائع، وأما الإحساس بفتور الرغبة فيجده كل أحد فإنا نجد الرجل إذا كسا أولاده أو وسع عليهم في بعض الأعياد المسخوطة فلا بد أن تنقص حرمة العيد المرضي من قلوبهم حتى لو قيل بل في القلوب ما يسع هذين قيل لو تجردت لأحدهما لكان أكمل

الوجه الخامس من الاعتبار :
أن مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل خصوصا إذا كانوا مقهورين تحت ذل الجزية والصغار فانهم يرون المسلمين قد صاروا فرعا لهم في خصائص دينهم فإن ذلك يوجب قوة قلوبهم وانشراح صدورهم وربما أطعمهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء وهذا أيضا أمر محسوس لا يستريب فيه عاقل فكيف يجتمع ما يقتضي إكرامهم بلا موجب مع شرع الصغار في حقهم

الوجه السادس من الاعتبار :
أن مما يفعلونه في عيدهم منه ما هو كفر ومنه ما هو حرام ومنه ما هو مباح لو تجرد عن مفسدة المشابهة ثم التمييز بين هذا وهذا يظهر غالبا وقد يخفى على كثير من العامة فالمشابهة فيما لم يظهر تحريمه للعالم يوقع العامي في أن يشابههم فيما هو حرام وهذا هو الواقع، والفرق بين هذا الوجه ووجه الذريعة أنا هناك قلنا الموافقة في القليل تدعو إلى الموافقة في الكثير وهنا جنس الموافقة تلبس على العامة دينهم حتى لا يميزوا بين المعروف والمنكر، فذاك بيان الاقتضاء من جهة تقاضي الطباع بإدارتها وهذا من جهة جهل القلوب باعتقاداتها

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }