[الهاجري الأثري]

----------------- توبة وندم ---------------

عن إسماعيل بن عبد الله الخز اعي قال : قدم رجل من الأثرياء إلى البصرة أيام البرامكة في حوائج له,
فلما فرغ منها, انحدر إلى البصرة ومعه غلام له وجارية, فلما صار في دجلة إذا هو بشاب عليه سيما الصلاح والتقوى واقفا على ساحل دجلة,
فطلب الشاب من الملاَح أن يحمله إلى البصرة وأن يأخذ منه الأجرة, فحمله الملاَح معه في السفينة,
فلما كان في وقت الغداء دعا الثَري بالطعام ثم دعا الملاح والشاب وغلامه وجاريته فشاركوه الطعام,
فلما انتهى من الطعام والشراب أخرجت الجارية عودها وهيأته وأصلحته ثم أخذت تغني وتضرب به,
فأراد الشاب مفارقة المكان, فأمسك به التاجر الثري وقال له : هل عندك أحسن من هذا ؟!! فقال الشاب : نعم !! اسمع معي !!
ثم شرع الشاب – وكان حسن الصوت – يقرأ القرآن : { قل متاعُ الدنيا قليلٌ والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا * أينما تكونوا يُدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيَدة } .

قال : فارتجَ التاجر واهتزَ عند سماع القرآن, وقال : أشهد أن هذا أحسن ما سمعت في حياتي !! فهل غير هذا يا فتى ؟!! فقال الشاب : نعم !! ثم قرأ : { وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنَا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سُرادقها وإن يستغيثوا يُغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشَراب وساءت مُرتفقا}

قال : فوقعت الآيات من قلب التاجر موقعا, فأمر بالخمر فأُريقت, وبالعود فكُسرت, ثم قال : يا فتى هل هاهنا فرج؟!! قال نعم !! ثم قرأ : { قل يا عبادي الذي أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنَ الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} .

قال فصاح التاجر صيحة خرَ بعدها مغشيا عليه, فحرَكوه فإذا هو قد مات !! فلما وصلوا البصرة غسَلوه وكفَنوه ودفنوه وكانت جنازته جنازة عظيمة كبيرة.

وأما جاريته المغنَية, فإنها تابت إلى الله وتركت الغناء وتعبَدت, وصارت تصوم النهار وتقوم الليل, فبينما هي ذات ليلة تصلي بالليل إذ أتت على هذه الآية : { وقل الحقَ من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنَا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سُرادقها وإن يستغيثوا يُغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مُرتفقا}.

فشهقت وظلَت تبكي وتشهق !! قال : فأصبحوا فوجدوها ميتة رحمها الله !!


كتاب : التوابين لابن قدامة المقدسي بتصرف

[ 05-07-2001: المشاركة عدلت بواسطة: الهاجري الأثري ]

[ 05-07-2001: المشاركة عدلت بواسطة: الهاجري الأثري ]