عرض مشاركة مفردة
  #10  
قديم 29-06-2003, 09:32 AM
lwliki lwliki غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
الإقامة: هووون
المشاركات: 85
إفتراضي

أميركا أو الوهابية

ثنائية ثالثة محرجة ليس لها من حلّ في الأُفق. إما خيار الوهابية أو العداء لقوى إقليمية ودولية لا قبل للمملكة بمواجهتها جميعاً، ولا الفرار ـ في المدى المنظور ـ من آثار استعدائها. الوهابية حين بروزها الأخير أثناء تأسيس الدولة كانت لا ترى غير أتباعها مسلمين، والبقية جميعاً بلا استثناء كفرة ومشركين. على هذا قام بنيان الدولة السعودية، عبر شرعنة التوسّع العسكري واعتبار ديار الآخر ديار كفر وبطلان. والآخرون عاملوها بالمثل، عداءً بعداء، وتكفيراً بتكفير.. سواء في مصر أو الأردن أو العراق، أو اليمن ودول الخليج العربي نفسها، فضلاً عن الأبعدين تركيا العثمانية وايران الشيعية، إضافة الى مسلمي القارة الهندية.

بتأسيس الدولة، حاول الملوك السعوديون تلطيف ملمسها، بعد أن توقف التوسّع (أي الجهاد الوهابي) فأمنت الدول المجاورة من تغوّلها، وبدا أنها قد ضُبطت عبر مأسستها وتقاسمها للحكم في بعده الديني. وشيئاً فشيئاً، عاودت الروح الجهادية من جديد، فجرى قذفها بوجه الآخر الخارجي تشيع تكفيره، وتحرّض عليه، مترافقاً مع رصد الإمكانات المادية الكبيرة التي جاءت بها إيرادات النفط. لقد وجّهت ضد مصر الناصرية، وضد بعثية العراق، وضد ثورية وشيعية إيران، وجاءت أحداث احتلال افغانستان فدفع الأمراء بأتباعها الى محرقته ليمارسوا الجهاد ضد الشيوعية. أميركا والغرب عامة كانا الرابح الأكبر من تلك المعارك، لم توجه لهم طعنة أو ضربة، ولم يلتفت أحدٌ من أتباعها الى احتلال لبنان أو فلسطين إلاّ لماماً وكلاماً. كان جهيمان يريد إعادة الفريضة الغائبة ولكن أين؟ حسب شعره المنشور: الى دول الجوار (في الخليج تحديداً)، وكانت الرموز المتطرفة تبدي تأففاً متصاعداً من تعطيل الجهاد الذي كان سبباً في ثورة الإخوان الأولى في العشرينات الميلادية، فجاءت أفغانستان مثل (كوّة) أو (فرجة) تنفيس للشعور بالإحتقان الداخلي، فتضخمت عضلات الأتباع، وسقطت مهابة الدولة ونظام الحكم الذي أصبح هو الآخر هدفاً لمرماهم. وأميركا التي كانت تفاخر بالإسلام السعودي المعتدل (الوهابية) وترفعه مقابل إيران ولبنان والسودان والجزائر وغيرها، وكانت تتمنّى لو أن النموذج السعودي (الفريد) جرى تعميمه.. النموذج (المعقلن) المدار من قبل السلطة السياسية السعودية المحافظة التي ترسم له فضاء معاركه، وتحدد له خصومه.. لكنها اكتشفت متأخرة أنها كانت مخطئة في تقييمها. أميركا والغرب تعايشا مع الوهابية منذ نشأتها ولم يصطدما بها، بل موّلوها ـ كما هو معروف في التاريخ ـ لتقضي على خصوم النظام السياسي المتوازي مع خطط البريطانيين ومن ثم الأميركيين.. اليوم أصبحت أميركا مستهدفة لأول مرة في تاريخ الوهابية. وهكذا، أصبحت العائلة المالكة المتكئة في الأساس على عكازين متناغمين متآلفين الى حد كبير: الوهابية حامية الداخل الشعبي وأميركا حامية النظام خارجياً، متعاديين متناقضين، لا تستطيع العائلة المالكة فوقهما إلاّ الإهتزاز والترنّح.

منذ بداية التسعينيات وعودة من سمّوا بـ (الأفغان العرب) الى ديارهم، تزايد قلق دول الجوار، بل والأبعدين العرب والمسلمين من تلك العودة التي كشفت عن تصادم عنفي بينهم وبين أنظمتهم. وبتتبع الخيوط التي كانت على الدوام تؤدي الى دور للمملكة ومؤسساتها وفكر رجال دينها، انبعث تاريخ الخوف القديم من تمدد الوهابية (يعتبر الوهابيون ذلك من مفاخرهم كون جميع الأنظمة تستهدفهم عربية وإسلامية وغيرها). غير أن الدبلوماسية السعودية الهادئة، استطاعت رغم غياب المساعدات، تلطيف الأجواء، وإقناع الآخر بأن المتطرفين لا يمثلون إلاّ جناحاً صغيراً يمكن استئصاله. لكن أحداث نيويورك وواشنطن (غزوة مانهاتن!) وما نتج عنها من إملاءات وضغوط أميركية.. بدأت تلك الدول العربية والمجاورة تحرّض وتشير بأصابع الإتهام الى السعودية ونظام الحكم فيها بمؤسساته ورجاله. بالنسبة لكثير من تلك الدول، أدت أحداث نيويورك الى استحضار تاريخ الوهابية القديم خاصة في دول الخليج العربي واليمن والأردن، فظهر بينها من انتعش مما حدث، وشمت بنظام الحكم السعودي، واستحضر ثارات التاريخ، وتمنّى المتمنّون أن لو عاد الوهابيون الى قمقمهم في نجد، وأن لو تحوّلت السعودية الى دويلات (أو دول حتى لا يغضب البعض!) وتم تالياً تحجيم السعوديين في إطار مملكتهم القديمة وفي دائرة الوهابية: نجد.

الولايات المتحدة اليوم تضغط بشدّة على العائلة المالكة لقصقصة أجنحة الوهابية، أو تحجيم دور الدين في عملية صناعة القرار السياسي عموماً، وتضع ذلك في كفّة، والإستمرار في علاقات متميّزة، مع ما تعنيه من استمرار لحماية نظام العائلة المالكة في كفّة أخرى. الرفض يعني ـ كما تلوح بوادره ـ زعزعة نظام الحكم، وتقسيم المملكة، وهذا الخيار الأخير بُدئ بالعمل به فعلاً والبحث عن وجوه سعودية تستكمل صناعة السيناريو القادم، متزامناً مع تحريض بعض دول الجوار ـ لا داعي لذكر إسمها ـ لأميركا لكي تقدم على ذلك. الأمراء السعوديون المتنفّذون اليوم في حيرة من أمرهم، والحقيقة فإن وضعهم صعب للغاية، فهم لم يفكّروا أن ثنائية صعبة كهذه يمكن أن تواجههم في يوم ما. وفي حين أن الشارع السعودي في مجمله، بغض النظر عن الموقف الأميركي، يميل الى تحجيم الوهابية، فإن العائلة المالكة وفي أعلى هرم رموزها منشقة على نفسها:

* فالأمير عبد الله وتياره يميل الى خيار إصلاح الوضع الداخلي، وترطيب العلاقة مع الفئات الإجتماعية المهمّشة وهي الأكثرية الساحقة، ويرى بأن الوهابية قد استفحل خطرها المباشر على نظام الحكم نفسه، وأن عديداً من عناصرها تريد أن تكون البديل للعائلة المالكة عبر استخدام العنف، وانها بوضعها الحالي أداة تفتيت للوحدة الداخلية، وفوق هذا فهي عنصر توتر في العلاقة مع الخارج عموماً وليس مع أميركا وحدها. لذلك فإن تيار الأمير يميل في أقل الأحوال الى تشذيب الوهابية، وليس استئصالها، وكأنه يريد أن يبقى لها دوراً متميزاً في المملكة ولكن ليس الى حد ارتهان الدولة. هذا الموقف يفسّر الى حد كبير بعض الخطوات التي اتخذت في هذا السبيل وفي مقدمتها دمج الرئاسة العامة لتعليم البنات بوزارة المعارف والتي أدّت الى حملة هائلة من الجناح الوهابي المتطرف ضدّه، جاء جزء كبير منها بتحريض من الجناح الآخر. وإذا كان الأمير عبد الله وفي خطوته الأولى قد بدا وكأنه خسر بعضاً من أنصار الوهابية فإنه كسب في المقابل التيار العريض في المملكة.

* التيار الآخر، ويمثله التيار السديري الأقوى، وهو يميل الى تأكيد دور المؤسسة الوهابية: أولاً لإرضائها من أجل الإصطفاف معه مقابل التيار الآخر، وثانياً، لأنه يعتقد بأن المملكة قد تكون أقوى في مواجهة التحدّي الأميركي حين يتمّ تصليب الوهابية ودعم التحالف معها، وهو شأنٌ يقوم به وزير الداخلية بشكل أساسي (من غريب السياسة أن وزير الداخلية هو المسؤول الأول عن كبح جماح الوهابية وهو من وضع عدداً من رموزها في المعتقلات). وثالثاً، فإن تعزيز دور الوهابية، مؤسسات وأفراد، كفيلٌ بإبعاد المملكة عن الإصلاح السياسي ومواجهة الخصوم المحليين بخصم إقصائي شرس، أثبت في الماضي عبر الدعم الرسمي المالي والمؤسساتي، صلابة غير عادية في تعويق الإصلاح. هذا الرأي، يفترض أنه لا بدّ من تقديم بعض التنازلات للتيار الوهابي بمتشدديه ومعتدليه، وهو ما يحصل بالفعل، فهامش العمل السياسي والإعلامي توسّع، وتمّ إعطاء الوهابية حصّة إضافية في مؤسسات الدولة الإعلامية، كما جرى التخفيف عن السجناء المتهمين بالقتال الى جانب طالبان وأُطلق سراح أكثرهم. لا غرابة إذن أن نلحظ في منتديات الحوار الوهابية عبر شبكة الإنترنت مديحاً مستغرباً لوزير الداخلية ولإبنه، ووفق هذه الرؤية لم يكن مستغرباً أن يعزّز وزير الداخلية هذا الشعور بدعم الوهابية في مقابلته الشهيرة مع جريدة السياسية الكويتية مؤخراً والتي شدد في مواقع كثيرة جداً على دورها في الدولة وأنها جزء منه ودافع عن ممارساتها كما فعل مراراً من قبل أثناء حريق مدرسة مكة وغيرها.
ومع أنّ خيار الوهابية يصطدم مع الخيار الأميركي، فإن هذا التيار ينسى أن هناك رأياً عاماً شعبياً سيكون في أقل الأحوال غير متحمّس لمعارك سياسية قد تخاض لصالح الوهابية ومن يدعمها، وهذا ما يجعل الرأي العام الشعبي في وادٍ غير واد السلطة، بل قد يكون نذيراً لها، وليس من المعقول أن تدخل العائلة المالكة في معركة مع الداخل الشعبي والخارج الأميركي. لعلّ ما يظهر من الجناح السديري مجرد محاولة للمواءمة بين المتطلبات الأميركية ومتطلبات بقاء النظام بمنأى عن التغيير عبر إبقاء الوهابية وعدم الإنفكاك منها، ولكن هذه المواءمة ستفشل فيما يبدو في إرضاء الأميركيين والوهابيين على حدّ سواء. وربما أيضاً تكون سياسة الجناح آنف الذكر، مجرد تكتيك أوّلي لكبح الضغوط الأميركية وتكتيل الشارع السعودي وراءها، وإن لم تتخذ صفة الدفاع عن الوهابية بالكامل، الأمر الذي يعني أن هذه السياسة قابلة للتحول الى النقيض حين تفشل. أيضاً قد يكون هناك مبرر ثالث، وهو أن تعزيز الوهابية وتأكيد دورها رغم كل الضغوط مجرد ورقة في الصراع الداخلي للأجنحة، ولا تستهدف بالضرورة استثمارها على الصعيد الخارجي، أي أن اللاعبين قد قدّموا معاركهم الداخلية حول كرسي الحكم وتقاسم السلطة فيه على ما تتعرّض له المملكة ككيان من مخاطر جمّة.


يتبع : المشروع الوطني
__________________
( لا تسيئوا فهمه..
ولا تنكروا عليه ان ينقد أو يتهم أو يعارض أو يتمرد أو يبالغ أو يقسو..
انه ليس شريراً ولا عدواً ولا ملحداً.. ولكنه متألم حزين ..
يبذل الحزن والألم بلا تدبير، أو تخطيط..
كما تبذل الزهرة اريجها .. والشمعة نورها ).
وللتاريخ ان يقول ما يشاء.