عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 21-06-2006, 04:35 AM
B.KARIMA B.KARIMA غير متصل
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
الإقامة: أرض الله واسعة
المشاركات: 327
إفتراضي

الخيانة فى المفهوم الأمريكي

بل، وحتى المجتمع الأمريكى نفسه، الذى بنى فوق دعائم من القيم السلبية الأخلاقية المتطرفة فى شرورها، بدءا بإبادة شعب بكامله من سكان أمريكا الاصليين، ونهب أرضه وثرواته.. حتى هذا المجتمع أقر عقوبة الاعدام بحق الخونة الذين كانوا يبيعون أسرار دولهم الى الدول الأخري، وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي. وتنفيذ أحكام الاعدام بحق العديد من "الخونة" الأمريكان التى لم تكن بالضرورة فى وقتها أن تكون قد صدرته عن المحاكم الرسمية المختصة، اذ أنه كان يكفى فى كثير من الأحيان أن يفتتح واحد من المسؤولين فى هذا الجهاز البوليسى أو ذاك بان شخصا "شيوعيا" قد تضاعفت خطورته على النظام الى درجة مقلقة كى يتم اعدامه فى الشارع رميا بالرصاص بحجة مقاومة حوادث الشغب اثر اندلاع مظاهرة شعبية غاضبة فى هذه المدينة أو تلك من المدن الامريكية. وفى واقع الأمر فان عدد الذين تم اعدامهم من "الخونة" بهذه الطريقة يفوق بمراحل تلك الأعداد القليلة التى صدرت أحكاما قانونية بالاعدام بحقهم. هذه الصورة تغيرت جذريا بعد زوال الاتحاد السوفييتى وانهيار النظام الشيوعي: فجأة وجدت الأحزاب الشيوعية نفسها وظهرها يستند الى جدار من هواء بعد أن كان ذلك الجدار مصنوعا من الحديد أو حتى الفولاذ.. وفجأة، أيضا اكتشف الشيوعيون بأن اجنحتهم قد تم اقتلاعها من جذورها، فأصبحوا عاجزين عن الاقلاع نحو أى مكان أو تحقيق أى هدف.. انكفأوا على ذواتهم وهم لازالوا يسيرون، ولكن فى هذه المرة بخطى مثقلة بالهموم وخيبة الأمل وتحطم الأحلام، كى يحتلوا ركنا متواضعا ـ ولربما حتى منسيا ـ فى سجل التاريخ البشري. وانفردت أمريكا بالعالم. وتجذّرت حتى أعماق مجتمعها نظرتها الاحادية المتعالية الى شعوبه. ومن خلال هذه النظرة الأحادية، تغيرت الصور، واختلفت المعاني.. لم يعد هناك معنى لكلمة "الخيانة"، ولم يعد هناك وجود لجريمة بهذه التسمية.. لا فى داخل المجتمع الأمريكى ولا خارجه، خصوصا بعد أن ارتبطت الصور والمعانى بالمفهوم الأمريكى للحرية والديمقراطية. اذ أن الحرية والديمقراطية بموجب هذا المفهوم، ليس لهما إلا معنى واحد لا غير.. ويتمثل فى اقتناع شعوب الأرض قاطبة ـ بأى طريقة، وبكل طريقة ـ بأن حريتها لا يمكن تحقيقها الا من خلال تبعيتها الكاملة وخضوعها الذليل لامريكا. وبالتالى فانه سوف لن يكون للديمقراطية سوى مفهوم واحد، وخصوصا فى ذلك الجانب منها المتعلق باختيار ممثلى الشعب لكافة المراكز الأساسية فى المجتمع، وهو أن يختار الشعب ـ وبملء حريته ـ ممثليه من بين المرشحين الأكثر ولاءا لأمريكا، والأكثر استعدادا لخدمة مصالحها.
وكلما كان المرشح أكثر استعدادا لبيع الوطن لها، كلما استطاع الارتقاء بذاته درجة أو أكثر فوق السلم الديمقراطي. أما فى حالة بعض المفاجآت المتعاكسة مع النهج الديمقراطى "السليم" كأن ترفع الانتخابات رموزا رافضة "للحرية" الأمريكية، فان ذلك ليس له الا تغيير واحد هو أن هناك خللا ما قد حدت فى واحد من مفاصل الالية الديمقراطية، ولربما حتى أكثر كأن تكون العملية كلها قد تعرضت لعملية "تزوير" واسعة النطاق، أو أن يكون "الشعب" ذاته لا زال يعيش حالة من التخلف وقلة الوعي، تتيح لاعداء الحرية والديمقراطية خداعة وتزوير ارادته، كما هو حادث بالفعل فى العديد من دول العالم: "الغالبية العظمى من دول أمريكا اللاتينية.. روسيا البيضاء.. بعض الدول التى كانت سابقا من دول الاتحاد السوفييتي.. فلسطين المحتلة..الخ". وبالتالى فان من الضرورى عمل شيء ما.. أى شيء لمساعدة شعوب تلك المناطق على تصحيح المسار الديمقراطى فيها، وعلى الارتقاء بوعيها إلى مستوى الديمقراطية الصحيحة. وكى تنجح أمريكا فى تحقيق ذلك فان عليها أن تساعد تلك الشعوب على تجاوز كافة المعوقات والسلبيات التى تعرقل حدوث ذلك الارتقاء الخلاق، وفى مقدمتها تلك المفاهيم والقيم المتعفنة البالية، والمعششة داخل النفوس، أو على الأقل تمييعها الى أقصى الحدود بشكل يجعلها لا تعرقل بل تستخدم كجسور يعبر فوقها الناس للوصول الى الضفة الثانية التى يعيش فوق سطحها العالم الحضارى المتمدن الذى يعيش حريته كاملة.