عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 23-08-2001, 04:09 AM
SAID622 SAID622 غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2001
المشاركات: 54
Post مشكلة رجل الدين المعاصر

مشكلة رجال الدين
د.بـــاســــم خــفـــاجــي¨
Bassem@khafagi.com

ما هي مشكلة رجال الدين في العالم العربي؟ يجمع العامة وبعض المثقفين وقلة من علية القوم على إظهار التقدير والاحترام لهم، ولكن الواقع في الغالب أنه لا يأبه لهم أحد. رجل الدين لم يعد قدوة لأحد في عالم الاستهلاك والاستمتاع والمغريات والتقنيات. رجل الدين أصبح هامشياً في مجتمعات العولمة، والشركات المتعددة الجنسيات. رجل الدين فقد القدرة على التأثير في الحياة اليومية، واختزل دوره إلى افتتاح المناسبات أو الوعظ في دور العبادة أو رقية الأطفال. رجل الدين أصبح مرجعاً فقط في قضايا الأحوال الشخصية والميراث، وسرد قصص التاريخ، والقليل من حكايات الصالحين. فما سبب ذلك، ومن نلوم؟ هل نلوم المجتمعات التي أفرطت في المادية والحياة النفعية، أم أن اللوم يجب أن يلقى فوق رؤوس رجال الدين فهم قد تخلوا عن الأمانة؟
إن الأمة في أزمتها الحالية في حاجة إلى رجال دين يجمعون بين صفات وعزم الرجال، وبين معرفة أحكام الدين، وواقع الدنيا. نحن نحتاج إلى علماء يفقهون الكتب الدينية، ويفقهون كذلك المشكلات الإنسانية والاجتماعية. رجل الدين الذي تحتاجه الأمة رجل معاصر مطلع على وسائل التقنية ومدرك للواقع الاقتصادي والسياسي ليس فقط المحلي، بل والعالمي أيضا. رجل الدين اليوم لم يعد يتنافس مع شيخ في زاوية في الطرف الآخر من المدينة أو القرية، بل أنه اليوم في مواجهة مباشرة مع قوى العولمة وتيارات الانحدار الثقافي والفكري العالمية. فلماذا لا يوجد رجال دين من هذا الشكل في مجتمعاتنا؟ أين رجال الدين؟
من السهل أن نلقي باللائمة على المجتمعات، وما أكثر ما تتلقى المجتمعات من اتهامات، ومن السهل أن نقول أن الإعلام العربي قد شوه صورة الدين، وأن الحاكم قد قلص من صلاحيات رجال الدين. من الممكن أيضاً أن ندعي أن الناس قد ملت من الدين، وأن المجتمعات لم تعد تهتم بفهم أصول الدين. ومن الممكن أن نتفنن في إيجاد أسباب أخرى فكرية وثقافية واقتصادية، ولكن السؤال الحقيقي هو أين هم رجال الدين من كل ذلك؟ المشكلة أن رجل الدين في مجتمعاتنا بدأ منذ سنين في المنافسة على الدنيا مع المتنافسين. رجل الدين الذي كان يشار إليه في الماضي على أنه ضمير الأمة رضي أن يكون اليوم في قطيع المخدرين. ذات يوم كان العالم يخيف السلطان، وكان الداعية يقف في وجه كل طغيان. كان رجل الدين في أول صفوف المجاهدين .. كان يحمل هم الفقراء. كان رجل الدين سراجاً يضيء الطريق للتائهين. أما اليوم فهل ننعي للأمة موت رجال الدين؟
مشكلة رجال الدين في هذا الزمان –إلا من رحم الله وهم قليل- أنهم قد ارتضوا أن ينسحبوا من الصفوف الأمامية في العطاء، بل إن بعضهم قد استخدم الدين طريقاً للتسلق ووسيلة لإرضاء أصحاب السلطة وقيادات النظام. ألم يخاطب أحد الدعاة ملكاً ينتسب إلى الإشراف بقوله "كيف لا نحبك، وصلاتنا لا تقبل إلا بالصلاة عليك" (إشارة إلى التشهد عندما يدعو المسلم لآل النبي)، ويقف الآخر ليقول عن أحد الحكام "لو أن الأمر لي، لجعلته في مقام الذي لا يسئل عما يفعل"، وثالث يخاطب الخادم أو الحاكم بأنه "خليفة المسلمين"، ورابع يعلن "لو دعيت إلى الكنيست لأجبت!"، ومثل ذلك تتناقله الألسن في كل البلاد. نعم هذه النماذج قليلة، ولكن مع ركود بحيرات العطاء، فإن القليل من الدرن يفسد الكثير. رجال الدين اليوم في بلادنا مغرقون في التفاهات، لا يتحدثون إلا عما أقر الحاكم أنه من المباحات، لا يتحدون .. لا يعلنون الغضب .. لا يغامرون.. لا يتعلمون فقه الدنيا .. يتساهلون .. لا يقدمون الغالي للدعوة .. يعظم في أعينهم عملهم .. ويعظم في قلوبهم خشية السلطان... معذرة يا رجال الدين فقد أرهقتمونا بالحديث عن المشكلات .. لا تقدمون لنا حلا .. ولكنكم تلعنون الواقع ولا تساعدونا على الوصول للغايات .. معذرة يا رجال الدين .. لا تفصلوا الإيمان عن الحياة .. فمشكلاتنا كلها مشكلات دينية .. الجوع والتسلط والاستغلال والاستعمار والبطالة والقهر كلها مشكلات دينية.
المطلوب اليوم في الأنظمة الليبرالية ألا تتدخل الدولة في الدين، وألا يتدخل الدين في الحياة، ورجال الدين يقولون سمعاً وطاعة: "العقيدة لا غبار عليها، أما الإيمان فليبق في القلوب. لا بأس أن نسجد خلف الإمام، لكن لابد أيضاً أن نركع للقانون والنظام". والمطلوب اليوم في الأنظمة القمعية أن يستخدم الدين لبسط سيادة النظام على العقول والقلوب .. أن تتحول الدولة إلى دين .. ورجال الدين يقولون سمعاً وطاعة: "ومن السياسة ترك السياسة، والجهاد جهاد النفس، ودع ما لقيصر لقيصر"، ومن لا يتبع الدولة فهو خارج عن الدين، فالدولة هي الدين. والمطلوب اليوم في الأنظمة العالمية أن يصبح الدين فضفاضاً ومرنا ليتقبل التغيرات العالمية ومشروعات العولمة .. ورجال الدين يقولون سمعاً وطاعة: "فحقوق الإنسان هي ما يقرره الأمريكان .. والسلام مع اليهود مطلب عادل .. وتحرير الأسواق هو أصل الشريعة التي تمنع الاحتكار". فهل بالله عليكم أمتنا في حاجة إلى رجال دين من هذا النوع؟ نعم هناك المخلصون، وهناك العاملون، ولكننا أمة جاوزت البليون، فكم فيها اليوم من هؤلاء؟ إننا جميعاً في حاجة إلى رجال الدين .. إن المادية التي نقتحم حياتنا صباح مساء تحتاج إلى يعيننا على مواجهتها والتعامل معها دون أن ننعزل عن واقعنا، ودون أن نفقد هويتنا. رجل الدين الذي نريد هو نبراس يتقدم الطريق .. يحيي في الأمة الرغبة في الحياة، ويشعل فيها أيضاً طاقات الإبداع والنجاح، ويقودها إلى التفوق في الدنيا والنجاة في الآخرة، فهل تعرفون عمن أبحث؟ إنني أبحث عن "رجال" الدين؟ .. إنني أنادي كما تنادون .. نحن في حاجة ماسة إلى "رجال" للدين. فهل يسمعون؟