عرض مشاركة مفردة
  #38  
قديم 02-05-2006, 06:18 AM
أحمد ياسين أحمد ياسين غير متصل
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2005
الإقامة: فرنسا
المشاركات: 6,264
إفتراضي

دعاة التطبيع مع "إسرائيل"



بقلم: سيد زهران

صحيفة البيان الإماراتية 13/10/2005



انطلقت في الفترة الأخيرة دعوات مجانية - في ظاهرها- للتطبيع مع "إسرائيل"، وركزت على ضرورة الإسراع في إقامة علاقات اقتصادية وثقافية ودبلوماسية بين دول مجلس التعاون الخليجي والكيان الصهيوني، كضرورة لتحقيق النهضة والتحديث، وتوفير الظروف اللازمة للازدهار الذي ترجوه المنطقة.



غرابة الدعوة، التي أطلقها كتاب وصحافيون خليجيون. أنها لم تصدر عن عواصم عرفت بسابقة «الهرولة» واستضافة رموز "إسرائيل" في منتصف حقبة التسعينات من القرن الماضي، بل انطلقت من الكويت، والسعودية، الدولتين المعروفتين بثبات الموقف الرافض بشكل قاطع لأية علاقات رسمية أو شبه رسمية، قبل أن يتحقق السلام الشامل والدائم، وتنسحب قوات الاحتلال الإسرائيلي من كل الأراضي العربية، سواء في الضفة الغربية لنهر الأردن أو مرتفعات الجولان السورية، أو جنوب لبنان.



وزاد من غرابة أحدث دعوة خليجية للتطبيع مع "إسرائيل"، أن دعاتها طرحوا خطاباً «نشازاً» على مسار الصراع العربي الإسرائيلي، ولم يسبقهم إليه أحد من «كهنة التطبيع» ورواده، حيث ربطوا بين التطبيع ونهضة المنطقة، وكأن مفاتيح الخير والرفاهية بيد أمثال الإرهابي آرييل شارون، ومن لف لفه من قيادات تل أبيب.



وهذا الطرح يتناقض مع خبرات التطبيع بين "إسرائيل" وكل من مصر والأردن، ففي الأولى لم تسفر عمليات التطبيع السريع في مجال الزراعة، إلا عن كوارث، في كل المجالات، حيث فقدت مصر نبوغها وتفرد أصناف القطن المصري، وتدهورت المحاصيل الحقلية، وتدنت إنتاجية الأرض، بفعل الاعتماد على البذور والمبيدات الإسرائيلية، التي أشاعت الأمراض الفتاكة بين المصريين، لدرجة أن معدل الإصابات بأمراض الكبد والكلى بلغ أكثر من30%.



وجاءت مع أفواج السياح الإسرائيليين إلى مصر، فرق نسائية لنشر الإيدز، والمخدرات، والتهتك الأخلاقي، والشذوذ، ولولا أن السلام المصري الإسرائيلي ظل بارداً، بفعل المقاومة الشعبية للتطبيع، لتدهورت الأوضاع بسرعة جنونية إلى الهاوية.



وللتغلب على بطء عجلة التطبيع، لجأت "إسرائيل" إلى توظيف الرافعة الأميركية، كبوابة إجبارية، تلزم الراغبين في الوصول إلى أسواق الولايات المتحدة، على المرور عبر الباب الإسرائيلي، مثلما حدث في اتفاقية «الكويز» أو المناطق الصناعية المؤهلة.



أما في الأردن، فقد لم تضف السياحة الإسرائيلية شيئاً مفيداً إلى الاقتصاد، بل رصدت عمليات نهب وسرقات من الفنادق الأردنية، إضافة إلى خبرات ومحاولات إلحاق الأذى، والحصول على مكاسب من طرف واحد.



ويخطئ من يظنون ظناً حسناً، بأن التطبيع هو بوابة النهضة والتحديث، ففي واقع الأمر إن التطبيع مجرد مصطلح مضلل لعملية أشمل تهدف إلى فرض هيمنة "إسرائيل الكبرى"، وجعلها القطب الإقليمي المحرك لسياسات دول المنطقة، بعد أن تكتمل عمليات الفك والتركيب، فك الارتباطات التاريخية، وإعادة رسم الخرائط الجغرافية.



ويتفق الخبراء والمفكرون الاستراتيجيون، الغربيون قبل العرب، على أن مصطلح التطبيع. مجرد اختزال وتبسيط لعملية أكبر، هي إعادة صياغة الشرق الأوسط «الجديد» وفقاً لرؤية برنارد لويس «الأكبر» طبقاً لخطة زلماي خليل زاده، أو «نحو شرق أوسط جديد» يريده شيمون بيريز، ورغم اختلاف الأسماء يبقى المضمون واحداً: تسريع عملية هدم وتحطيم النظام العربي، وإضعاف الرابطة القومية، حتى يصبح الحديث عن وطن عربي، من أحاديث الماضي مثل الحديث عن العنقاء والخل الوفي، ويعلو الحديث عن دول الطوائف والأقليات، التي لن تجد "إسرائيل" أفضل منها في التعامل، والتدجين، فهي ستكون مجرد كيانات تابعة، بحكم النشأة أو القدرة على الاستمرار.



يرتبط بمشروع فك وتركيب الدول العربية، عزل العراق، بعد تفتيته، وإبعاد دول الخليج العربية عن محيطها العربي، وهو أمر ينذر بمخاطر تهدد ليس الاستقرار، بل الوجود على الوضع الراهن، ولن يوفر كما يظن دعاة التطبيع الفرصة للتقدم والرفاهية، بل على العكس، سينتقص من فرص النهضة القائمة، لأن جوهر المشروع التطبيعي يقوم على جعل "إسرائيل" واحة مزهرة وسط صحراء قاحـلة، أو لـغة مباشرة، مركز أعمال يأخذ ولا يعطي إلا الفتات

المصدر