الموضوع: جسد بلا روح
عرض مشاركة مفردة
  #80  
قديم 14-05-2004, 01:50 PM
أطياف الأمل أطياف الأمل غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2000
الإقامة: على نفحات الأمل
المشاركات: 3,246
إفتراضي

المرة الأخيره


عندما كنت صغيرة.. كنت أعتقد أن العمل الخارق هو ما كان يفعله الرجل الخارق في المسلسلات التلفزيونيه من القبض على الأشرار أو النفخ بفمه فيطفأ بذلك النيران.. أو سرعته الهائله عند الركض حيث يختصر مسافة تقطع في ساعات طوال بالسيارة أو الطائرة بثوان..
ولكن الآن.. وبعد أن كبرت.. علمت أن الرجل الخارق تافه.. وليس بخارق أبدا.. وأن ما يفعله ليس سوى تمثيلا.. وعرفت العمل الخارق الذي لا يشابهه عمل.. بالواقع عرفت أعمال كثيرة خارقه..بينما الآن..أدركت أحدها.. كان عملي الخارق في تلك اللحظة أن أفتح عيني.. وبالفعل.. فتحتها.. فتحت عيني بإعياء شديد ونظرت إلى ما حولي.. إنه هو.. اليوم الموعود.. يجب أن أنهض..
حاولت النهوض وأحسست بأن ضلوعي ستتكسر من الألم حتى انه هيأ لي أني سمعت صوتها تتكسر بينما أنا أنهض.. إلا أنه لم يهمني أي شيء.. ولا أي شيء.. سوى أن أذهب.. أن أراه.. ولو للمرة الأخيرة..
نهضت من فراشي بتثاقل أترنح في مشيتي.. كدت أقع فأمسكت طرف سريري.. أستندت عليه واتجهت لأغتسل.. انتهيت من اغتسالي ومن ثم خرجت وبدأت دوامة الإستعداد للذهاب..
لم أستيقظ مبكرة فقد كانت بوادر الليل قد شارفت بالظهور.. تقف بعيدا وتلوح بيمناها.. تهمس بعذوبة للجميع.. إني آتيه..
كان الليل قد أقبل.. وقد قارب الحفل أن يبدأ.. لذا أخذت أعجل في استعدادي.. فتحت دولاب ملابسي.. أبحث بينها عن ما يناسبني.. أخرجت ملابس المناسبات الخاصة بي لم يعجبني أي منها.. ذاك قصير والآخر واسع جدا.. وذلك لا يصلح.. لا هذا أسود وأنا لا أريد أن ألبس شيء داكنا.. سيزيدني شحوبا.. هذا أيضا غير مناسب.. يا إلهي ماذا أرتدي؟؟
خطر ببالي خاطر ما.. أخذت أفكر فيه قليلا ثم همست: أجل.. ولم لا؟
خرجت من غرفتي أجر قدمي خلفي جرا حتى وصلت إلى هناك.. نظرت إلى الباب فسرت بجسدي رعشة قوية.. لا أقوى على ذلك لا أريد.. هممت بالرجوع.. بالعودة من حيث أتيت لكن شيء ما صاح بداخلي وحثني أن أدخل..
احترت..هل أدخل؟ أم أعود؟ هل أفتح الباب وأنظر ما خلفه؟ أم أعود إلى مكان أعرفه جيدا وأعي ما به من أمور؟
وبعد عدة مشاورات مع النفس.. اتفقت مع نفسي على أن أدخل.. فتحت الباب وفعلا دخلت..
خطوت خطوة للأمام ثم توقفت برهة.. ثغرت فاهي وأنا أرى ما رأيت.. لا أدري كيف أصف ما طبع على عيني.. جمال؟ روعه؟ أناقه؟ لا أدري.. لا شيء يفيه قدره..
عتبت على نفسي.. كيف حرمتني من التمتع بهذا الجمال منذ أن انتقلت للمعيش هنا؟
أهذه غرفة أمي؟أمي أنا؟ أمي الحقيقية؟ أكانت تعيش هنا؟ وأبي.. أبي الحبيب.. هل كان يشاركها هذه الحجرة؟ ينامان فيها.. يضحكان..يبكيان بين جدرانها؟وهذه الجدران..هل رأت هذه الجدران أمي وأبي؟
أخذت ألف حول نفسي وكأن نظراتي تسأل كل شيء عنهما.. تسأل الجدران..أحقا رأتهما؟؟ وشهدت على حياتهما؟
اقتربت من السرير.. تحسسته بيدي وكان أناملي تسأله.. أحقا ناموا عليك؟ أحقا تناشرت خصلات شعر أمي على وسائدك؟ وأبي هل قرأ صحيفته وهو جالسا عليك؟ وشرب قهوته الصباحية عليك بينما أمي تحثه على عدم ذلك؟
لم أستطع البكاء فأي دموع بقيت لي فأخذت ابتسم..تذكرتهم فابتسمت وقلت:
- ليتك هنا يا أمي.. أريدك.. أريد أمي أنا.. فلم رحلت؟ لم تركتني وذهبت؟ لا أذكرك ولا أذكر معيشتي معك.. كم قضيت معك؟ سنتان؟ آه كم أحسد عيني أنها رأتك سنتان كاملتان.. أشتاقك يا أمي.. أود لو أني دخلت حجرتك فوجدتك تجلسين فيها..هنا على كرسيك الهزاز.. فآتي وألقي نفسي بين ذراعيك.. أقبل يديك ورجليك.. فتمسحين على رأسه بيديك الحانيتين اللتان تذهبان كل بأسي.. أمي لا تحسبيني لا أحب خالتي هدى.. بالعكس.. هي أمي التي لم تلدني.. لم تشعرني بأنها ليست أمي في يوم من الأيام.. ولكني أريد أن أراك أنت.. أن أحضنك أنت.. كما تفعل نورة.. تحضن أمها الفعليه..عندما أراها يا أمي احضن أمي هدى..أحس أنا وكأني دخيلة على حياتها..دخيلة سلبتها حب أمها وقربها.. أمي.. أرأيت كيف أصبحت؟ أرأيت كيف أضحيت؟ كأني شبح يسير بين الناس؟ أعلمت بحظي يا أمي؟ كسر قلبي مرتان.. والمرة الأمر كسره من أحب.. كسره نواف يا أمي.. حطمه إلى مئات القطع.. أواه يا أمي.. أكاد أموت وأتمزق.. فماذا أفعل.. ليتك يا أمي معي.. وحتى أبي.. ليته هنا.. بقربي.. أنت عن يميني وهو عن يساري.. تضماننا أنا وسعود وفهد.. نحن نحتاجكم.. فلم رحلتم؟
تنهدت بعمق.. نهضت وسرت بخطا مهزوزه حتى وصلت إلى دولاب الملابس.. فتحته.. أخذت نفسا عميقا وكأني أدخل رائحته إلى قلبي.. ليحفرها ذكرى بقرب رائحة نواف..
كانت خزانة أمي رائعه.. مرتبة إلى حد كبير.. لا أستطيع أبدا أن أصفه.. كل شيء منظم ومرتب.. أطلقت العنان ليدي لتستل الملابس فتشمها بقوة وتعيدها لمكانها.. فتحت دواليب الخزانه حتى وصلت إلى دولاب فساتين السهره..
لم أصدق ما رأيت.. هذا كان لأمي أنا؟ أمتأكدة أنا أني أفتح خزانتها وليست خزانة احدى الأميرات؟ رائعة بكل معنى الكلمة..
أخذت ثلاثة فساتين أعجبتني كثيرا من بي مجموعة خلابة من الملابس.. أمسكتها بيدي وأعدت كل شيء لمكانه.. خرجت وأغلقت الباب خلفي..
وصلت لغرفتي وكنت وكأني نسيت التعب والإرهاق.. نسيت المرض والإعياء.. رميت الفساتين على السرير.. وأخذت أفكر بحيرة أيها سأرتدي؟
وأخيرا وقع اختياري على الفستان الوردي اللون.. أجل هذا ما سأرتديه..
صففت شعري ووضعت بعض مساحيق الزينة على وجهي.. لم أكثر منها..فوضعت كحلا بعيني.. وظلالا للعيون فوق جفني.. ونثرت لونا فاتحا على وجنتي.. ولونت شفتي بلون الورود.. فبدوت بمظهرا ملائكي.. رأيت الساعة إلهي لقد تأخر الوقت..إنها التاسعة والنصف.. ارتديت فستاني بسرعة.. وكان الفستان بسيطا جدا إلا انه كان رائعا بالملبس.. أضفى على وجهي بريقا وصفاء.. فانعكست رقة اللون على وجهي وبريق لونه على عيني..فبدوت وكأني عدت للحياة بعد أن فارقتني..
أخذت حقيبتي..وضعت فيها عطري وأحمر شفاه وبعض المحارم.. لأني أحسست أني سأحتاجها أكثر من أي شيء آخر..
أخذت عبائتي وحجابي وخرجت من غرفتي باتجاه الإسفل..حيث سأذهب..للزفاف..
حالما نزلت..سمعت صوت مفتاح الباب يدور..علمت أن أحد قادم..ولابد أن سعود.. نظرت إلى الباب بانتظاره أن يدخل.. فتح الباب نزع مفتاحه من القفل ودخل.. رفع بصره فوجدني مرتدية ملابسي وعلى أهبة الإستعداد للخروج..
سألني باستغراب: روز.. هل أنت خارجه؟
- أجل أنا خارجة..
أغلق الباب وأردف: إلى أين أنت ذاهبه؟
تلعثمت وقلت: إلى.. إلى زواج نواف أخ نورة..
- ستذهبين إلى الزفاف؟
- أجل يا سعود.. هل تمانع؟
- بالطبع أمانع!! كيف لا أمانع وأنت مريضه لا تقوين على تحريك جسمك؟ هي أمامي للأعلى..
- أرجوك يا سعود..
قاطعني بحده: اصمتي يا روز.. لن تخرجي وأنت مريضة..وإلى أين إلى زفاف!! هيا إلى سريرك..
- ولكنها صديقتي وستحزن إذا لم أكن معها اليوم..
- وستحزن أكثر لو علمت أنك مريضة ولكنك حضرت الزفاف.. لو أنها صديقتك حقا لما أحبت لك الأذيه ولما أرادتك أن تحضري وأنت تعبه..
حاولت اقناعه بشتى الطرق إنما جميع محاولاتي باءت بالفشل.. سعود إن قرر أمر..لا يمكنك أن تناقشه فيه..
أحسست بأن كل الأبواب مقفله بوجهي.. فجلست على احد عتبات الدرج وقد امتلأت عيني بالدموع.. لا يعقل.. حرام يا دنياي.. حتى اللحظة الأخيرة التي سأراه فيها حرمتيني منها؟
همست: سعود.. لم لا تفهمني؟لم تحاول أن تعاكس رغبتي دوما؟ يجب أن أذهب.. لا أستطيع التخاذل.. أرجوك.. اتوسل إليك يا سعود..
اقترب مني وجلس بقربي وقال: روز.. أنا لا أعاكس رغبتك.. وبالعكس أحاول أن أفهمك.. إلا أني عجزت عن ذلك..
- سعود..دعني أذهب.. لا يهمني المرض ولا الراحة.. ما يهمني أن أراه..
سكت وعدت صياغة جملتي قائلة: أن أراها..
- ألهذه الدرجة تودين الذهاب يا روز؟
أومأت برأسي علامة الإيجاب فقال: قلبي يخبرني أن هنالك أمر مهم تودين الذهاب للزفاف لأجله.. لا أعلم ماهو ولكن أرجوك روز.. انتبهي على نفسك..
- سأفعل.. ولكن دعني أذهب.. أرجوك.. لأجل أمي رحمها الله
فتح سعود عينه ذاهلا..فهذه أول مرة أشير إلى أمي الفعليه.. أمي رحمها الله..
هز رأسه موافقا ثم قال: إذا كان الأمر يعني لك لهذه الدرجة فاذهبي يا روز.. ولكن عديني بأمرين..
نظرت بعينيه حتى يكمل فقال: اعتني بنفسك ولا تتأخري وإن أحسست أنك تعبت فعودي بسرعه.. والأمر الآخر أن لا أرى هذه الدموع في عينيك.. اقتليها يا روز ولا تسكبيها على وجنتيك..
ابتسمت له وقلت:أعدك..
- يالله.. لا أصدق الشبه الذي بينكما..روز أنت تشبهين أمي.. أذكر أمي بهذا الفستان..كم كانت رائعه.. وكم أنت رائعه..
- هل حقا أشبهها يا سعود؟
- أجل.. تشبهينها في جمالها ورقتها وفي كل شيء..
سكت سعود وكأنه يغالب دمعته.. أشاح بوجهه ونهض متجها للأعلى.. وقال دون أن يلتفت إلي: هيا اذهبي الآن قبل أن يتأخر الوقت..
ابتسمت ولم أجب..فاكتفيت بأن أسرعت للباب..فتحته وخرجت.. الآن لن يمنعني أحد أن أراه.. سأراه..ولكن..للمرة الأخيرة..


[align=CENTER]يتبع..[/ALIGN]
الرد مع إقتباس