عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 26-12-2002, 06:32 AM
محمد ب محمد ب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
المشاركات: 1,169
إفتراضي

اما الخطاب السياسي الذي سعى المخرج الى تمريره فقد ارتكز على ثلاث نقاط اساسية: اولها الصراع الغربي الصهيوني وتأثيره على الاوضاع الداخلية لتونس، وثانيها الدفاع عن دور المكون اليهودي داخل المجتمع التونسي ماضيا وحاضرا، وثالثها التأكيد على البعد الفرنكفوني لنفس المجتمع.
يركز فريد بوغدير اهتمامه على شخصية الحاج باعتباره سفيرا للفكر المشرقي بتونس حيث لا يترك فرصة تفوته دون اظهار كرهه الشديد لليهود بفعل تأثره بما يحدث بالشرق الاوسط (مصر تحديدا) حيث يقدمه في احد المشاهد وهو يستمع لاحدى خطب الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في مشهد مظلم (لا شيء يترك للصدفة في العمل السينمائي) يصرح فيه مباشرة بنواياه ودسائسه الرامية الى اقتناء ممتلكات اليهود الذين سيضطرون حتما لمغادرة البلاد ان قعت الحرب الوشيكة، مصدرا اوامره لخادمته بالتحري وجمع المعطيات المتعلقة بكل المغادرين المحتملين حتى يكون على بينة من امره. وللتاكيد على الارتباط الوثيق بين احداث المشرق والوضعية الداخلية لمجتمع حلق الوادي فان موت الحاج (الجسم المزروع في كيان هذا المجتمع كممثل لفكر دخيل) يتبعه انفراج في التوتر السائد هناك. هذا الانفراج الذي لا يستمر طويلا حيث اندلعت (الحرب) في وقت يظهر فيه الاباء الثلاثة متعانقين متلاحمين ونحن نقرأ على الشاشة ما مفاده ان يهود تونس اضطروا لمغادرة بلدهم الاصلي رغما عن ارادتهم لكنهم ابدا لن ينسوا حلق الوادي وشاطئها. وبجانب شخصية الحاج ارتبط الخطر القادم من الشرق بما يبثه مذياع التصقت به احدى شخصيات الشريط من بدايته الى نهايته متنقلا بين اذاعتي بيروت والقاهرة حتى اصابه ذلك باختلال عقلي (!).
وبموازاة ما سبق، دافع الشريط عن الدور الذي لعبه اليهود ابان مرحلة ما يسمى بمقاومة الاستعمار الفرنسي وهو ما قد يكون صحيحا.في احدى مشاهده يتحدث احد رواد المقهى عن اليهود واصفا اياهم بالخبث والمكر باعتبارهم سكينا ذو حدين يتقنون لعبة العب على الاوتار كلها مؤكدا على ضرورة عودتهم الى بلدهم (؟)، لينتفض الاب المسلم وصاحب المقهى مدافعين عن وطنية اليهود التونسيين وصدق انتمائهم الوطن عبر محاضرة بليدة وتقريرية عن مدى اهمية مشاركتهم في حرب التحرير(!) ودخولهم سجون المستعمر من اجل ذلك. ولم يسلم المشهد من التلميح مرة اخرى الى المشرق ممن خلال كلام وجهه صاحب المقهى الى احد روادها قائلا: اليس اسمك الطرابلسي؟ لماذا لا تعد انت ايضا الى بلادك؟ لكن عليك اولا معرفة ان كنت من طرابلس ليبيا ام لبنان؟ قبل ان يختتم مرافعته بالتأكيد على ان الطيبين والخبثاء يتواجدون بالجانبين وان ممارسة السياسة ترتبط بالانتماء والوطنية وليس بالدين. لكن الغريب في الامر ان هذا الدفاع لم يشمل ولو باشارة بسيطة مسيحيي تونس باعتبارهم مكونا من مكونات المجتمع المحلي كما يوضح الشريط من بدايته الى نهايته. من هنا تتوضح بجلاء عدم براءة الخطاب السياسي المراد تمريره.
اما النقطة الثالثة المتعلقة بالبعد الفرنكفوني لمجتمع التونسي فقد املاها التمويل المشترك الذي كان مصدره الاساسي فرنكفونيا. وهو ما طبع حوار الشريط الذي غلبت عليه اللغة الفرنسية حتى في اغنية الجنريك التي غالبا ما تكون في السينما مفتاحا وتوطئة اولية لجذب اهتمام المتفرج وادماجه في الفضاء العام الذي سيحكم احداثه.و قد نستسيغ استعمال الفرنسية بالنسبة لعائلات مترفة لا صلة لها بالواقع اللغوي والحضاري للشريط كما هو متجسد في في مجتمعاتنا المغاربية الى اليوم. لكننا لن نستسيغ بتاتا اقحام هذه اللغة في احاديث فئات اجتماعية تنتمي الى واقعها قلبا وقالبا وربما رغما عنها ايضا. فبائع الكاكاو (الفول السوداني) لن يكون بتلك الفصاحة والبلاغة اللغوية التي قدم بها خصوصا اذا اخذنا بعين الاعتبار الفئة العمرية التي ينتمي اليها. ولعل استعانة المخرج بممثلين قاطنين خارج تونس او غير منتمين اليها اصلا اسقطه في فخ اعتماد لغة فرنسية يسهل معها التواصل بين هذا الهجين الغير متجانس من الممثلين بالاضافة طبعا الى ما اشرنا اليه من ضرورة ارضاء الممول الاجنبي الفرنكفوني.
تلك اذن كانت اهم المعالم المؤطرة للخطاب السياسي لفيلم صيف حلق الوادي الذي خلق ثلاثية جديدة قد تصبح متداولة لفترة معينة ممثلة في (الشرق/العربية، اليهود والفرنكفونية).
الجنس:
استكمالا لثلاثية (الدين، السياسة، الجنس)، كان من الضروري البحث عن صيغة تسمح بدمج هذا المكون الثالث فكانت حكاية الفتيات الثلاث (مريم، جيجي وتينا) اللائي يقررن العزم على التحول من مرحلة بنت الى مرحلة امرأة، مما يقتضي فض بكارتهن قبل الزواج كثورة على التقاليد المحلية (البالية) التي لم تعد تساير طموحاتهن (؟) وانتظاراتهن. وعبر مشوار بحثهن عن المرشحين للقيام بهذه المهمة المقدسة يتحفنا المخرج بمشاهد عري يقدمها قرابين لاولياء نعمته من الممولين سواء قبل الانتاج او بعده.و قد توزعت هذه المشاهد بين ما اهتم بالجسد الانثوي او الكلام والايحاءات الجنسية.
فعلى المستوى الاول، كان الاهتمام منصبا حول ابراز مفاتن الفتيات الثلاث مع تأثيث ذلك بمشهد عرس راقص اخذ وقتا طويلا من مدة عرض الشريط ورفض اثناءه المدعوون الاستماع للموسيقى الكلاسيكية التي اقترحها عليهم اليهودي على شرف ضيفته كلوديا كاردينال ونالت استلطاف زوجته في وقت انتفض فيه الاخرون مطالبين بموسيقى تتوافق ومصطلح (هز البطن) تأكيدا وتغذية للنظرة الغربية لمجتمع الف ليلة وليلة. وعودة الى مشاهد العري التي احتواها الشريط لابد من ابداء ملاحظة تبدو اساسية وتتعلق بنصيب الفتاة المسلمة (مريم) من هذه المشاهد التي فاقت الستة (تظهلر مرتين نائمة بلباس خفيف لا يستر من جسدها الا القليل، القبلات الساخنة اثناء الحفلة التي نظمها الشبان الثلاثة على هامش حفل العرس، تلاعب الحاج وتتدلل عليه بابراز انوثتها ومفاتن جسدها، تظهر مرتين عارية تماما حين يتلصص عليها الحاج وهي تستحم واخرى في نهاية الشريط حين تقف امامه عارية داخل فيلته مسببة بذلك وفاته في الحين)، في وقت كان نصيب الفتاة المسيحية (جيجي) مشهدين اثنين، اما الفتاة اليهودية (تينا) فلم تظهر بشكل فاضح وعار طوال الشريط بل اصر المخرج على تبرير تقبيلها لاحد الشبان بوقوف والحاح الفتاتين الاخريتين عليها من اجل القيام بذلك. كما كان الشأن بالنسبة لقرارهن بفض بكارتهن حيث كانت اكثرهن استعدادا للتراجع والعدول عن هذه الفكرة.
اما على المستوى الثاني، فقد بالغ المخرج الذي كتب السيناريو ايضا في حواراته البذيئة التي اتخذت من الجنس والخيانة الزوجية محورا اساسيا ودائما لها. وهي احاديث نشك في انها قد تتم بتلك المباشرة والوقاحة في مجتمع عربي ومسلم خصوصا اذا اخذنا بعين الاعتبار الحقبة التاريخية التي يتناولها الشريط، رغم كل ما تتمتع به المرأة التونسية من من حرية (لا علاقة لها بالحرية السياسية) يذهب البعض الى تصنيفها في دائرة الانحلال والدعوة اليه. كما ان الشريط اختصر اهتمامات شباب حلق الوادي في معاكسة وملاحقة الفتيات والتلصص عليهن اثناء استحمامهن.، قبل ان يحولهم الى عاجزين جنسيا حين فشلوا في القيام بمهمة فض البكارة على احسن وجه. ولا نعرف ان كان ذلك جزءا من السيرة الذاتية لمخرج وهو ما لا يجوز تعميمه على الكل حيث لم نصادف طوال احداث الشريط نموذجا ايجابيا واحدا لشباب تونس/ الزيتونة مسايرة للصورة التي تقدمها، عادة، الافلام الاجنبية التي تتخذ من العرب موضوعا لها منذ ما سمي بالسينما الاستعمارية او الكولونيالية الى اليوم.
اوشن طارق: ناقد من المغرب
الرد مع إقتباس