عرض مشاركة مفردة
  #16  
قديم 06-09-2006, 02:41 PM
خذوني للمعارك خذوني للمعارك غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2006
المشاركات: 18
إفتراضي

الإضراب



إبراهيم المدهون – باحث وكاتب فلسطيني



الإضراب الذي يُصيب القطاع الحكومي هو الورقة الأخيرة في يد المتنفذين في السلطة, فرموز الفساد يدركون أن صمود الشعب الفلسطيني اليوم والسعي الحثيث والعمل المتواصل للحكومة الفلسطينية سينتهي بنجاح الحكومة وكسر الحصار وتقوية جبهة الصمود, هذه النتيجة غير مرضية لرموز الفساد من قادة أجهزة أمنية ومن وزراء سابقين ومن شخصيات تبوَّأت الكثير من المناصب مما أفشت الفساد والمحسوبية ونهبت الأموال وضيَّعت الكثير من حقوق الشعب الفلسطيني.



فالدعوة إلى الإضراب جاءت عن طريق منظمات مشبوهة وغير رسمية وهلامية تفرعت كالفقاقيع بعد هزيمة الفساد وفوز نهج التغيير والإصلاح. كما نجد أن الآلة الإعلامية الرسمية كتلفزيون فلسطين ووكالة وفا وبعض الصحف الرسمية وغير الرسمية التابعة لبعض الشخصيات الأمنية والسياسية ممن لفظهم الشعب الفلسطيني يُروِّجون لهذا الإضراب, ويؤلبون الشارع على الحكومة, ويُشْهرون سيوفهم المسمومة لتنهش الصمود الفلسطيني ولو أدى ذلك لموت القضية و عودة الاحتلال. ففي هذا الفكر النظرة تكون نظرة مصالح وليس نظرة وطن , فهم لا علاقة لهم بالوطن اتخذوا الوطن والثورة كتجارة يتاجرون فيها وهم غير مستعدين إلى تقديم أي من التضحيات حتى ولو كانت بسيطة , رغم أننا لا نطلب منهم صموداً أو تحدياً، نطلب منهم فقط أن يصمتوا ويتركوا الشعب الفلسطيني في حربه الخطيرة اليوم .



يركز اليوم الكثير من الرموز على إفشال الحكومة ولو على حساب الوطن والقضية, ولم يسلكوا طريقا آخر كأن يتوبوا ويراجعوا أنفسهم ومنهجهم وينحازوا لخيار الشعب الفلسطيني أو يعيدوا ترتيب بيتهم الخرب, فترتيب البيت لن يكون على حساب شعبهم وقضيته العادلة, وإنما يكون بالانحياز لشعب والقضية والتمسك بالحقوق.



نعم، إن الإضراب حق للجماهير الفلسطينية, ولقد استخدم الإضراب ضد الاحتلال منذ بداية الصراع الصهيوني الفلسطيني, وكان له تأثير إيجابي كبير, وكان يخدم المصالح العليا والتفصيلية والمستقبلية لشعب الفلسطيني, إلا أن ما يحدث اليوم هو إضراب خياني من الدرجة الأولى وغير مبرر، وموجه بطريقة خاطئة, ويقوده أناس فاسدون وتُروِّجه مؤسسات إعلامية لها مآرب خاصة وأهداف شخصية.

فهو إضراب خياني؛ لأنه لا يخدم مصالح الشعب الفلسطيني, وإنما يضرّ بكل مناحي الحياة, وبشكل مباشر يضرب النواحي التفصيلية لمجتمع, ويعيق عمل المؤسسات ويُهدِّد حاضر المواطن ومستقبل الجيل, والإضراب لا يوجه ضد الاحتلال وإنما تكملة لمشواره وإنجاح لخططه، فالمحتل اليوم يقوم بعملية ضغط لتنازل عن الحقوق والتاريخ والقضية والإضراب يهدف لمساعدة الصهاينة وإنجاح مسعاه لبيع القضية وإظهار المجتمع الفلسطيني غير قادر على الصمود. وعلى استعداد للبيع والتفريط مقابل راتب ذليل آخر كل شهر.

وهو غير مُبرَّر، لأنَّ الموظف لم تنتهك حقوقه ولم تسلب أمواله ولم يقتطع راتبه، وإنما أخذ ما استطاعت الحكومة توفيره. فلقد استلم القطاع الحكومي أكثر من 60 % من راتبه كسلف إلى حين فك الأزمة ودفع كامل المستحقات المالية, فلا مبرر للإضراب لأنَّ جميع الحقوق ستعود للموظف يوم أن ينتصر الشعب و يكسر الحصار والتي ظهرت بشائره بهذا الصمود والالتفاف الجماهيري مع المقاومة.

وهو موجه بطريقة خاطئة؛ فالعنوان الصحيح للإضراب والاحتجاج ليس الحكومة فالحكومة الآن تتعرض لحرب بكل ما تحمله الكلمة من معان فهي مقيَّدة الحركة, محاصرة من الاتجاهات المختلفة, تكالب عليها العدو الصهيوني والأمريكي والغربي والخذلان العربي, ووصل الحال أنْ هددت البنوك والمصارف والمؤسسات المالية من أي تعامل مع الحكومة وهذا لم يحدث إلا مع الحكومة الفلسطينية, فيعتبر حصار الشعب الفلسطيني اليوم والحكومة الفلسطينية الأقوى والأدق في التاريخ الحديث، فلم تكتفِ أمريكا بمنع المساعدات والتي كبتها كبّاً على الحكومات السابقة الفاسدة، وإنما هددت المؤسسات المالية والمصرفية والعربية والأوربية والحكومات المختلفة من أي تعامل مع الحكومة لأنها تدرك أن نجاح الحكومة يهدد هيمنتها وتفردها ومشروعها في الشرق الأوسط.

لهذا، فالتوجه الصحيح للإضراب هو أن يوجه ضد الولايات المتحدة والعدو الصهيوني, وضد الرئاسة والتي تتمتع بعلاقات طيبة مع العدو الصهيوني والإدارة الأمريكية وتقوم بجولات مكوكية, وتستطيع أن تكسر الحصار والجميع يدرك أن الرئاسة والرئيس عباس يستطيع حل الأزمة لأنَّ أموال السلطة بيده إلا أنه لا يريد لهذا المشروع أن ينجح لأنَّ نجاح الحكومة سيفشل كل مخططاته لتسوية والتفريط بالحقوق، ولن يكون له مكان بعد ذلك.



والغريب أنَّ من يُروِّج اليوم لهذا الإضراب هم من نبذهم الشعب ولم يعيد انتخابهم وملَّ منهم ومن تصرفاتهم الفاسدة على مدار أكثر من عشر سنوات. لهذا أغراضهم وأهدافهم غير سليمة وغير وطنية، لأنَّ العمل هذا غير وطني ويصبّ فقط بمصلحة الاحتلال.



إن المجتمع الفلسطيني يدرك كل ذلك، لهذا فالإضراب ولله الحمد لم ينجح وإنما فشل بسبب صمود الموظفين الأسطوري. وكل المسيرات التي خرجت من أجهزة أمنية وكل الاعتصامات كانت اعتصامات ومسيرات قليلة العدد من أناس مشهود لهم ببعدهم عن الهم الوطني. ولهذا قامت فرق الزعرنة بمهاجمة المدارس والمؤسسات وهددت العاملين بالسلاح لإنجاح الإضراب ولو جزئياً.



إن المجتمع الفلسطيني ينتظر تحركاً حقيقياً لقوى المقاومة لتكمل مشوارها وتظهر الحقائق وتبين المواقف بشكل أوضح والجماهير الغفيرة التي انتخبت وأعطت القضية أمانة في يد "حماس" تستطيع اليوم أن تحمي هذه الثقة، وأن تقف بشكل أكثر فاعلية لو قامت الحكومة بكشف ملفات الفساد, وتوجيه الاتهام لرموز التخريب والتضييع والتسوية, وأعطت للجمهور الأمر بالتحرك ضد الفاسدين وأصحاب المصالح الشخصية الضيقة.


http://www.palestine-info.info/arabi...006/5_9_06.htm