عرض مشاركة مفردة
  #8  
قديم 14-01-2006, 01:01 AM
أسعد المصري أسعد المصري غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2005
الإقامة: جدة ــ دمشق
المشاركات: 256
إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى أسعد المصري
إفتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عند الساعة الحادية عشرة والنصف من يوم الخميس ثاني أيام التشريق كنتُ في طريقي إلى

جسر الجمرات .. كان الازدحام كبيرا وخانقا لدرجة أني كنت ألتقط أنفاسي بصعوبة بالغة ..

وصلت إلى بداية الجسر في الثانية عشرة وأربعين دقيقة .. لفت نظري حينها الوجود المكثف

لرجال الأمن والجهد الملحوظ الذي كانوا يبذلونه في انتشارهم بين الحجاج لإرشادهم إلى

الأماكن الأقل ازدحاما لتخفيف الضغط على الأماكن المزدحمة بشكل كبير .. وفي محاولتهم

الحثيثة لمنع أي حاج يحمل متاعه من الصعود الى الجسر قبل أن يأخذوا منه ما يحمل

ويضعونه في مكان محدد إلى أن ينتهي من رمي الجمرات ...

كما لفت نظري أيضا وجود نماذج من الحجاج لا يتمتعون بالوعي اللازم لتجنب عواقب التدافع

في ذلك اليوم .. فهذا يحاول الاحتيال على رجل الأمن كي لا يتخلى عن أمتعته .. وأولئك لا

لا يملون محاولة الصعود إلى الجسر من المخارج المخصصة للحالات الطارئة .. وآخرون

يتوقفون عند كل جمرة ليشتموا الشيطان ويلعنوه ويوسعونه ذما وتأنيبا وتصغيرا .. وآخرون

بعد أن يفرغوا من الرمي يتوجهون نحو اليمين أو نحو الشمال بل ومنهم من يحاول الرجوع

إلى الخلف بدل أن يكملوا طريقهم ومسيرهم إلى الأمام ...

منذ بداية الجسر كان قلبي يحدثني بأن مكروها سيقع نتيجة هذا الازدحام .. لكنني أنهيت الرمي

ووصلت الى نهاية الجسر عند الواحدة وخمس دقائق بفضل الله ورحمته ولطفه .. وتابعت

مسيري خارجا من منى باتجاه المسجد الحرام في مكة المكرمة .. وفي الطريق بدأت المكالمات

تنهال على هاتفي المحمول .. من داخل السعودية ومن خارجها .. أهلي وأصدقائي وزملائي

وأقاربي كلهم يريدون الاطمئنان علي بعدما سمعوا خبر الحادث الأليم من الفضائيات .. شعرتُ

بقلبي ينفطر من الألم .. وعيناي اغرورقتا بالدمع إكبارا وعرفانا وشكرانا لرحمة الله الذي

نجاني من هول هذا الحادث الرهيب ...

وبدأت الأقاويل والتحاليل والتصريحات ..هذا يلقي اللوم على الحجاج غير النظاميين ( القادمين

بدون تصريح رسمي ) .. وآخر يتهم الدولة السعودية وأجهزتها بالتقصير .. وثالث يحمل قلة

الوعي لدى الحجاج المسؤولية كاملة ....

برأيي ومن واقع تجربتي ووجودي في مكان الحادث وقبل وقوعه ببضع دقائق أن هناك الكثير

من الأمور التي سببت هذه الكارثة ولكن آخر اللوم وأقله هو ما يقع على الدولة السعودية ..

وأكثره يقع على عدم الوعي الكافي لدى بعض الحجاج .. وأشدد على كلمة بعض .. لأن تصوير

الحجاج بأنهم غير واعين في غالبيتهم فيه مبالغة كبيرة .. فنقص الوعي موجود إذا ولا أعتقد

أن نسبته كبيرة جدا لكنها نسبة كافية وموفية لحدوث مشاكل وحوادث من ذلك النوع المميت ..

وبما أن المخيمات في منى تتسع لأكثر من مليوني حاج فإن رمي الجمرات سواء من الأرض أو

من فوق الجسر يمكن أن يسير بيسر وبدون حدوث مشاكل إذا كان هناك تنظيم لطريقة خروج

الحجاج من مخيماتهم إلى مكان الرمي .. كأن يتم تسييرهم حملة وراء حملة .. أو حجاج دولة

معينة وراء حجاج دولة أخرى بالتتابع على أن لا يسمح لفوج الحجاج بمغادرة المخيمات إلا

بعد التأكد من انتهاء خروج من سبقهم وابتعادهم مساقة كافية لتجنب الزحام .. وبذلك تتجنب

الدولة تكاليف إنشاء جسور إضافية للرمي لا تساهم في حل هذه المشكلة إن لم تتم توعية

الحجاج وتنظيم حركتهم .. ويتجنب المسلمون تكرار هذه الكارثة ...

وفي الختام أسأل الله أن يتغمد برحمته كل من قضى في هذا الحادث الأليم ويلهم ذويهم الصبر

والسلوان .. ويوفق جميع القائمين على الحج من الحكومات واجهزتها وعلمائها ومطوفيها إلى

العمل على ايجاد الحل الجذري لهذه المأساة المتكررة .

والسلام عليكم ورحمة الله .