عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 12-07-2007, 02:29 PM
السيد عبد الرازق السيد عبد الرازق غير متصل
مشرف
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 1,254
إفتراضي

وإذا كان موضوع شعر التفعيلة واحدا من نتاجات العصر الحديث ، بل معلما من معالم التلاقح الثقافي ، والتأثر بالآداب الغربية- لارتباطه بطيعة البنية الأسلوبية عندهم ؛ إلا أن ذلك لا ينفي إمكانية تأقلمه- تأقلما جزئيا- مع المزاجية الشرقية ، بل لعل جذورا تاريخية تشهد بإمكانية وجود مثل هذا اللون - شكلا على الأقل – فقد أورد الباقلاني في كتابه " إعجاز القران " قصيدة منسوبة لابن دريد ، جاء فيها :
رب اخ كنت به مغتبطا
اشد كفي بعرى صحبته
ممسكا مني بالود ولا
احسبه بغير العهد
ولا يحول عنه ابدا
ما حل روحي حسدي
وكذا نقل عبد الكريم الدجيلي ، من كتاب وفيات الأعيان، اشطرا منسوبة إلى أبي العلاء المعري ، جاء فيها :
أصلحك الله وأبقاك لقد كان من الواجب أن تأتينا اليوم
إلى منزلنا الحالي
لكي نحدث عهدا بك يا خير الإخلاء
أما الموشحات والمسمطات والمخمسات والرباعيات فهي أمثلة واضحة لقبول فكرة التجديد في الشكل لدى العرب ، ولا اعتقد أن القضية الأسلوبية قد مثلت حاجزا منيعا أمام فكرة القبول آو الرفض مما ورد في شعر التفعيلة ، إلا إذا نظرنا إلى البدايات التي ظهرت فيها قصيدة التفعيلة والطريقة التي سوقت بها والأعلام الذي حملوا لوائها من الشعراء ،فالإسلاميون ، وعلى رأسهم سيد قطب- رحمه الله- نظروا إلى الفنون من خلال منهج يحكم الإسلام فيه حركة التطور، مهمته الرئيسية هي تغيير الواقع ، وهذا الهدف لا يتعارض مع التصورات الفنية ، بل قد يلتقي التصور الإسلامي للأدب فكريا مع بعض النظرات ؛ فالمنهج التاريخي لتفسير الأدب قد يلتقي إلى حد ما مع المنهج الإسلامي ؛ فالمحور الذي تدور عليه حركة التطور في الفكرة الإسلامية ، هو تطوير البشرية ، ودفعها إلى الانطلاق والارتفاع ، والى الخلق والإبداع .
بل لعلنا نثبت هنا ما يمكن اعتباره سندا للتوجه الإسلامي المنفتح ثقافيا ؛ عندما نتحدث عن تجربة باكثير وريادته لشعر التفعيلة ، خصوصا في ترجماته التي ترجم فيها لشكسبير وغيره،
فالأدب الإسلامي لا يقف وجلا أما الظاهرة الفنية الإبداعية ما دامت القيمة التعبيرية للنص قد ضمنت سلامة الغاية ، فهو "لا يحارب الفنون ذاتها ، ولكنه يعارض بعض التصورات والقيم التي تعبر عنها هذه الفنون ، ويقيم مقامها – في عالم النفس- تصورات وقيما أخرى قادرة على الإيحاء بتصورات جمالية إبداعية ، وعلى إبداع صور فنية أكثر جمالا وطلاقة ، تنبثق انبثاقا ذاتيا من طبيعة التصور الإسلامي ، وتتكيف بخصائصه المميزة ".
والشكل الفني الذي يتقبله المنهج الإسلامي في النقد ، هو ذلك الشكل الذي يحتفظ للذائقة الشعرية بابجدياتها ولا يخلط الأوراق ولا يعبث بمقومات الجملة الشعرية الأساسية كالوزن وسلامة اللغة وجمال ها ، أما تلك الصيحات الهدامة التي أرادت أن تحطم كل موروث ، تحت دعوى التجديد والحداثة ؛ فلم تميز بين نثر وشعر ونادت بالعامية لتكون بديلا عن الفصحة ورفضت أساليب العربية وقبلت كل عبث نحوي ولغوي وأسلوبي فهي مرفوضة ولا يمكن قبولها في أي حال من الأحوال ؛ فنحن لسنا مطالبين بقبول نص عبثي بمجرد كتابة عبارة ديوان شعر على غلافه ، واعتبار ذلك توسعا وسماحة ؛ إذ كيف لي أن – مثلا ان ارتب بعض السطور النثرية في شكل قصيدة حديثة ثم أقول إن ما أقدمه هنا شعرا، وبينه وبين الشعر ما بين الثرى والثريا ، وهنا سأختار لك نصا نثريا ثم أصوغه في شكل القصيدة الحديثة ؛ فاقرأ معي وتأمل إن كنت تجد فيه إيقاعا أو وزنا أو أي دلالة على الشعرية غير طريقة الطباعة:
"عندما أرنو إلى عينيك الجميلتين
احلم بالغروب بين الجبال
والزوارق الراحلة عند المساء
واشعر أن كل كلمات العالم طوع بناني
فهنا على الكرسي العتيقة
ذات الصرير الجريح
فلو إن الأستاذ الماغوط كتب لنا هذه المقطوعة بهذه الطريقة ، ثم قال لنا ما قدمته لكم هو من الشعر الحر ، هل نستطيع آن نقول آن ما قدمه هنا شعرا ، الحقيقة أن الماغوط لم يفعل ذلك ولكن الآن قارن معي بين هذه المقطوعة النثرية وبين مقطوعة أخرى أرادها صاحبها شعرا وقل لي كيف تستطيع أن تفرق بين نصه وما أثبته لك من نص الماغوط .
والآن اقرأ معي هذا النص من ديون شعر ثم قارن بينه وبين ما نقلته عن الماغوط ، فهل أنت واجد من فوارق الفن ما يقدم النص الثاني على انه شعر:
أكاد أشم عبق الماسة الوضاءة
وهي تذهل عتمة المحيط .
والظلمة قلب بحجم الكوكب، كثيف،
له لزوجة الدم البارد
وبلادة الحسابات
واقفز فوق صمت الأعماق الرخوة،
علي أجد صلابة تلك الماسة
لأخط عليها،
واخذ موقعي
وزينة قوتي
لأقذف هذا الوحل بعيدا
في هيولى الفراغ الكوني .

نعم ، هناك شعر حر نعترف به إذا ما استوت في النص كل مقومات الشعرية وعلى رأسها الإيقاع والإبداع الفني في بناء الشكل الشعري الجديد .
وإذا كنت قد تأملت ما نقلته لك من ديوان المتوكل ، فليتك تنتقل معي إلى لافتات مطر حيث البساطة والرقة والتدفق والإيقاع

فـكرت بـأن أكتب شعراً
لا يـهدر وقـت الـرقباء
لا يـتعب قـلب الـخلفاء
لا تـخشى مـن أن تنشره
كــل وكـالات الأنـباء
ويـكون بـلا أدنى خوف
فـي حـوزة كـل القراء
هـيـأت لـذلك أقـلامي
ووضـعت الأوراق أمامي
وحـشـدت جـميع الآراء
ثـم.. بـكل رباطة جأش
أودعـت الصفحة إمضائي
وتـركت الصفحة بيضاء!
راجـعت الـنص بـإمعان
فـبدت لـي عـدة أخطاء
قمت بحك بياض الصفحة..
واسـتغنيت عـن الإمضاء
ومن هنا، فمن حقنا أن نتحدث عن سمات فنية تقنن لهذا النمط الشعري معالم تشكله ، وتغلق الباب أمام العابثين ؛ كي يقفوا عن حدود تلك السمات، وأول هذه السمات الوزن الشعري ، فالشعر الحر الذي نقبله هو ما التزم موسيقيا بالأوزان المعروفة ، وفق أسلوب السطر الواحد دون التزام بعدد التفعيلات في السطر، وهو بهذا التصنيف يكون قد اعتمد عروضيا على وحدة التفعيلة ؛ فمثلا لك أن تأتي بتفعيلة فاعلاتن من الرمل ، مرة أو اثنتين أو أكثر بما يخدم سطرك الشعري ، وهو بذلك لن يقيد بعدد من التفعيلات . ولان الشعر الحر هو شعر السطر؛ فان القافية ستحدد بناء على رؤية الشاعر في نسج المقاطع الشعرية التي يمكن تمثيلها بالفقرة التي تختم بقافية تحدد طبيعة الروي في القصيدة ، والقافية ليست واحدة بل هناك تنويع في القوافي يتناسب مع حاجة المقطع الكامل من الحروف المناسبة .
ولست خبيرا بعلم العروض- وان كنت اكتب الشعر العمودي - غير أنني -هنا - أتحدث عن الذائقة الشعرية ، التي تجعل الأذن تصافح النص الشعري بأريحية ، دون أن تشعر بأنك خرجت عن طبيعة الشعر وسجيته ، نعم في هذه الحديقة الحديثة يمكننا التجوال وإعادة التشكيل الفني وفق نظام القصيدة الجديدة ، أما أن نزعم بان كلام سطر وفق هوى هو من الشعر فتلك مصيبة المصائب .

الحواشي:
انظر ، محمد زكي العشماوي ، قضايا النقد الأدبي بين القديم والحديث، بيروت ،1969، ص128
محمد غنيمي هلال ، النقد الادبي الحدبث ، بيروت ،1973،ص185
انظر ، حنا عبود ، الحداثة عبر التاريخ، 1989،ص12
المرجع السابق ، ص12
انظر donyhou .poetry and the new conservatism.the London magazine. April1956
انظر ، محمود سمرة ، مقالات في النقد الأدبي ، ، ص27
المرجع السابق ص، 31
نازك الملائكة ، قضايا الشعر المعاصر ن ط8ن بيروت ، 1992،ص10
المرجع السابق ص11
انظر ن سيد قطب ، النقد الأدبي أصوله ومناهجه ، دار الشروق ن بيروت نط5ن 1983،ص102 وما بعدها
المرجع السابق ،صص104
من كتاب محمد الماغوط ، حزن في ضوء القمر
المتوكل طه، ديوان "الرمح على حله " ، ن رام الله ،2004، ص55
__________________
السيد عبد الرازق
الرد مع إقتباس